لقد حرص التشريع الإسلامي والقانون الوضعي على أن اختيار القضاة ينبغي أن يخضع لطريقة تكفل الحصول على أجود العناصر من أصفى المنابع علما ومعرفة وخلقا، قصد توفير الحماية القضائية وحسن سير العدالة. ويوجد في الوقت الحاضر، في مختلف النظم القضائية طريقتان لاختيار القضاة تتمثل الأولى في التعيين، والثانية في الانتخاب . لكن ما هي الطريقة التي تحقق العدالة وتضمن الحصول على قضاة أكفاء مستقلين وقادرين على تحمل أمانة العدل؟ ذلك ما سنحاول البحث فيه في نقطتين، أولاهما تخصص لطريقة التعيين وثانيهما تخصص للانتخاب. أولا: تعيين القضاة أخذ النظام القضائي الإسلامي بمبدأ تعيين ولي الأمر للقضاة مع تفويض هذه الصلاحية إلى قاضي القضاة الذي كان نائبا عن الإمام في شؤون القضاء، ونجد في القرآن الكريم والسنة النبوية ما يجب أن يتوفر عليه من عهد إليه بأمر من أمور المسلمين، فمما ينبغي أن يتوفر عليه القائمون بأمور المسلمين أن يكونوا أقوياء لقوله تعالى: ّإن خير من استأجرت القوي الأمينّ كما ينبغي أن يكون مؤهلا لما كلف به بكل أمانة مصداقا لقوله تعالى: "إن الله يامركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"، وقال ابن تيمية رحمه الله: (فيجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أحسن من يجد لذلك). وروي أن أبا ذر الغفاري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها) . لذلك يجب على ولي الأمر أن يعين للقضاء من توافرت فيه شروطه وهي نوعان عند المالكية: شروط صحة وشروط كمال. فأما شروط الصحة التي لا يتم القضاء ولا تنعقد الولاية ولا يستدام عقدها إلا بها وهي الإسلام، العقل، البلوغ، العدالة، العلم وسلامة الحواس كالسمع والبصر من العمى والصمم واللسان من البكم، والذكورية. أما شروط الكمال فهي أن يكون غير محدود وغير مطعون في نسبه بولادة اللعان أو الزنى وأن يكون غير فقير وغير أمي وغير مستصعف وأن يكون فطنا نزها مهيبا حليما مستشيرا لأهل العلم والرأي ويذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز تولية المرأة القضاء ما عدا الحنفية. وقد يسلك أولياء الأمر للتحقق من صلاحية القاضي للقضاء أحد سبيلين: أولهما تقدم المعرفة بأن يعرف استيفاءه لشروط التولية واجتماعها فيه، ويعرف خلقه وسيرته بين الناس. ثانيهما: الاختيار وذلك بامتحان القاضي في المعلومات التي تؤكد كفاءته لما سيتولاه من مهام، فإن اطمئن إليه قلده. وفي هذا الصدد روي أن هارون الرشيد سأل عن قاض يوليه العراق فرفعت إليه عشرة أسماء رجال من خيار الناس وعلمائهم وأشرافهم ولم يقبل منهم أي واحد، وهذه الطريقة في الاختيار تبنتها أغلب القوانين الوضعية، لكن وقع خلاف قوي بين فقهاء القانون الوضعي في طريقة تعيين القضاة ومؤهلاتهم العلمية والأخلاقية فقد ذهب رجال القانون الانجليزي إلى أن القضاة يعينون من طرف السلطة التنفيذية من بين المحامين المبرزين الذي اشتغلوا في المحاماة مدة متصلة تتراوح ما بين عشر سنوات وخمسة عشر سنة هذا فضلا عن ضرورة الحصول على مؤهل علمي واشتهاره بحسن الخلق والسيرة الحسنة والسلوك الحميد وهذا النوع من التعيين هو الأكثر ضمانا لتحقيق العدالة وتوفير الحماية القضائية لأنه يضمن الكفاءة الضرورية لا سيما وأن المحامي يكون قد اكتسب تجربة ومراسا يجعلانه أهلا قبل تعيينه، وتجدر الإشارة إلى أن المقنن المغربي أخذ بهذه القاعدة على وجه الاستثناء فأتاح إمكانية تعيين القضاة من بين المحامين الذين قضوا مدة خمس عشرة سنة على الأقل في مهنة المحاماة وكان حريا به أن يجعل هذا الاستثناء قاعدة. أما رجال القانون الفرنسيين فقد ذهبوا إلى أن تعيين القضاة ينبغي أن يخضع لاختبار في المعلومات بعد توفر شروط معينة في المرشح وهي الجنسية والأهلية الكاملة وحسن السيرة والسلوك والحصول على مؤهل علمي، وهذه هي الطريقة المتبعة في المغرب. ومما يؤسف له، أن النظام المتبع في المغرب لا يضمن الكفاءة الضرورية للقضاء خاصة أمام ضعف المستويات التعليمية وعقم المناهج المتبعة في الجامعات المغربية وعدم فعالية التكوين الذي يتلقاه القضاة في المعهد الوطني للدراسات القضائية، وهذا ما يستوجب الرفع من المستوى التعليمي المشترط لتولي منصب القضاء لا سيما مع كثرة خريجي الدراسات العليا، كما يتطلب إدراج بعض المواد التي لها علاقة بالأعمال التجارية والإدارية ضمن المقررات المدرسة بالمعهد دون نسيان المواد الشرعية التي تساعد القاضي على تحسين سلوكاته وتقوية الجانب الروحي فيه حتى ينضبط لما تقتضيه وظيفة القضاء المتمثلة في حسن سير العدالة والمطالبة بالحماية القضائية. وبهذا يتبين أن الفقه الإسلامي سبق القوانين الوضعية في تبني نظام تعيين القضاة من طرف ولي الأمر بعد توفر شروط معينة. والملاحظ أن الفقه الإسلامي تشدد في شروط الصلاحية للقضاء وهو ما يقلص من فرص إمكانية ولوج منصب القضاء من غير المؤهلين الشيء الذي يمكن تفسيره بأن الغاية السامية للتشريع الإسلامي هي تحقيق العدالة ليس إلا، بخلاف القانون القانون الوضعي الذي تساهل كثيرا في شروط تعيين القضاة خاصة القانون الفرنسي ومن نحا نحوه لأن القضاء يهدف إلى دعم المذهب الاقتصادي والاجتماعي السائد. بعد الوقوف على طريقة التعيين ومدى علاقتها بتحقيق العدالة يمكن التساؤل عن طريقة الانتخاب وهل تؤدي إلى توزيع العدالة بين مختلف مكونات المجتمع بالشكل المرغوب فيه؟ ثانيا: الانتخاب يعتبر الانتخاب أحد الطرق التي يختار بها القضاة، ومعناها أن ينتقي القضاة للحكم بين الناس إما عن طريق الاقتراع العام أو بواسطة السلطة التشريعية، ذلك أن بعض الدول رأت أن تحقيق العدالة يستلزم أن يكون اختيار القضاة عن طريق الانتخاب بواسطة الشعب ولمدة معينة، وبعدها إما أن يعادوا من جديد أو أن يعوضوا بغيرهم ويأخذ بهذا النظام بعض الولايات في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وهي الطريقة التي كانت متبعة في اختيار القضاة الشعبيين للمحاكم في المدن والقرى في الاتحاد السوفياتي البائد. ويرى مؤيدو هذا النظام أنه يحقق سلطة الأمة في اختيار قضاتها لأنها هي مصدر السلطات كلها، بل وتعد أكثر مسايرة وانسجاما مع مفهوم الديمقراطية وأقرب إلى الضمير الاجتماعي الذي يحدد مفهوم العدالة. وبالرغم من وجاهة الحجج، التي قيلت دفاعا عن نظام اختيار القضاة بالانتخاب من الناحية النظرية فإنه من الناحية الواقعية لا يخلو من عيوب، تمثلت بالخصوص في احتمال خضوع القضاة للأحزاب السياسية وميلهم لكسب إرضاء الجمهور، فضلا عن ضعف تكوينهم في المجال القضائي، الشيء الذي يؤثر على استقلال القاضي ومن ثم التأثير على تحقيق العدالة والمطالبة بالحماية القضائية. بينما تلجأ دول أخرى إلى اختيار قضاتها بواسطة السلطة التشريعية مراعاة لجانب الكفاءة والخبرة والدراسة العلمية. وإذا كان هذا الأسلوب يؤدي إلى تحرر القضاة من الخضوع لجمهور الناخبين فإنه يجعلهم في قبضة السلطة التشرعية، الأمر الذي يشكل خطرا على توزيع العدالة ويهدر الحيدة المفترضة فيهم بوصفهم أعضاء في سلطة ينبغي أن تتوفر لها جميع الضمانات في مواجهة السلطات الأخرى، فضلا عن أنه يؤدي إلى سوء اختيار القضاة حيث تسود الاعتبارات السياسية والمؤثرات الحزبية. فتغيب بذلك المؤهلات العلمية والكفاءة الشخصية والخبرة والتجربة ومتانة الخلق... وقد تبنى المقنن المغربي نظام الانتخاب وقصره على محاكم الجماعات والمقاطعات، وراعى في ذلك نوعية القضايا المعروضة على هذا النوع من المحاكم والتي تتسم في معظمها بالبساطة ولا تتطلب في القاضي تكوينا متينا ومؤهلات علمية. ولا ينبغي أن ننسى أن فقهاء الإسلام أجازوا طريقة الانتخاب وقيدوه بشروط منها فقد الامام في البلد وعدم وجود نائب عنه وأن يختار من بين علماء البلد. أحمد نبوتي طالب باحث