مع انطلاق الموسم الإذاعي والتلفزيوني ، فتح النقاش مجددا حول هوية الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري ومرجعيتها وآليات اشتغالها وقدرتها على تطوير وتحرير القطاع، وأخذ هذا النقاش منحيين، الأول يتأسس على معطيات معرفية وقانونية وواقعية صلبة بناء على ما جاء في الظهير المؤسس للهيأة وبناء على ما تحقق ولم يتحقق، في الوقت الذي أخذ بالنسبة للبعض منحى يقوم على الإنطباع والذاتية وخلط المفاهيم دون وعي لحقيقة وأسرار هذه الهيأة. في إطار ورش الإصلاحات التي همت المجال السمعي -البصري الوطني، حدد الظهير الشريف المؤرخ في 31 غشت 2002، والذي أعلن عنه الملك محمد السادس في خطاب العرش، في الثلاثين من يوليوز من نفس السنة، ملامح الهيئة العليا للاتصال السمعي -البصري. وقد شكلت الهيأة العليا للاتصال السمعي -البصري الأخيرة، لحظة انطلاقها، اللبنة الأولية في تحرير الفضاء السمعي -البصري الوطني، تلاها صدور مرسوم القانون القاضي بوضع حد لاحتكار الدولة في مجال البث الإذاعي والتلفزي، في العاشر من شتنبر 2002، وأخيرا دخول القانون رقم 77-03، المتعلق بالاتصال السمعي -البصري حيّزَ التنفيذ، بصدوره في الجريدة الرسمية، في السابع من فبراير 2005. وتُعَدّ الهيئة العليا للاتصال السمعي -البصري سلطة إدارية مستقلة، مكلفة بضبط وتقنين قطاع الاتصال السمعي -البصري، الذي تم تحريره بوضع حد لاحتكار الدولة في هذا المجال، لمواكبة المسيرة الديمقراطية والحداثية للمغرب ولمواجهة تحديات العولمة والتطور التكنولوجي العالمي الذي يعرفه مجال الإعلام والاتصال. وظيفة الهيأة العليا تتمثل وظيفة الهيأة الأساسية -حسب الظهير المؤسس لها- في السهر على الاحترام التام لمبادئ تعدد التعبير عن تيارات الفكر والرأي في قطاع الاتصال السمعي -البصري، وفي احترام تام للقيم الحضارية الأساسية والقوانين الجاري بها العمل في المملكة. كما يُعهَد للهيأة بإبداء الرأي في كل مسألة تحال إليها من لدن الملك وترفع الاقتراحات للملك بشأن الشخصيات التي يرجع أمر تعيينها إلى الملك في ما يخص المهام أو المناصب العامة التي تناط بهم ممارستها على رأس الهيئات العامة المتدخلة في مجال السمعي -البصري وتبدي رأيها بشكل وجوبي للبرلمان والحكومة، في ما يتعلق بقطاع السمعي -البصري، وتقترح مختلف التدابير على الحكومة، ولاسيما منها التدابير ذات الطابع القانوني، التي تُمكّن من ضمان التقيد بالمبادئ الوارد بيانها. ومن وظائف «الهاكا» المهمة السهر على تقيد جميع السلطات والأجهزة المعنية بالقوانين والأنظمة المُطبَّقة على قطاع الاتصال وبحث طلبات الرخص، بإحداث واستغلال منشآت الاتصال السمعي -البصري ومنح الرخص، باستعمال الموجات الراديو كهربائية التي تخصصها الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات ومراقبة تقيد هيآت الاتصال السمعي -البصري بمضمون دفاتر التحملات، وبصفة عامة، تقيدها بالمبادئ والقواعد المطبقة على القطاع والمصادقة على هذه الدفاتر. مكونات الهيأة العليا وفق مقتضيات الظهير الشريف رقم 212-02-1، تتكون الهيأة العليا للاتصال السمعي -البصري، من المجلس الأعلى للاتصال السمعي- البصري (الجهاز المقرر للهيئة)، المديرية العامة للاتصال السمعي -البصري (الجهاز الإداري والتقني المهيء لأعمال المجلس والجهاز التنفيذي لقراراته). ويضم المجلس الأعلى سبعة أعضاء من أصل تسعة، بعد رحيل كل من أحمد العبادي إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومنها إلى الرابطة المحمدية للعلماء، ومحمد الناصري، الذي عُيِّن، مؤخرا، وزيرا للعدل. وتضم التركيبة الحالية كلا من الرئيس أحمد الغزلي صاحب التجربة الإدارية والإعلامية الطويلة، الذي يبقى الناطق الرسمي للمؤسسة أو من ينتدبه رسميا لذلك، ونعيمة المشرقي، صلاح الوديع، إلياس العمري، الحسان بوقنطار، نور الدين أفاية ونعيم كمال. ويجتمع المجلس كل يوم أربعاء، وأحيانا أكثر من مرة في الأسبوع، إذا دعت الضرورة إلى ذلك. ويحضر اجتماعات المجلس أيضا المديرُ العام (مصطفى مساعد)، لتقديم وعرض الملفات، دون المشاركة في اتخاذ القرارات. كما يحضر هذه الاجتماعات، أيضا، كاتب المجلس الحسين بنعياش، الذي يبقى حلقة الوصل بين المجلس والمديرية العامة، من خلال التحضير لجدول الأعمال وتهييء تقارير أسبوعية عن أشغاله ومتابعة مدى تطبيقها. من جهة أخرى، تلعب المديرية العامة ل«الهاكا» دورا أساسيا في قرارات المجلس الأعلى للسمعي -البصري، إذ تُحضِّر الشروط الموضوعية الدقيقة التي تمكن المجلس الأعلى للسمعي -البصري من اتخاذ القرارات، وللمديرية وظيفة القيام بالتحقيقات اللازمة لدى جميع المتعهدين. كما تناط بها مسؤولية تنفيذ قرارات المجلس، فضلا على تعامل المديرية مع مختلف الشكايات. وتضم المديرية العامة للهيأة العليا للاتصال السمعي -البصري العديد من المديريات، من بينها مديرية البنيات التحتية والتتبع التكنولوجي، وتتمثل وظيفتها في مراقبة مدى احترام القنوات الإذاعية والتلفزية لالتزاماتها التقنية الواردة في دفاتر تحملاتها، وتضم المديرية وحدة المعلوميات، وهي وحدة كل الخيوط المعلوماتية ومصدر المعطيات المعلوماتية. كما تضم المديرية العامة مديرية الدراسات الاستراتيجية والتنمية، وتتجلى بعض أدوراها في مراقبة المحطات الإذاعية والتلفزية. وتعمل هذه المديرية على مراقبة مدى احترام المحطات الإذاعية والتلفزية الخاصة والعمومية كلَّ الالتزامات الواردة في دفاتر التحملات، ويقصد بهذه الالتزامات الجوانب المالية (رقم المعاملات الإشهاري، التوازن الاقتصادي للشركة، توزيع حصص ومهام المساهمين...) والجوانب التنظيمية (الهيكلة، ميثاق الأخلاقيات، الموارد البشرية وعدد المغاربة المستخدمين في كل محطة...) والتدبيرية (عقود الإنتاج، حصص الإنتاج الداخلي والخارجي، علاقات المحطة مع محيطها المؤسساتي، مثل مكتب حقوق التأليف). وتتتبع المديرية مدى احترام الشركات الحاصلة على تراخيص «الهاكا» بخصوص تسويق القنوات المشفَّرة في المغرب التزاماتها المالية (عدد المبيعات وعدد المنخرطين وضمان حقوقهم) وتقوم المديرية بالدراسات الاستراتيجية، كدراسة نسب المشاهدة التي ترسلها شركة «ماروك ميتري» إلى «الهاكا»، يوميا، بناء على انخراط سنوي، من أجل التحقق من نجاعة التقنية المعتمَدة من طرف الشركة المذكورة في القيام بعملية القياس، وكذا استغلال هذه المعطيات والإحصائيات في الدراسات والأوراش المفتوحة. وتقوم المديرية القانونية بأدوار مختلفة تتمحور، بشكل أساسي، حول إعداد الآليات القانونية لهيكلة وتقنين قطاع السمعي -البصري وتأمين التتبع القانوني وتقديم مقترحات تعديل النصوص المنظمة للقطاع السمعي -البصري وكذا توفير المساعدة القانونية التي تطلبها باقي مديريات وأجهزة الهيئة العليا والقيام بتدبير قضايا المنازعات. وإلى جانب كل هذه المديريات والوحدات التي تتكون منها المديرية العامة، والتي تشتغل على قضايا تهُمّ القطاع السمعي –البصري، كل من زاوية اختصاصها، هناك مديرية أخرى ذات اختصاصات إدارية داخلية، وهي مديرية الشؤون المالية، وتتكون من ثلاث وحدات: وحدة الموارد البشرية، وحدة اللوجيستيك ووحدة المحاسبة. وتعد مديرية تتبع البرامج إحدى أهم المديريات في «الهاكا»، يرأسها سعود الأطلسي وتتكون من ثلاث وحدات: وحدة «تتبع برامج الإذاعة»، وحدة «تتبع برامج التلفزة» ووحدة «التعددية». تقوم المديرية بتتبع وتحليل البرامج والخدمات التي تقدمها منشآت الاتصال السمعي -البصري. ومن أجل تنفيذ مهامها، تقوم المديرية في هذا الصدد بما يلي: التحقق من مدى احترام هذه المنشآت التزاماتها في مجالَي البرمجة والإنتاج، كما تقوم المديرية، لهذه الغاية، بالتحريات الضرورية، وفقا للصلاحيات المخولة لمجموعة مراقبي المديرية العامة. ويتم إنجاز بيان فصلي، بطلب من المدير العام، للمدة الزمنية التي تستغرقها تصريحات ومداخلات الشخصيات السياسية، النقابية والمهنية على القنوات الإذاعية والتلفزية، وتقوم بتهييء التوصيات المتعلقة باستعمال وسائل الإعلام السمعي –البصري، خلال الفترات الانتخابية، وتتبع سير الحملات الانتخابية، عبر المحطات الإذاعية والتلفزية. وتتكون مديرية تتبع البرامج من ثلاث وحدات هي: وحدة «تتبع برامج الإذاعة»، ويتم ذلك على مستويين، المستوى النوعي والمستوى الكمي. وهناك وحدة تتبع البرامج التلفزيونية، ولديها ثلاث وظائف، تكمن الأولى في تتبع البرامج، بشكل نوعي متعلق بالتزاماتها بدفتر التحملات، وتتأسس الوظيفة الثانية على الوظيفة الكمية، بينما تتمثل المهمة الثالثة في تحرير التقارير الخاصة بمدى التزام المتعهد بدفتر التحملات. وتأخذ هذه التقارير بعدا موسميا، بالنسبة إلى كل متعهد، على أساس أن تتم صياغة تقرير سنوي خاص بكل متعهد يرصد الحصيلة الكمية والنوعية لمدى التزامه بمقتضيات دفتر تحملاته. وتعد وحدة التعددية أهم مكونات الهيأة العليا للاتصال السمعي -البصري، وتتمثل وظيفتها في تتبع تدخلات الشخصيات العمومية في وسائل الإعلام، وفق برنامج معلوماتي (HACAPLURALISME)، وتشتغل على مختلف الإذاعات والقنوات التلفزية الوطنية، بالتفريق بين نوعين من البرامج: النشرات الإخبارية والمجلات الإخبارية. وتنشر «الهاكا» تقريرا كل ثلاثة أشهر، بالنسبة إلى النشرات الإخبارية، وكل ستة أشهر، بالنسبة إلى البرامج الإخبارية. حصيلة أولية للهيأة العليا على الرغم من أن قبول أو رفض أي قرار يتأسس على منطق التصويت والأغلبية، فإن مصدرا مُطّلعا يسر بأنه لم يسبق للمجلس أن التجأ إلى اتخاذ قراراته بالتصويت، بل يتم دائما إعمال قاعدة «التوافق الجماعي»، بناء على قناعات مشترَكة حدّدها المجلس لنفسه، منذ أن بدأ أشغاله قبل ست سنوات، ومنها أن ينسحب، مثلا، من مداولات المجلس كل شخص ثبتت علاقته المباشرة أو غير المباشرة بالملف المتداوَل فيه، أو ما يسمى في أدبيات الهاكا «تجريح نفسه عن صواب». وقد صدر، إلى حد الآن، أزيد من 255 قرارا من المجلس تهم تعيين الترددات، منْح التراخيص، التعددية، حق الرد، أخلاقيات البرامج، الإشهار... وفق ما ينص عليه القانون والصلاحيات المخولة لها، حسب الظهير المؤسس، ما يعني لحد الآن قطع الطريق، بشكل صارم، أمام أي خرق لقانون السمعي -البصري 77-03 وفرض التّقيُّد بدفاتر تحملات القنوات.
مجال بلا قنوات خاصة وحكماء بين عائق التمديد والتباس الصفة تعليقا على حصيلة «الهاكا»، قال ناقد إعلامي إنه على الرغم من منح الهيأة العليا للاتصال السمعي -البصري أكثرَ من 15 ترخيصا، فإن حكماء «الهاكا» لم يستطيعوا تفعيل الوظيفة المفترَضة لها، بإلغاء احتكار الدولة لوسائل الإعلام (المرئي، خاصة) في ضوء عدم منح ترخيص في الفترة الثانية للتراخيص لخلق قنوات تلفزيونية، وفي ظل فشل المشروع التلفزيوني الوحيد (ميدي آن سات) بسبب عدم توفير «شروط الحياة» له (الإشهار)، مع التأكيد على أن «الهاكا» كانت قد عللت قرارها بعدم منح ترخيص تلفزيوني بالحفاظ على التوازن في السوق الإشهارية. ومن جهة أخرى، أضاف الناقد أن تشكيلة «الهاكا» الحالية تطرح العديد من الإشكاليات، من بينها بقاء مناصب شاغرة في تشكيلة «الهاكا». وبخصوص هذه النقطة، يعتبر مصدر مسؤول أن هذا المعطى ما كان ليؤثر على النصاب القانوني لانعقاد المجلس، كما انتقد الأول انتهاء ولاية أغلب أعضاء الهيأة العليا وعدم تجديدها، بشكل مباشر، مما أثار استياء العديد من المهتمين بالمجال السمعي -البصري، الذين طالبوا بتوضيح الصيغة التي تشتغل بها «الهاكا» وتبرير شرعية أو عدم شرعية ما أصدرت أو ستصدر من قرارات مستقبلية في المجال السمعي -البصري. ورد مصدر مسؤول من «الهاكا» بأن عدم التجديد لولاية بعض الحكماء ودخولهم، زمنيا، في الولاية الثانية التي يسمح بها الظهير المؤسس للهيأة العليا للاتصال السمعي -البصري يعتبر تجديدا ضمنيا. وانتقد مصدرنا جمعَ بعض حكماء «الهاكا» بين دور الحكامة في الهيأة وبين مسؤولية انتخابية، في إحالة على وجود حكماء في مركز القرار في حزب سياسي مغربي، في إشارة خفية إلى حزب الأصالة والمعاصرة، وهو ما يتعارض مع المادة السابعة من الظهير المؤسس ل«الهاكا»، التي تلحّ على ضرورة عدم الجمع بين العضوية وبين أي انتداب انتخابي. كما انتقد المصدر اتخاذ بعض الأعضاء مواقف من بعض القضايا في السمعي -البصري، في إشارة إلى الملف الشائك لنور الدين الصايل (المدير السابق ل«دوزيم»)، وهو ما يتعارض مع المادة 7 من القانون المؤسس للهيأة، والذي ينص على ضرورة امتناع الحكماء عن التدخل في أي موقف علني بخصوص القضايا الراجعة إلى اختصاصاتهم، فضلا على عدم وجود علاقة مباشرة بين تكوين أغلب الحكماء وبين الفعل السمعي -البصري. وفي سياق متصل، ذكَّر الناقد بالطابع الاستشاري للهيأة العليا للاتصال السمعي -البصري في القضايا التي تهم مستقبل السمعي -البصري الوطني واقتصار مهامها على مراقبة مدى تطبيق القانون ورفع التقارير، بالصفة الاستشارية، إلى الجهات المسؤولة عن مستقبل القطاع، دون أدنى سلطة فعلية في تغيير واقع السمعي -البصري في المغرب خاصة مايتعلق بواقع القنوات الوطنية أو مستقبل الفضائيات الخاصة.