أمر الله عباده بما فيه خير دنياهم وآخرتهم، ولما أحب منهم الطهارة والتطهر، أمرهم بالاغتتسال لما يوجب الاغتسال، وبالوضوء لما يوجبه، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا}. الوضوء في اللغة مشتق من الوضاءة وهي الحسن والنظافة، وشرعا: طهارة مائية، تتعلق بأعضاء مخصوصة، على وجه مخصوص (الحبيب بن الطاهر:الفقه المالكي وأدلته ص:95). وهو واجب لكل عبادة لا تصح إلا به كالصلاة، ودليل الوجوب آية المائدة السابقة، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره: لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ .. ووردت في فضله أحاديث عديدة، منها قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظافره. وفي رواية لمسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يتوضأ رجل مسلم فيحسن الوضوء فيصلي صلاة إلا غفر الله له ما بينه وبين الصلاة التي تليها وفي رواية له أيضا ما من مسلم يتطهر فيتم الطهور الذي كتب الله عليه فيصلي هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفارات لما بينها ومنها أيضا ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه في فضل الوضوء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفعُ به الدرجاتِ؟ قالوا: بلى يا رسولَ الله، قال: إسباغُ الوضوء على المكاره، وكثرةُ الخطا إلى المساجد، وانتظارُ الصلاة بعد الصلاة، فذلكمُ الرِّباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط، رواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي. والوضوء شطر الإيمان كما في رواية الترمذي للحديث الذي سبق أن أوردناه في الطهور بشكل عام، ولا يحافظ عليه إلا مومن، روى ابن ماجة عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن والوضوء من بين ما يعرف به أهل الإيمان يوم القيامة، روى البخاري في صحيحه عن نعيم المجمر (وصف نعيم بالمجمر هو وأبوه لما كان يبخران المسجد النبوي) قال رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد فتوضأ فقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين (أي لهم بياض ونور في جباههم وأيديهم وأرجلهم من أثر الوضوء) من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. وروى مسلم التطبيق العملي لأبي هريرة رضي الله عنه للتوجيه والإرشاد النبوي، فعن نعيم بن عبد الله المجمر قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء(أي أتمه وأحسنه)، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد ثم مسح رأسه ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله. ومن فضل الوضوء أيضا أنه أحد الأسباب التي تحل بها عقد الشيطان، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".