ورد ت أحاديث تتناول مسائل غير ما سبق ذكره من نواقض الوضوء، وتهم الوضوء من حمل الميت وتغسيله، والقهقهة في الصلاة، والوضوء مما مسته النار، والقيء والقلس والحجامة، والوضوء من أكل لحم الإبل، فما هو وجه عدم القول بانتقاض الوضوء عند المالكية في هذه المسائل؟ بخصوص حمل الميت وتغسيله، ورد فيه ما رواه الترمذي وغيره بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ''من غسله الغسل ومن حمله الوضوء يعني الميت'' قال الترمذي حديث أبي هريرة حديث حسن وقد روي عن أبي هريرة موقوفا. وعند أبي داود بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:'' من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ'' قال أبو داود: هذا منسوخ و سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن الغسل من غسل الميت فقال يجزيه الوضوء. قال الألباني في إرواء الغليل ( 1/175 ) بعد أن فصَّل الكلام على طرق الحديث:(وبالجملة، هذه خمسة طرق للحديث بعضها صحيح ، وبعضها حسن ، وبعضها ضعيف منجبر ، فلا شك في صحة الحديث عندنا ، ولكن الأمر فيه للاستحباب لا للوجوب لأنه قد صح عن الصحابة أنهم كانوا إذا غسلوا الميت فمنهم من يغتسل ومنهم من لا يغتسل ). وقال الترمذي في تعليقه على الحديث الذي أورده سابقا ''قد اختلف أهل العلم في الذي يغسل الميت فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إذا غسل ميتا فعليه الغسل، و قال بعضهم: عليه الوضوء. و قال مالك بن أنس: أستحب الغسل من غسل الميت ولا أرى ذلك واجبا. وهكذا قال الشافعي و قال أحمد: من غسل ميتا أرجو أن لا يجب عليه الغسل وأما الوضوء فأقل ما قيل فيه. و قال إسحق: لا بد من الوضوء. قال وقد روي عن عبد الله بن المبارك أنه قال: لا يغتسل ولا يتوضأ من غسل الميت '' وقال المالكية: لا وضوء على من حمل ميتا وغسله واستدلوا بفعل بعض الصحابة، جاء في الموطأ روى مالك:عن نافع'' أن عبد الله بن عمر حنط ابنا لسعيد بن زيد وحمله ثم دخل المسجد فصلى ولم يتوضأ'' قال ابن عبد البر في الاستذكار معلقا على رواية مالك '' وإنما أدخل مالك هذا الحديث إنكارا لما روي عن النبي - عليه السلام - أنه قال: ( من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ ) وهو حديث يرويه بن أبي ذئب عن صالح مولى التوءمة عن أبي هريرة عن النبي - عليه السلام - وقد جاء من غير هذا الوجه أيضا، وإعلاما أن العمل عندهم بخلافه. ولم يختلف قوله أنه لا وضوء على من حمل ميتا، واختلف قوله في الغسل من غسل الميت (...) ومعنى الحديث المذكور عن أبي هريرة - والله أعلم - أن من حمل ميتا فليكن على وضوء لئلا تفوته الصلاة عليه وقد حمله وشيعه لا أن حمله حدث يوجب الوضوء فهذا تأويله والله أعلم'' فالحديث فيه اضطراب واختلف العلماء في رفعه وفي تصحيحه، ومنهم من قال إنه منسوخ كما رأينا عند أبي داود، ويؤيده ما رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، وحسنه العلامة الألباني في أحكام الجنائز ص 54عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه، إن ميتكم يموت طاهراً وليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم ) وأيضاً ما رواه مالك في الموطأ (أن أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه غسَّلت أبا بكر حين توفي ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت: إن هذا يوم شديد البرد وأنا صائمة فهل علي من غسل قالوا: لا ) والصحابة اختلفوا فاختلف من بعدهم، جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود: روى الخطيب بإسناد صحيح عن نافع عن ابن عمر:''كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل'' وبخصوص الوضوء من حمل الميت فقد ذكر لعائشة كما في '' المغني لابن قدامة'' ( 1/155 ) قول أبي هريرة ( ومن حمله فليتوضأ ) قالت: وهل هي إلا أعواد حملها'' والأصل براءة الذمة من التكليف، فرجح معه قول المالكية، وبقي استحباب اغتسال من باشر غسل الميت من غير وجوب، من باب الاحتياط والجمع بين المرويات.