قال محمد لغضف الغوتي رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحق في الصحة وحماية المستهلك، إن القول بارتفاع أسعار الأدوية بالمغرب مسألة نسبية مقارنة مع دول أخرى، معتبرا، أن المشكل في المغرب لا يرتبط بأثمنة الدواء، ولكن بضعف القدرة الشرائية للمواطن، وكذا محدودية التغطية الصحية. ومن جانب آخر، أكد لغضف أن تشجيع الأدوية الجنيسة من شأنها تشجيع المواطن المغربي على اقتناء الدواء بثمن مناسب، مشيرا أن هناك لوبيات تحارب الأدوية الجنيسة وتشجع الأدوية الأصلية، وحذر لغضف في السياق ذاته من الأدوية المزورة التي تغزو المغرب، مما يشكل خطرا على صحة المواطن، حيث أوضح أن ما بين 30 إلى40 في المائة من الأدوية التي تروج في السوق المغربي خارج الصيدليات يمكن اعتبارها مزيفة ومزورة، ومن جانب آخر، أكد أن المغرب لا يتوفر على سياسة دوائية، كما هو متعارف عليها حسب منظمة الصحة العالمية. ما موقف هيئة الصيادلة بخصوص النقاش القائم الآن حول ملف ارتفاع سعر الأدوية بالمغرب، وما يشكله ذلك من معاناة حقيقية للمواطن المغربي بخصوص حقه في الولوج إلى الدواء؟ ابتداء يجب مراجعة مقولة ''ارتفاع الأدوية بالمغرب''، على اعتبار أن الارتفاع هو نسبي، لأن المشكل لدينا في المغرب، ليس غلاء الأدوية، وإنما ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وخاصة إذا ما أجرينا مقارنة بين المغرب وبين بعض الدول، فمثلا إذا قارنا بين أثمنة الأدوية في المغرب وبين ثمنها في فرنسا وإسبانيا، نجد بأن ثمن الأدوية في المغرب منخفض، لذلك لا يجب أ، نعمم القول بأن أثمنة الأدوية مرتفعة بالمغرب، لكن وفي نفس الوقت، إذا قارنا أثمنة الأدوية في المغرب وبعض دول الجوار كتونس والجزائر، فسنجد أن 70 في المائة من الأدوية، أثمنتها مرتفعة مقارنة مع هذين البلدين، وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن الحديث عن ارتفاع أثمنة الدواء بالمغرب هو أمر نسبي، وبالمقابل، إذا أقررنا بأن أثمنة الدواء بالمغرب هي مرتفعة فيجب أن لا نغفل الأسباب، حيث نجد أن السبب الأساسي هو تدني القدرة الشرائية بالمغرب، فالمعدل السنوي لمصاريف المواطن المغربي على الأدوية لا يتعدى 290 درهما، ويستهلك مجموع المغاربة، الذين يتعدى عددهم 30 مليون نسمة، حوالي 8 ملايير درهم سنويا، وهو نفس المبلغ الذي تنفقه دولة الأردن رغم كون عدد سكانها لا يتجاوز 6 ملايين. ودائما في مجال المقارنة، نجد أن فرنسا تستهلك 50 ضعفا، عما يستهلكه المواطن المغربي، وإذا أخذنا مدينة أوروبية ك''كرانادا بإسبانيا أو مرساي بفرنسا)، فإن استهلاكها للأدوية، يوازي ما يستهلكه المغاربة جميعا. أما العامل الثاني فيتمثل في محدودية التغطية الصحية، حيث أن 70 في المائة من المغاربة لا يشملهم هذا النظام، فيجدون صعوبة في ولوج عالم الصحة وعالم التداوي. ناهيك، عن تفشي البطالة والهشاشة والفقر.. لكن تقرير اللجنة الاستطلاعية البرلمانية حول ثمن الأدوية بالمغرب، خلص إلى غلاء ثمن الأدوية، وعزا ذلك إلى جملة من الأسباب، من ضمنها المساطر المتبعة لتحديد ثمن الأدوية، ولمساطر التعويض عن الأدوية من طرف التغطية الصحية، كما حمل المسؤولية لمصنعي الأدوية؟ كما قلت سابقا، القول بأن سعر الأدوية في المغرب مرتفع يبقى كلاما نسبيا، وحتى هذه اللجنة انطلقت من المقارنات التي قدمتها في الإجابة على السؤال الأول، ومن جانب آخر فإن التقرير بنى خلاصته انطلاقا من 15 عينة من الدواء، والسوق المغربي يتوفر على نحو 4600 عينة. ويبقى الإيجابي في التقرير أنه أثار موضوع غلاء الأدوية، ولكن لا يجب أن نأخذ خلاصاته بشكل قطعي، على اعتبار كما أسلفت أنه لم يعتمد سوى على 15عينة من الدواء، ثم المنهجية الذي اتبتعتها اللجنة، ومقارنتها لما يجب ألا يقارن. في رأيكم هل تشجيع الأدوية الجنيسة من شأنه أن يساهم في خفض أسعار الأدوية حسب ما توصلت إليه الدراسة التي أنجزها أحد مكاتب الدراسات الأمريكية؟ هذا المكتب كان قد أجرى دراسة لفائدة وزارة الصحة، وفي نفس الوقت للوكالة الوطنية للتأمين الصحي، وتهدف هذه الدراسة إلى كيفية تشجيع الأدوية الجنيسة بالمغرب، والكل يعلم أن الأدوية الجنسية هي من بين المداخل والتدابير العملية والإجراءات الكفيلة التي من شأنها تشجيع المواطن المغربي على اقتناء الدواء، بثمن مناسب، ونحن انطلقنا من معطى مغربي هو إلى حد ما نقطة سوداء، وهو أن الأدوية الجنيسة بالمغرب لا تتعدى 30 في المائة، في الوقت الذي تمثل نسبة هذه النوعية من الأدوية ضمن الأدوية الموجودة بالسوق في بعض الدول المتقدمة ككندا وأمريكا حوالي 70 في المائة. إذن، هل هناك لوبيات تحارب تشجيع هذا النوع من الدواء؟ هناك لوبيات تحارب رواج الأدوية الجنيسة بنسبة مهمة داخل السوق المغربي، وتتمثل هذه اللوبيات في الشركات متعددة الجنسيات، التي تشجع الدواء الأصلي مقارنة مع الدواء الجنيس، وهذا ناتج عن غياب سياسة دوائية من شأنها تشجيع الأدوية الجنسية. تظهر بين الفينة والأخرى، نتائج دراسات جديدة على بعض الأدوية التي يظهر أن لها انعكاسات خطيرة على صحة الإنسان، فتدعو دول إلى سحبها من الأسواق، فهل الأدوية التي يتم سحبها من السوق المغربي، لها بدائل موجودة، وهل تكون بنفس الفعالية؟ وهل وزارة الصحة تتابع بجدية هذه الحركية في سحب الأدوية بالصرامة التي توازي الخطر الذي يتهدد صحة الإنسان جراء تناول هاته الأدوية؟ هناك بدائل وبفعالية أحسن، حيث أن الآثار الجانبية تكون أقل من تلك تسحب، أما على مستوى وزارة الصحة، فإنها تقوم بواجبها، وتتابع، بحكم أن هناك المركز الوطني لليقظة الدوائية، والمديريات، ومركز التسمم، وأكثر من ذلك، ومن باب الاحتياط، فإن بعض الأدوية التي تسحب من السوق لعلات ولأسباب في دول أخرى، على سبيل المثال، الدواء الأخير ''ديكستروبروبوكسي فين''، مسكن الألم، والذي سحب من بريطانيا سنة ,2007 وسحب من المغرب سنة ,2010 لسبب غير موجود في بلادنا، يعني كان بالإمكان عدم سحبه، لأن في الدول الأخرى، يستعملون هذا الدواء من أجل الانتحار، ورغم ذلك، أخذت وزارة الصحة بالأحوط، وقامت بسحبه من الأسواق. وهو أمر يقرأ من جانبين، جانب إيجابي وهو أن الوزارة قطعت الشك باليقين واتخذت تدابيرها الوقائية، وقامت بسحب الدواء، وهناك قراءة أخرى سلبية، وهي أن الوزارة لم تتحرر لخصوصيات المغرب. كيف تقيم ما يمكن أن نسميه ثقافة التصريح بالأعراض الجانية للأدوية، سواء من قبل المهنيين من أطباء وصيادلة، أو من طرف المهتمين بصناعة الأدوية، وحتى المرضى أنفسهم؟ للأسف، ليس هناك تدابير تشجع المهنيين على هذا الأمر، لأن هناك انعدام للثقة بين المهنيين وبين مؤسسات ومصالح الوزارة. وهذا ناتج عن مجموعة من السلوكات سواء من قبل المهنيين أو من وزارة الصحة، وكذلك بسبب غياب الثقافة الدوائية والوعي الصحي لدى المواطن بهذا الخصوص، وهذه الثقافة لا يمكن أن تتم، سوى بمشاركة فعلية بين المواطنين والممثلين المهنيين، وممثلي المصالح للاشتغال في إطار وحدوي الذي يغلب مصلحة المواطن أولا وأخيرا، خاصة فيما يتعلق بالجانب الصحي والدوائي. وهذه الشراكة لا يمكن أن تتم إلا إذا تم وضع سياسة صحية وسياسة اجتماعية وسياسة دوائية واضحة المرامي والأهداف، والابتعاد عن سياسة الإملاء من طرف الوزارة. انتشار الأدوية المزيفة يهدد الأمن الدوائي لأي دولة، فهل المغرب مهدد بمثل هاته الأدوية وماهي الأسباب بنظرك؟ المغرب مهدد، على اعتبار أن ما بين 30 و40 في المائة من الأدوية التي تروج في السوق المغربي خارج الصيدليات يمكن اعتبارها مزيفة ومزورة، والمسألة الأساسية التي يجب التنبيه إليها وتتعلق بالوعي الدوائي، وهي أهم رسالة ينبغي توجيهها إلى المواطنين، وهو أنه يتم صرف مليارات الدولارات من أجل اكتشاف دواء، ومدة الاكتشاف قد يتجاوز أكثر من عشر سنوات، وأن الدواء الذي يطرح في الأسواق لا يتم اختياره إلا ضمن آلاف المكونات الدوائية وهكذا.. وجودة الدواء ليست مرتبطة فقط بالأبحاث والدراسات والشركات التي صنعته، لكن جودة الدواء مرتبطة كذلك، بكيفية نقله، وتوزيعه، وتخزينه، وكيفية صرفه، والخطأ الذي تقوم به الدولة هي أنها تشدد التفتيش والرقابة على شركات صناعة الأدوية، ولكن بمجرد صنع الدواء، توقف آليات المراقبة، ولا تتتبع المسالك الأخرى، المرتبطة بالتوزيع والتخزين والصرف، فنجد أن مجموعة من الأدوية أصبحت تباع بالمتاجر المشكوك في جودتها. ولنفترض أن هذا الدواء ليس مزيفا وإنما صنع في شركة تصنيع، ولكن إذا لم يحترم بقية المسالك الأخرى كظروف النقل والتخزين وكذلك صرفه، فإن ذلك الدواء يصبح معرضا للتلف، وبالتالي يصبح تلك المادة التي من المفترض أن تكون دواء، سامة. وفي الواقع المغربي، كما أسلفت، فإن ما بين 30 و40 في المائة من الأدوية التي تروج في السوق المغربي خارج الصيدليات، وهناك متاجر في قلب العاصمة، لم تعد تكتفي ببيع مسكنات الألم، بل أصبحت تعرض المضادات الحيوية. ومن جهة ثانية أصبح 70 في المائة من رقم معاملات بعض المصحات، ليس مرتبطا بالعلاج الذي هو وظيفتها الأساسية، ولكن من بيع الأدوية، وكذلك أطباء الأطفال الذين يتاجرون في التلقيحات، أمام مرآى ومسمع من الجميع، وبالتالي فهناك مجموعة من الأدوية التي لم تعد تباع في الصيدليات، ناهيك عن سوق الفلاح بوجدة وسوق آخر بتطوان اللذين أصبحا متخصصن في بيع الأدوية، وهي خطيرة على صحة المواطن، لأنها لا تحترم المسالك آنفة الذكر، كما أنها قد تكون مغشوشة أو منتهية الصلاحية أو مزورة من حيث المكونات. وهذا السلوك ينطلق أساسا من مستوى الوعي الصحي للمواطن وللحكومات، والذي يبقى متدنيا. كيف تقيم السياسة الدوائية في المغرب؟ السياسة الدوائية بالمغرب تعرف ارتباكا، كما تعرف مجموعة من الاختلالات، ويمكن أن نطرح السؤال بصيغة أخرى، هل توجد لدينا أصلا سياسة دوائية؟ فحسب المعايير المعتدمة من طرف مجموعة من المنظمات وخاصة منظمة الصحة العالمية، والمتتبع للشأن الدوائي بالمغرب، وللسياسة الدوائية يمكنه القول بأن المغرب لا يتوفر على سياسة دوائية، كما هو متعارف عليها حسب منظمة الصحة العالمية، فمثلا من أحد المعايير حتى تقول أن لدينا سياسة دوائية، هو أن هاته السياسة هي كتاب مكتوب ومعلوم ومعروف من قبل جميع المهنيين، وموضوع من قبل الوزارة بمعية المهنيين، لكن نحن أصلا في المغرب لا نتوفر على أي مطبوع يمكن أن نقول عليه أنه يسمى سياسة الدوائية بالمغرب، رغم أن منظمة الصحة العالمية في محطات متعددة توصي في مجموعة من الدول بما فيها المغرب، بصياغة هذه السياسة الدوائية التي يجب أن تكون أولا مكتوبة، ثم متوافق على عناصرها، ومعلنة لدى الجميع، لكن للأسف هذه الأمور غير متوفرة. ثم إن السياسة الدوائية كذلك لا يمكن أن تتحقق سوى إذا كانت لدينا سياسة صحية، ولكن المغرب يفتقر لسياسة صحية والتي لا تنبثق إلا عن سياسة اجتماعية، فالحكومة الحالية والحكومات التي تعاقبت على المغرب كان آخر اهتماماتها هو المجال الصحي، والذي تأكد من خلال مجموعة من المؤشرات، باستثناء بعض المجهودات التي ظهرت إبان ترأس الشيخ بيد الله، لوزارة الصحة، الذي وضع ما أسماه ''رؤية الصحة إلى غضون ''2020 والتي وضعت على أساسها استراتيجية 2008 ,2012 كذلك كان من بين المحاور الأربعة لهذه الرؤية المحور المتعلق بالسياسة الدوائية، ثم أتت الوزيرة بادو ووضعت استراتيجية 2008 ,2012 لكن يبقى القاسم المشترك وهذه ملاحظة عامة تتعلق بجميع السياسات والاستراتيجيات التي توضع من قبل السلطات الحكومية في قطاعات مختلفة أنها تبقى حبيسة رفوف مصالح الوزارات، فالإشكال في المغرب ليس في وضع الاستراتيجيات والسياسات، ولكن في تنزيلها وتطبيقها. ومن الصعوبات التي تحول دون تطبيقها هو أن وضعها أصلا يعرف ارتباكا، حيث لا يتم وضع معالمها من قبل مختصين مغاربة، رغم توفر المغرب على خبراء وكفاءات، بل يتم وضعها من قبل أجانب، وبالتالي تفتقد لفقه الواقع، كما أنها لا تكون مدركة وملمة لمجموعة من الخصوصيات السوسيوقتصادية للبلاد. حاورته: الحسنية الهواني