ويدخل في هذا الباب ما أوردناه في الحلقة الماضية من مني ينزل من غير شهوة لعلة أو مرض ونحوه، كما يدخل فيه أمر الاستحاضة لأنها شكل من أشكال الخلل الهرموني في الجسم، والذي يؤدي إلى نزول دم من الرحم بشكل غير منتظم. وتكون هذه الأحوال لعلة أو من أثر استعمال بعض وسائل منع الحمل في زماننا والتي تسبب خللا في الهرمونات كالحبوب والحقن.أو عوامل أخرى نفسية من التوتر العصبي أو الإجهاد الشديد مما يؤدي إلى حدوث تلك الاختلالات. وعاشر النواقض السلس القليل، أما إن كثر بأن لازم كل الزمان فلا ينقض، وإن لازم جل الزمان أو نصفه لا ينقض، ولكن يستحب الوضوء لكل صلاة، والسلس هو ما يخرج من أحد المخرجين على وجه المرض، سواء كان الخارج بولا أو غائطا أو ريحا أو مذيا أو دم استحاضة، ويجب التداوي على من قدر عليه. ونقول سلِس البول يعني استرسل ولم يستمسك ، وسلَس البول عدم استمساكه بمعنى أنه يخرج من مخرجه بدون إرادة. يقول القرافي في الذخيرة وهو يتحدث عن السلس (1/216215):'' فهذه الموجبات إن خرجت عن العادة واستغرقت الزمان فلا يشرع الوضوء منها لأن مقصوده أن يوقع الصلاة بطهارة ليس بعدها حدث وقد تعذر ذلك، وإن لم تستغرق الزمان ففيها ثلاث حالات'' ثم بين الحالة الأولى: بأن يستنكح ويكثر تكراره فيسقط إيجابه عند مالك رحمه الله، وبالمناسبة فقد يصادف المتعامل مع كتب الفقه وخصوصا المالكية منهم لفظة ''استنكح'' وهي من المجاز يقال استنكح النّومُ عينَهُ غلبها، واستنكحه الشّكّ أي اعتراه كثيراً .واستدلوا على عدم وجوب الوضوء لكل حدث سببه السلس، بقياس السلس على دم الحيض، فإنه يوجب الغسل فإن خرج عن العادة لم يوجبه وهو دم الاستحاضة. فيكتفى بالوضوء لكل صلاة ثم لا يلتفت لشيء بين وضوئه وصلاته أو أثناءها، وقد كان بزيد بن ثابت رضي الله عنه سلس البول حين كبر وما كان يزيد عن الوضوء. الحالة الثانية: أن يكون زمان وجود السلس أقل، فيجب منه الوضوء عملا بأصل السالم من المرض والعلة. الحالة الثالثة: أن يستوي الحالان فيكون السلس متوسطا بين القلة والكثرة، وفي هذه الحال قيل: يجب الوضوء لعدم المشقة، وقيل لا يجب لخروجه عن العادة. ذكر الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير، مسألة السلس فقال:'' إذا لازم كل الوقت أو جله أو نصفه لم ينقض الوضوء، وإن لازم أقل الوقت اعتبر ناقضا. '' وفي الموسوعة الفقهية الكويتية:'' وفي قول العراقيين من المالكية لا ينقض السلس مطلقا غير أنه يندب الوضوء منه إن لم يلازم كل الزمان.'' وأما حكم إزالة النجس إذا عسر الاحتراز منه سواء وصل إلى حد السلس أم لا فقد ذكر الدردير في الشرح الكبير على مختصر خليل ممزوجا بنص المختصر ( وعفي عما يعسر ) الاحتراز عنه من النجاسات وهذه قاعدة كلية ( كحدث ) بولا أو مذيا أو غيرهما ( مستنكح ) بكسر الكاف أي ملازم كثيرا بأن يأتي كل يوم ولو مرة فيعفى عما أصاب منه ويباح دخول المسجد به مالم يخش تلطخه فيمنع . انتهى بتصرف قليل . وما تطمئن إليه النفس بعد هذا البيان : أنه إذا كان الحدث (بول أو ريح أو غيرهما ) مستمرا بحيث لا يتوقف لوقت يتسع للوضوء والصلاة، أن يتوضأ صاحب هذا العذر لوقت كل صلاة عند دخول وقتها، ويصلى بوضوئه هذا ما شاء من الفرائض والنوافل، ومتى خرج الوقت الذى توضأ لفرضه انتقض وضوؤه، وعلى ذلك فلا يصلي فرض العصر بوضوء فرض الظهر إلا إذا كان جامعا لصلاتين في سفر ونحوه أو يقضي ما فاته في وقت الصلاة الحاضرة. والله أعلم وأحكم.