آسيا الوسطى:هل تكون ساحة الحرب المقبلة للإسلاميين الحلقة5 حزب التحرير:من الخليج إلى الخلافة(1) كيف أمكن لحزب إسلامي جد متخف، نشأ في الشرق الأوسط، وليس له ما يربطه بالمشاكل الخاصة بآسيا الوسطى، أن يصبح الحركةالسرية الأكثر انتشارا في أوزبكستان وطادجكستان؟ إن السؤال يمكن أن يكون محيرا، فحزب التحرير الإسلامي يضع بالفعل تحديا بالغا أمام أنظمة هذه الدول، ويمكن التأكد من ذلك من واقع أن المنظمة التي ينتمي إليها أكبر عدد من المعتقلين، وتفوق في ذلك جميع المنظمات والحركات في آسيا الوسطى، بما في ذلك (الحركة الإسلامية الأوزبكية) (MIO) الشهيرة.إن قمع هذه الحكومات لحزب التحرير قد تكشف بشكل كبير. والأنظمة لم تستطع أن تصل إلى فهم كيف تمكنت هذه الحركة من الانتشار بسرعة كبيرة وبشساعة فائقة تكاد تعم كل آسيا الوسطى. حلم الخلافة إن الظاهرة لها أهميتها الكبرى، كما أن الحزب صاحب الظاهرة يعتبر الأكثر سرية والأكثر ماضوية، من بين جميع الحركات الإسلامية المتطرفة.إن حزب التحرير يأمل في الواقع في توحيد كل آسيا الوسطى، ومنطقة كسيانج يانج الصينية، ثم مجموع الدول الإسلامية في كل العالم في إطار دولة خلافة على منوال دولة الخلفاء الراشدين الأربعة، الذين قادوا هذه الأمة بعد وفاة الرسول فيما بين 632 إلى 661 ميلادية. وهي الحقبة التي شهدت انتشار دعوة الإسلام بسرعة كبيرة في كل الشرق الأوسط وإفريقيا عن طريق الفتوحات واعتناق شعوب كثيرة للإسلام.هذه الحقبة لها تبجيلها لدى الكثير من الحركات الإسلامية (ومنها طالبان) على أساس أنها الحقبة الوحيدة من التاريخ الإسلامي التي وجد فيها مجتمع إسلامي حقيقي. إلا أن حزب التحرير يبدي حماسا غير مسبوق وهو يطالب بالعودة إلى نظام الخلافة كما كان مطبقا آنذاك. وحسب سيناريو مثالي جدا،إذ ستكون العديد من الدول الإسلاميةتحت سيطرة حزب التحرير، ثم بعد ذلك سيتمكن الحزب من إعادة فتح باقي العالم الإسلامي.ويرى زعماء حزب التحرير أن آسيا الوسطى قد بلغت «درجة من الغليان» كافية لإنضاجها حتى تسقط تحت أيديهم.فحسب الشيخ «عبد القادر الزلوم»الزعيم الحالي لحزب التحرير، وأحد مؤلفيه الأكثر غزارة في الإنتاج فإن «تحويل الدول إلى مراكز إسلامية ثم تجميعها بعد ذلك هدف يبغي المسلمون الوصول إليه، وهو المنهجية التي ينبغي اتباعها للوصول إلى إقامة دولة الخلافة». حزب التحرير في موجز كان حزب التحرير قد أنشئ في المملكة العربية السعودية وفي الأردن على يد فلسطينيين كان على رأسهم الشيخ تقي الدين البنبهاني الفلسطيني.وهو أحد خريجي جامعة الأزهر بالقاهرة، سبق أن عمل مدرسا وقاضيا شرعيا قبل أن يضطر إلى مغادرة فلسطين عندإنشاء (دولة إسرائيل) الجديدة. استقر في الأردن سنة 1953 حيث أنشأ حركته في نفس السنة، واستمر طيلة حياته يؤلف الكتب والدراسات يشرح فيها أهم أفكاره ونظريات حزب التحرير: «إن فكر المسلمين تستهلكه اليوم الوضعية الحالية بحيث لا يتصور حكومة إلا عن طريق أنظمة ديمقراطية مفروضة على الدول الإسلامية، حتى وإن كانت فاسدة (...) إن الهدف ليس هو إقامة عدة دول إسلامية، ولكن دولة واحدة تجمع كل العالم الإسلامي»؟؟ هذا ما كتبه النبهاني سنة 1962. وحسب زعماء الحزب في آسيا الوسطى فإن حزب التحرير كانت نشأته في إطار الحركة التجديدية الوهابية للعربية السعودية،إلا أنه ابتعد عن هذه الحركة في عدة نقط.وقد أوضح لي أحد الزعماء في المنطقة واسمه «علي» ذلك بقوله: «لقد كان لدينا برنامج مشترك مع الوهابيين، إلا أن خلافات ما فتئت أن ظهرت بسرعة، فحزب التحرير كان يريد أن يعمل مع الناس في كل دولة على حدة وإدخال العمل بالشريعة بطريقة سلمية فيما كان الوهابيون الذين يتسمون بتطرف أكثر كانوا يريدون اللجوء إلى القوة وإنشاء جيش إسلامي».إن أفكار حزب التحرير تبقى مع ذلك قريبة جدامن الوهابية، ولكن لا يجب مع ذلك الاستهانة بما يفرق بين حزب التحرير والحركة الإسلامية الأوزبكية، الأقل تطرفا في الأفكار والأكثر تطرفا في استعمال العنف. عندما تم منع حزب التحرير في الشرق الأوسط، انطلق بعض قادته نحو دول الغرب حيت أسسوا خلايا للحزب في أوروبا،وخصوصا في ألمانيا والمملكة المتحدة، ويعتقد أن لندن هي الآن أحد المراكز الرئيسية لحزب التحرير.فهنالك حيث تجمع الأموال وحيث يتم تكوين المنتسبين الجدد الذين سوف يتوجهون لنشر حركة الحزب في آسيا الوسطى.لقد أصبح حزب التحرير يتمتع بشعبية كبيرة ما بين الطلبة المسلمين في الجامعات البريطانية، وخلال المؤتمر الذي انعقد في لندن يوم 26 غشت 2001 لمناقشة الأزمة السياسية في باكستان توافد المتعاطفون على متن حافلات مملوءة قادمة من كل بريطانيا العظمى،وكان الاستقبال ممتازا ومنتظما،مما يبين كم هو غني ومنظم حزب التحريرهذا.لقد كان هناك ممر خاص للمعوقين وللأطفال، وفريق طبي كامل التأطير، ومكتبات، وأماكن للصلاة وموقع للأنترنيت يشتغل بشكل مستمر.كما أن حزب التحرير يعرف نجاحا كبيرا كذلك في تركيا ومصر والمغرب العربي ويعرف تناميا مضطردا في باكستان. ولقد أوضح لي «علي»بأن حزب التحرير مهيكل على أساس خلايا تضم كل واحدة منها من خمسة إلى سبعة أعضاء، وهو ما يصعب على السلطات اختراق هذه المنظمة، والخلايا المسماة «دوائر»تعتبر مجموعات دراسية مهمتها نشر الإسلام ونشر دعوة حزب التحرير.ويحدد رئيس الخلية الذي هو الوحيد الذي له علاقة بالجهة الأعلى من الخلية برنامج عمل أسبوعي للأعضاء الذين عليهم بدورهم إنشاء خلايا جديدة. والشرطة الأوزبكية التي تمكنت مؤخرا من اختراق بعض الخلايا واعتقال عدد من الأعضاء، لم تتمكن مع ذلك أبدا من مواصلة اختراقها صعودا إلى أعلى درجات القيادة. حزب التحرير في آسيا الوسطى لم يكن حزب التحرير تمكن من الانتشار في آسيا الوسطى إبان انهيار الاتحاد السوفياتي، بل إنه لم يكن حتى ممثلا داخل المجموعات الأولى من الدعاة القادمين آنذاك بقصد إعادة ربط المنطقة بالإسلام،وحسب مصادر من الحكومة الأوزبكية فإن الحزب لم يدخل إلى المنطقة إلا في سنة 1995 على يد داعية أردني إسمه صلاح الدين، كان قد قدم إلى طشقند لإنشاء الخلية الأولى في المنطقة بمساعدة أوزباكستانيين، وقد ظهرت أول المنشورات السرية لحزب التحرير خلال 1996-1995. ولم يتعامل السلطات الاوزبكية بأي نوع من الحذر مع تلك النصوص التي لم يكن يبدو عليها أي ضرر أو خطر (فقد كانت مكتوبة باللغة العربية التي لم يكن يعرفها إلا قليل القليل من الناس). ولكن عندما أخذت الخلايا الأولى تنتشر في وادي «فرغانا»تم في كل أوزبكستان ثم بعد ذلك في طادجكستان وكرغيستان، بدأ القمع والتضييق. وحسب «علي»فإن أعضاء حزب التحرير يعدون حاليا بأكثر من 60000 ألف عضو في مدينة طشقند وحدها، وعشرات الآلاف في المدن الأخرى.وهي أعداد يؤكدها العدد الكبير من معتقلي الحزب الذين تم اعتقالهم في الدول الثلاث ما بين 1999 و2001.والنصوص التي يصدرها حزب التحرير تتم ترجمتها حالا إلى اللغات الأوزبكية والقرغيزية والطادجيكية.ولذلك فإن مجلة الحرب «الوعي»وعدة كتب مثل «الدولة الإسلامية»و»النظام الاقتصادي للإسلام»و»وكيف تم القضاء على الخلافة»، وهي كتب كتبها كل من النبهاني والزلوم، توجد متوفرة باللغات الثلاث وكذلك باللغة الروسية. وإذا كان حزب التحرير له كل هذا التأثير على الناس هنا فإن ذلك راجع أساسا إلى الاحترام الكبير الذي كان يوليه أهل المنطقة للخلافة العثمانية التي يعتبر حزب التحرير داعيا إلى إحيائها من جديد.لقد كان الخليفة العثماني مستقرا في إستانبول وكان يوجد معظم العالم الإسلامي تحت إمرته خلال نهاية القرون الوسطى، بما في ذلك الشرق الأوسط والبلقان، وكان يحمي وحدة الشعوب الإسلامية تحت إمرة العثمانيين، وهو ما يغري النعرات التركية أو الطورانية للعديد من الأوزبكيين المنتمين لنفس الأصول العرقية.لقد أطيح بالخلافة في سنة 1923 على يد الجنرال العلماني مصطفى كما أتاتورك، وهو ما يرى حزب التحرير أنه كان نتيجة مؤامرة غربية، خططت لها الحركة الصهيونية العالمية، ولقد حاولت عدة حركات آسيوية منذ ذلك الحين إعادة إحياء الخلافة، وهناك ملاحظة مهمة، هي أن زعماء حزب التحرير يجهلون ربما بأن الخلافة العثمانية كانت تسمح بظهور عدة تيارات فكرية تختلف معها بل إنها رخصت حتى لجاليات غير مسلمة في البلقان بالاحتفاظ بدياناتها، وهو ما يناقض بالطبع أفكار حزب التحرير. إلا أن عدم اهتمامه بالقضايا المحلية وعدم تسامحه مع اجتهادات إسلامية أخرى، يؤثران سلبا على شعبية وانتشار حزب التحرير في آسيا الوسطى.وهذا ربما يرجع إلى كونه حركة مسالمة. ورغم تعاطفه مع الحركة الإسلامية الأوزبكية،فإنه لا يعتقد بنجاح الكفاح المسلح، فحزب التحرير يتوق إلى اليوم الذي يقرر فيه أتباعه الخروج للإطاحة بالنظام، وعلى وجه الخصوص نظام كاريموف فقط بفعل قوتهم العددية، وهذه الفكرة تذكرنا بالحركات المسيحية الألفية (وهي التي تعتقد بأن المسيح سوف يحكم في الأرض ألف سنة قبل القيامة). وتتعارض القدرات الكبيرة للحزب في مجال التنظيم مع ضبابية أهدافه، وزعماء حزب التحرير في المنطقة متيقنون من الحصول على دعم أقرب المقربين من الرئيس كاريموف في أوزباكستان.بل إن لديهم بالفعل العديد من المتعاطفين داخل الجيش والمخابرات وفي أوساط كبار المسؤولين، وخصوصا في الجمارك. وهذا العدد من المتعاطفين جديربتسهيل خططهم. وعلى عكس الحزب الثوري الطادجيكي (بطادجيكستان) والحركة الإسلامية الأوزبكية بأوزبكستان الذين يعتمدان على الدعم بالخصوص في البوادي فإن حزب التحرير يستقطب متعاطفيه وأعضاءه على الخصوص في أوساط النخب المثقفة في المدن وطلبةشباب حاصلين على الشواهد بدون عمل، وعمال وأساتذة... وأغلب أعضاء حزب التحرير الذين تم اعتقالهم في آسيا الوسطى هم شباب في سنواتهم العشرين إلى الثلاثين،مثقفون ومتعلمون يقطنون المدن الكبرى. وفي غياب معلومات حقيقية ومدققة عن أنشطة حزب التحرير، فإن المحاكمة تعطي نظرة ما عن قدرات وشعبية الحزب، ففي 20 يوليوز 2000 كانت محكمة (دجيزاك) في أوزباكستان قد حكمت على 15 متهما بكونهم أعضاء في حزب التحرير بسبعة عشر سنة سجنا نافذا، وكان زعيمهم «معروف إيشونوف»متهما بتزعمه لخليتين، وبأنه استقطب مئتي شخص،وبأنه وزع مناشير للحزب. (هذه فقط هي التهم التي استحق عليها هؤلاء الأبرياء 17 سنة سجنا). أحمد رشيد ترجمه عن الفرنسية إبراهيم الخشباني(لوكورييه أنتيرناسيول فبراير 2002)