خلال الأسابيع القليلة الماضية عرفت جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق بآسيا الوسطى وتوافد عدة شخصيات أجنبية، فخلال عشرة أيام حلت ثلاثة وفود من الكونجرس الأمريكي لتقديم شكرها وامتنانها لقادة المنطقة على مساهمتهم في الحملة ضد الإرهاب. كما أن مسؤولين روسيين عاليي المستوى بالإضافة إلى مسؤول صيني قد زاروا المنطقة كذلك، هذه الدول الثلاث الكبرى التي تخطط للعب دور في آسيا الوسطى في مرحلة ما بعد 11 شتنبر ارتأت أنه من المناسب التعجيل بإطلالتها في المنطقة. إن قرار واشنطن بنشر ثلاثة آلاف جندي أمريكي ومحالف في كيرغيستان مع أن الحرب في أفغانستان كانت قد انتهت عمليا هو قرار أغاظ موسكو كثيرا، فالتجريدةالأمريكية تفوق بثلاث مرات الجنود الذين حلوا بأوزبكستان إبان كانت العمليات في أفغانستان في أوجها، وهو ما ينبئ عن أن الوجود الأمريكي في المنطقة سوف يكون لمدة أطول بكثير من المتوقع والمصادق عليه من طرف الروس، فقد صرح "كينادي سيليزينون" رئيس "الدوما" (البرلمان الروسي) بلهجة فظة وجافة قائلا: >إنه يسوءني جدا أن أرى ظهور قواعد عسكرية أمريكية دائمة في آسيا الوسطى<. قال هذا الكلام في الوقت الذي كان فيه في زيارة "لأسنانا" (آكمولا سابقا) عاصمة كازاخستان، وذلك خلال أواسط يناير الماضي. ولا أحد يعرف إلى اليوم كم من الوقت ينوي الأمريكان البقاء في المنطقة، وعلى سبيل المساهمة في الحملة ضد الإرهاب فإن كيرغيستان هي الأخرى قد منحت موافقتها على نشر قوات أمريكية قرب مطار "بيشكيك" العاصمة لمدة سنة. والعمل جار لإقامة معسكرات للقوات الأمريكية في عين المكان، والكيرغيزيون حريصون جدا على إرضاء الأمريكان خصوصا وأنهم علموا بأن أوزبكستان قد تسلمت مائة مليون دولار مقابل دعمها للعمليات العسكرية في أفغانستان،وإذا ما جلبت البلاد على نفسها حنق وغضب روسيا فإن المال سيكون بدون شك خير مواس. الروس وكذلك الصينيون بدرجة أقل، كانوا دائما يعتبرون آسيا الوسطى بمثابة فنائهم الخلفي، إلا أنه خلال العقد الأخير فقدت موسكو تدريجيا الكثير من معاقلها وسطوتها وهي الآن تناضل من أجل استرجاع ما فقدته، فعندما بدأت الشركات الأمريكية الكبرى تولي اهتمامها لموارد الطاقة المتدفقة بكثرة في المنطقة خلال النصف الأول من تسعينات القرن المنصرم وفي استثمار عشرات الملايين من الدولارات في كازاخستان على الخصوص، لم تكن روسيا تتوفر على الإمكانيات المالية للدخول في المزايدة ولا كانت لها كذلك سياسة محددة بدقة تجاه آسيا الوسطى، أما الولاياتالمتحدةالأمريكية فقد كانت لديها سياستها للمنطقة: كانت تقترح مساعدة الجمهوريات الخمس للتخلص أكثر من التبعية لروسيا ولبناء أنابيب نفط جديدة لتوجيه البترول والغاز إلى الأسواق الخارجية بدون المرور عبر روسيا. وكانت النتيجة التي لا مفر منها هي أن هذه الجمهوريات أخذت تبتعد أكثر عن الحليف السابق، وحدها تادجيكستان التي كانت تمزقها حرب أهليةاستمرت تدور في فلك موسكو ولا زالت لحد الآن تقبل بوجود جنود روس على ترابها. والاهتمام الجديد للأمريكيين تجاه آسيا الوسطى يثير إذن غير قليل من القلق لدى موسكو كما لدى بيكين. إن روسيا تحس بمرارة القسوة وهي تعي جيدا أنها لا تتوفر على الموارد المالية ولا القدرات العسكرية التي تؤهلها للوقوف ندا لند أمام الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولا لاستيراد حظوتها لدى دول آسيا الوسطى، ويؤكد ذلك "إيرلان كارين" المحلل السياسي الكازاخستاني قائلا: "لقد تغيرت الحقائق السياسية وأصبحت الولاياتالمتحدةالأمريكية الجار الثالث لآسيا الوسطى"، وحسب هذا المتخصص هناك حاجة إلى الكثير من الوقت لتتأقلم كل الأطراف مع الوضع الجديد، وهذا المسلسل لن يتم دون توثرات". عن الايكونومست اللندنية مشاريع أنابيب الغاز في الخلفية "Kommersant" موسكو رفضها الاشتراك في العمليات المسماة حربا ضد الإرهاب في أفغانستان، فإن الحكومة التركمانية قد تسببت في إثارة برود في علاقاتها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وكذلك علاقاتها بالدول المجاورة، كل هذا يتهدد بلادها بالعزلة على الساحة الدولية، وهو أمر يمثل خطرا جد حاسم بالنسبة لدولة تعتمد كليا على صادراتها. ولهذا السبب قام الرئيس التركماني "سابا رمراد نيازوف" بزيارة رسمية إلى موسكو يوم 21 يناير، لتوطيد علاقة الصداقة مع روسيا. هذه الفكرة لم تأته هكذا، بدون خلفية، فهناك منذ وقت طويل عدة أسباب تدعوه للقلق، فمن جهة قد أثارت الحيادية التي تبديها تركمانستان حيال الصراع في أفغانستان حنق وغضب كل من جيرانها الذين كانوا يعرفون جيدا بأن "أشكاباد" (عاصمة تركمانستان) كانت تربطها علاقات صداقة مع قادة طالبان، وكذلك حنق الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها في الحرب ضد طالبان، وكان رفض تركمانستان أن تمنح لألمانيا الحق في استعمال مطاراتها ومطاراتها وقواعدها لنقل التجريدة العسكرية الألمانية المتوجهة إلى أفغانستان قد صب مزيدا من الزيت في نار الغضب الأمريكي، وباختصار فإن الغرب كان يريد أن يرى "أشكباد" تشارك بفعالية أكثر في العمليات ضد الإرهاب. بالإضافةإلى ذلك فإن الوضعية الاقتصادية تقلق الرئيس "نيازوف": فيبدو الآن أن مشروعه لأنبوب الغاز الذي يمر عبر أفغانستان في اتجاه باكستان ثم الهند. لا يمكن تحقيقه، (وحسب يومية "نيزافيسماياكازيطا" فإن أشكاباد قد تكون مع ذلك ربطت اتصالات مع شركات بترولية أمريكية ومع حميد كرزاي في هذا الموضوع). المشروع كان يفترض كذلك تمويله من طرف الهند وباكستان، غير أن تدهور العلاقات بين هاتين الدولتين والعمليات العسكرية على التراب الأفغاني قد جعلت هذا المشروع غير واقعي، وكان قبل ذلك قد تحتم على "أشكاباد" التخلي عن مشروع أنبوب الغاز العابر لبحر قزوين، الذي كان من المفروض أن يمرعبر أعماق بحر قزوين، وذلك بسبب خلافات عميقة في وجهات النظر مع أذريبدجان وكذلك بسبب غياب التمويل. ونظرا لهذه الوضعية الحرجة لم يبق أمام الرئيس نيازوف إلا حل واحد: البحث عن الدعم لدى روسيا، التي يمكنها إيصال الغاز التركماني نحو أسواق الغرب، والمحادثات التي جرت في الكريملين لم تنته بأكثر من التوقيع على بيان مشترك، إلا أن الرئيس "فلاديميربوتين" أصر أن يؤكد على التقارب الكبير في مواقف البلدين في ما يخص بحر قزوين. وقد اتفق البلدان على معاهدة تعاون على المدى البعيد في مجال الغاز، وسوف يتم التوقيع مستقبلا على اتفاقية لإيصال 80 مليار متر مكعب من الغاز التركماني، وهو ما يتطلب تحديث أنبوب الغاز الذي يربط البلدين والذي يمر عبر أوزباكستان وكازاخستان، وقد اقترح الرئيس الروسي كذلك التفكير في إنشاء رابطة أورو آسيوية لمنتجي الغاز، تضم الدول التي يجب أن تمر عبرها هذه المادة الأولية الثمينة. "يوري تشو بتشينكو" "Kommersant" موسكو تعاون.. مجموعة شانغاي، تحالف ضد الإرهاب! إن المد المتصاعد للصحوة الإسلامية في آسيا الوسطى، وهجومات الحركات الإسلامية المسلحة، مثل "الحركة الإسلامية الأوزبكية (Mio) أو الحركات الانفصالية (مثل حركة الويكور في إقليم كسينكجيانغ الصيني) قد دفعت الدول الكبرى في المنطقة إلى توحيد جهودها وبذل كل الوسائل لاحتواء الخطر الإسلامي، وهكذا تولد ما يمكن تسميته بمجموعة شانغاي، هذه المؤسسة التعاونية في مجال الأمن الجهوي تم إنشاؤها سنة 1996 من طرف كل من الصين الشعبية وروسيا وطادجيكستان وكازاخستان وكرغيستان، ثم انضمت إلى هذه الدول الخمس أوزبكستان سنة 2000. وحسب اليومية الروسية "كراسنايازفيزدا" (النجم الأحمر) وهي جريدة ناطقة بلسان وزارة الدفاع الروسية فإن هذه المجموعة مدعوة لتصبح أداة قوية للأمن الجهوي، خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001، وتعتبر هذه اليومية أنه: >إذا كانت مجموعة شانغاي في البداية لم تكن تهتم إلا بالأمور الأمنية في المنطقة، فإنها أصبحت اليوم منظمة بوليسية وعسكرية حقيقية، ولن تكتفي بالعمل فقط في إطار الحرب على الإرهاب في المنطقة ولكن سوف يكون لها تأثيرها على المستوى العالمي أيضا< بل إن هذه المنظمة تأمل أن تضع أنشطتها تحت إشراف الأممالمتحدة، وسوف يقدم ميثاق في هذا الاتجاه للتوقيع عليه من طرف الدول الأعضاء خلال اجتماع للمنظمة الدولية سوف يعقد في "سان بيترسبورغ" في روسيا خلال شهر يونيو 2002. ولأنها سوف تصبح حسب تعبير الجريدة اليومية أداة أمنية من الوزن الثقيل، فإن هذه المجموعة أصبحت تثير رغبة جيرانها في الانضمام إليها، وهكذا فإن مونغوليا والهند وباكستان وإيران أخذت كلها تقدم اقتراحاتها للإنضمام إلى مجموعة الستة هذه. مساع للخلافة السلالية لقد احتفلت الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى خلال سنة 2001 بالذكرى العاشرة لاستقلالاتها. وأخذت تطرح الآن أكثر فأكثر مسألة الخلافة على الحكم في هذه الدول الشابة التي تحكم منذ عقد من الزمن بيد من حديد من طرف نفس الرؤساء الطغاة. إلا أنه وكما تؤكد على ذلك الأسبوعية الروسية "موسكو فسكي نوفوسكي" (أخبار موسكو) فإن: >ضعف هذه الأنظمة يكمن في كون ذهاب زعماء ما بعد السوفياتية لا يمكن أن يثير إلا أزمات حادة، فالمجتمعات الشرقية التي تلعب فيها العلاقات العائلية والقبلية دورا مهما جدا، تميل في الغالب نحو الملكية، وعليه فإن السيناريو الوحيد الذي يمكنه أن يجنب الانفجار بانقطاع العلاقات المعقدة والمترابطة، ويجنب سقوط "الأسر"، هو انتقال السلطة إلى أقرب فرد من أسرة الرئيس". وهنا في أوزباكستان وكيرغيستان وكازاخستان إلى إبن أو إبنة الرئيس. وهكذا فإن نور سلطان نازابراييف الرئيس الكازخستاني يجد من المناسب نقل الحكم بعده إلى ابنته الكبرى "داريكا" التي هي مستشارته المفضلة والرئيسة الحالية لمجلس إدارة الإذاعة والتلفزة في البلاد، أما آسكار أكاييف الزعيم الكرغيزي فهو يفكر من جهته في ابنه حيدر 26 سنة الذي هو زوج البنت الصغرى :لنازارباييف" الرئيس الكازاخستاني. أما إسلام كاريموف الرئيس الأوزبكي، فقد يكون ذكر مؤخرا إسم ابنته الكبرى "كولنارا"، الزوجة السابقة لمؤسس شركة كوكاكولا الأوزبكية والذي هو أمريكي أوزبكي. وذلك مع أن إسلام كاريموف يتوفر على مستقبل رئاسي كبير: فقد أعيد انتخابه سنة 2000، وتمكن من تغيير الدستور بعد استثناء شعبي (طبعا) لتصبح بمقتضى ذلك الفترة الرئاسية سبع سنوات عوض خمس ولا زال في إمكانه الحصول على فترتين رئاسيتين! إلا أن حظوظ انتقال ديمقراطي للسلطة تبقى مع ذلك متوفرة في كازاخستان، فقد أدت أزمة حكومية خططت لها جيدا مجموعة "الأتراك الشبان" وهي مجموعة إصلاحية ليبرالية إلى تعيين وزير أول جديد يتمتع باعتدالية ظاهرة، وحريص على تحسين صورته في أعين الغربيين وحسب الصحافة الروسية فإن الرئيس الكازاخستاني ينوي السماح بالعودة لأكبر معارض للنظام أكجان كاجيكلدين". أسبوعية لوكورييه آنترناسيونال(العدد 28فبراير /6مارس2002) ملف من إعداد إبراهيم الخشباني