لن يكون المغرب في حاجة بعد مسيرات 20 فبراير إلى درس مصري أو تونسي حتى ينتبه لمخاطر الارتداد الديمقراطي الذي شهده المغرب بعد انتهاج مشروع الحزب السلطوي وتنامي إغراء نماذج التحكم والإقصاء والهيمنة، فقد حملت المسيرات السلمية رسالة واضحة في تجذر الممانعة الشبابية لهذا المسار، وكذا رفض حالة الارتداد التي كانت تهدد بالقضاء على ما حققه المغرب من انفتاح سياسي مقدر. من الجلي أن مسيرات 20 فبراير شكلت دعوة صريحة إلى تدشين مسلسل إصلاحات سياسية ودستورية عميقة في إطار مقومات البلاد، باعتبار ذلك هو الخيار الوحيد لتأسيس استثناء مغربي يحفط لبلادنا وحدتها واستقرارها وموقعها ضمن الديمقراطيات العربية الوليدة، كما يحول دون حصول أي انزلاق يهدد باستغلال حركة المد الديمقراطي لدفع البلاد نحو المجهول. سيكون على القوى الحية أن تنصت وبشكل عميق للمخاض الشبابي الديمقراطي القائم في بلادنا والذي كشف عن تفاعل متقدم مع الحيوية الديمقراطية الجارية في المنطقة العربية ككل، وهو الموقف الذي سيؤهلها إلى أن تكون عامل إصلاح وصمام أمان من أجل التأسيس لمغرب ديمقراطي جديد. إن هذا التحدي يقتضي التوقف عند دلالات مسيرات 20 فبراير وما كشفته عن وجود مخزون ديمقراطي داخل المجتمع في حاجة إلى تأطير وقيادة حتى يشكل عنصر قوة للمغرب في مواجهة تحديات التنمية والسيادة والاستقلال. وهنا نعتبر أن الحركة الإسلامية مطالبة باستيعاب مسؤوليتها التاريخية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ بلادنا بما يضمن صيانة مكتسبات الاستقرار والوحدة ويحقق تجاوز قيود السلطوية والفساد. لقد كشفت التطورات الجارية في المنطقة العربية عن وجود روح ديمقراطية جديدة تسري. ولا يمكن هنا المراهنة على قدرة أي بلد على صدها أو توهم إمكانية تبخيسها واستصغارها، وذلك حتى من طرف أشد الأنظمة قدرة على الفتك والقمع مثلما يجري من مجازر دموية في ليبيا. ولهذا فإن المغرب أمام فرصة تاريخية لتقديم نموذج بديل عن نماذج فرض الإصلاح الديمقراطي على الأنظمة الحاكمة وهي نماذج كانت بكلفة عالية محفوفة بالمخاطر وبالتحديات التي لم تخرج منها بعد. وفي المقابل، فإن وجود مؤسسة ملكية ذات مصداقية وحراك ديمقراطي سياسي وشبابي في المغرب يوفر الفرصة لتحقيق انتقال آمن نحو مغرب ديمقراطي موحد، وهو ما يتطلب الإعلان عن مبادرة سياسية تتضمن برنامجا استعجاليا للإصلاحات الضرورية، كما يتطلب تحمل الأطراف السياسية والهيئات المدنية والجمعوية لمسؤولياتها في تأطير الحراك الديمقراطي القائم وتقديم أجوبة تتفاعل مع مستلزمات المرحلة السياسية الحرجة. مصطفى الخلفي