في الوقت الذي أكد فيه برنامج وزارة الاتصال لسنة 2011 على أولوية مواصلة إصلاح الفضاء السمعي البصري، وتعزيز دور الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. طالب عدد من البرلمانيين بفتح النقاش حول حصيلة ثمان سنوات من رفع احتكار الدولة للقطاع السمعي البصري، ومعها مناقشة حصيلة عمل الهاكا في تدبير انفتاح القطاع. وعلى الرغم من أن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري تعتبر مؤسسة عمومية مستقلة، وكون تقاريرها تظل بعيدة عن لجان البرلمان، فإن وظيفة الهاكا وأدوارها وحصيلة عملها ظلت في صلب النقاش حول طبيعة أداء القطاع السمعي البصري الوطني.الهاكا ووظيفة تدبير الفضاء السمعي البصري تتمثل وظيفة الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري -حسب الظهير المؤسس لها- في السهر على الاحترام التام لمبادئ تعدد التعبير عن تيارات الفكر والرأي في قطاع الاتصال السمعي البصري، وفي احترام تام للقيم الحضارية الأساسية والقوانين الجاري بها العمل في المملكة. كما يعهد للهيأة بإبداء الرأي في كل مسألة تحال إليها من لدن جلالة الملك وتبدي رأيها بشكل وجوبي للبرلمان والحكومة، في ما يتعلق بقطاع السمعي البصري، وتقترح مختلف التدابير على الحكومة، ولاسيما منها التدابير ذات الطابع القانوني. ومن وظائف ''الهاكا'' القانونية السهر على تقيد جميع السلطات والأجهزة المعنية بالقوانين والأنظمة المطبَقة على قطاع الاتصال وبحث طلبات الرخص، ومراقبة تقيد هيآت الاتصال السمعي البصري بمضمون دفاتر التحملات.هذا على المستوى القانوني، فماذا إذن عن حصيلة الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري على أرض الواقع؟ مجال سمعي بصري بدون قنوات تلفزية خاصة على الرغم من منح الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري أكثر من 19 ترخيصا، همت أساسا الإذاعات الخاصة، فإن حكماء ''الهاكا'' لم يستطيعوا تفعيل الوظيفة المفترضة لها، بإلغاء احتكار الدولة لوسائل الإعلام (البصري خاصة) في ضوء عدم منح ترخيص لخلق قنوات تلفزيونية. وفي ظل فشل المشروع التلفزيوني الخاص الوحيد (ميدي آن سات) بسبب عدم توفير شروط الحياة له (الإشهار)، مع التأكيد على أن ''الهاكا'' كانت قد عللت قرارها بعدم منح ترخيص تلفزيوني سنة 2009 بالحفاظ على التوازن في السوق الإشهارية الوطنية. حكماء والتباس الصفة إن تشكيلة ''الهاكا'' الحالية تطرح العديد من الإشكاليات، من بينها بقاء مناصب شاغرة في تشكيلة الهيئة العليا. كما سجل عدم تجديد انتداب أغلب أعضاء المجلس الأعلى بعد انتهاء ولايتهم بشكل مباشر، مما أثار انتباه العديد من المهتمين بالمجال السمعي البصري، الذين طالبوا بتوضيح الصيغة التي تشتغل بها ''الهاكا'' وتبرير مدى شرعية قرارات الهاكا. في الوقت الذي أوضحت فيه ''الهاكا'' بأن عدم التجديد لولاية بعض الحكماء ودخولهم، زمنيا، في الولاية الثانية التي يسمح بها الظهير المؤسس للهيأة يعتبر تجديدا ضمنيا. ويضم المجلس الأعلى للهيئة حاليا سبعة أعضاء من أصل تسعة، بعد رحيل كل من أحمد العبادي الكاتب العام حاليا للرابطة المحمدية للعلماء ومحمد الناصري وزير العدل الحالي. من جهة أخرى، يجمع بعض حكماء ''الهاكا'' بين دور الحكامة في الهيأة وبين مسؤولية سياسية وهو ما يتعارض مع استقلالية الهيئة. في هذا السياق فإن كلا من صلاح الوديع وإلياس العماري يشغلان إضافة إلى عضوية المجلس الأعلى للهيأة عضوية المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة. وهو ما يتعارض مع المادة السابعة من الظهير المؤسس ل''الهاكا''، التي تلح على ضرورة عدم الجمع بين العضوية وبين أي انتداب انتخابي. الهاكا واقتصارها على الدور الاستشاري من جانب آخر، يسجل اقتصار دور الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري على الطابع الاستشاري في القضايا التي تهم السمعي البصري الوطني . ويتجلى ذلك في اقتصار مهامها على مراقبة مدى تطبيق القانون ورفع التقارير، بالصفة الاستشارية، إلى الجهات المسؤولة عن مستقبل القطاع، دون أدنى سلطة فعلية في تغيير واقع السمعي البصري في المغرب، خاصة ما يتعلق بواقع القنوات التلفزية الوطنية أو مستقبل الفضائيات الخاصة. فشل في تأطير بث الإذاعات الخاصة يتضح من القرارات التي أصدرتها ''الهاكا'' في حق عدد من الإذاعات الخاصة( ستة قرارات عقابية في غضون أربع سنوات) أن طبيعة الخروقات المسجلة على هذه المحطات تجلت أساسا في التطرق لمواضيع حساسة دون الالتزام بالضوابط الملزمة. هناك أيضا استهداف بعض ثوابت المملكة: الملكية، الدين الإسلامي... إضافة إلى استهداف عدد من الأعراف الاجتماعية والقانونية المرعية: كعدم احترام الناشئة، وضرب مبدأ قرينة البراءة، الحديث بلغة تصدم أعراف المغاربة. ويتجلى عدم قدرة ''الهاكا'' على تأطير الفضاء الإذاعي الخاص من خلال عدة مستويات: ففيما يخص المضامين، يسجل بأن عدد البرامج الناجحة والهادفة قليلة. كما أن بعض الإذاعات تعتمد في جل برامجها على استعمال اللغة الفرنسية، وهذا ما يكرس التبعية الثقافية واللغوية للمنظومة الفرونكفونية. إضافة إلى أن بعض المحطات الخاصة شهدت تجاوزات مهنية وأخلاقية، من خلال تبني خط تحريري لا يعير اهتماما لما جاء في دفاتر التحملات، ولقرارات ''الهاكا'' الزجرية التي طالت البعض منها. علي الباهي