وضع الاتحاد المغربي للشغل ما يعتبر جردا لحصيلة الفضائح والاختلاسات المالية التي تعرض لها «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، الحصيلة التي رصدت وقائع الكارثة على مدى عشرين عاما جاءت ضمن "الكتاب الأسود" الذي سجلت فيه نقابة المحجوب بن الصديق بالأرقام والمعطيات والبيانات تفاصيل النهب والنزيف في هذه المؤسسة لكن دون تحديد المسؤوليات بشكل مباشر أو تسمية أشخاص بعينهم ممن كانوا وراء الفضيحة. والمعروف أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عاش اختلالات كبرى على مستوى التدبير المالي والتسيير الإداري، شأنه في ذلك شأن المؤسسات العمومية الأخرى التي عرفت نفس المصير بسبب الاختلاسات والنصب والاحتيال بطرق مختلفة، وقد ظلت وضعية الصندوق موضع احتجاجات عالية من قبل النقابات قصد القيام بتدقيق مالي وتشكيل لجنة نيابية خاصة للتحري في أسباب هذه الاختلالات والوقوف عند المسؤوليات وتحريك القانون، وهو ما لم يتحقق إلا في شهر دجنبر من السنة الماضية عندما شكل مجلس المستشارين لجنة تقصي الحقائق في أوضاع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المالية والإدارية. ويعتبر الكتاب الأسود أول تشخيص لحالة الصندوق من طرف الاتحاد المغربي للشغل منذ إنشائه سنة 1959، وبالتالي ستكون له أصداء قوية لدى مختلف الجهات المعنية بالأوضاع السابقة داخل هذه المؤسسة، خاصة وأن الإطار النقابي لبن الصديق يعد الأقرب إلى الاطلاع على الجزء الأكبر من تفاصيل الأوضاع المالية والإدارية داخل هذا الصندوق الذي يعتبر بمثابة مغارة علي بابا المليئة بالكنوز، نظرا لحجم الاختلاسات المالية الكبيرة التي أحاطت به، والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي مولت بطرق أثارت التساؤلات والشكوك من صندوق المؤسسة، والتي أدت كلها إلى أن يغرق الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في أزمة مالية خائفة أوضحها التباين بين المداخيل والإنفاق. الكتاب الأسود الذي سعى إلى تعرية الحقائق وكشف المستور يؤكد على أن مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قد تم تجريده من اختصاصاته في الإشراف على الأوضاع داخل الصندوق وتم حرمانه من المعلومات المتعلقة بأمور التدبير المالي، ويكشف عن اختلاسات كبيرة تمت بطرق غير قانونية، كما يشير إلى التقليص من حجم الزيادات الشهرية عن التأخير في أداء الاشتراكات من %3 سنتي 1959 و1972 إلى %1 سنة 1994، والإعفاء من مستحقات الديون المستحقة للصندوق في الفترة ما بين 1969 و1996، وقضية المصحات التابعة للصندوق التي أنشئت سنة 1975، لتأمين الحماية الصحية للمنخرطين دون أن يستفيد منها هؤلاء، والتي قدر الكتاب الأسود حجم الإنفاق فيها بنحوه 400 مليون درهما سنويا، وتشير نقابة الاتحاد المغربي للشغل بأصبع الاتهام إلى الدولة باعتبارها الجهة المسؤولة عن التردي والانهيار المالي للصندوق، وبالنظر إلى حجم ما يسرده الكتاب من خروقات طالت صندوق الضمان الاجتماعي فإن لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس المستشارين ستكون أمام جردة حساب موضوعة أمامها سلفا، قد تقود أعمالها في إجراءات التحري والكشف عن الاختلاسات والمسؤوليات والمسؤولين. ويبدو أن نقابة المحجوب بن الصديق باصدارها هذا الكتاب الذي تتجاوز صفحاته المائتين أرادت وضع المسؤولين أمام الحائط، خصوصا بعدما تم توجيه اتهامات إليها بالاشتراك في مسؤولية ما آل إليه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لكونها النقابة الأوسع تمثيلية في مجلسه الإداري، فقد ظل الاتحاد المغربي للشغل حتى 1992 قبل مغادرته للمجلس الإداري يشغل سبعة مقاعد من ثمانية هم ممثلو العمال داخل هذا المجلس الذي يتشكل من 24 عضوا، ثمانية لكل طرف من الحكومة وأرباب العمل والنقابات. وكانت نقابة بن الصديق ترفض العودة إلى المجلس الإداري في السنوات السابقة، الأمر الذي عاق انعقاده، وفشل وزير التشغيل السابق الاتحادي خالد عليوة في عقد اجتماع للمجلس المذكور حتى مجيء الأمين العام الاستقلالي عباس الفاسي إلى وزارة التشغيل في الطبعة الثانية لحكومة اليوسفي وتمكن من عقد اجتماع للمجلس الإداري للصندوق بعد عودة الاتحاد المغربي للشغل في شهر يوليوز الماضي إلى عضويته داخله. وعلى صعيد ذي صلة، أكد السيد حدو الهيلع رئيس لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس المستشارين أن هذه الأخيرة يمكنها الاعتماد على ما ورد في كتاب الاتحاد المغربي للشغل في حالة ما إذا وجدت به أمورا وحقائق لم يشملها بحث اللجنة، وأضاف أن صدور الكتاب في هذا الوقت بالذات يطرح تساؤلات. وقال الهيلع إن اللجنة بعد أن شكلت مكتبها في 2000/11/27 توجد اليوم في منتصف المرحلة الثانية التي تخص تدقيق البحث في الملفات، والتي تعتبر مرحلة حامسة بالنسبة للجنة، لأنها تتعلق بالبحث والتدقيق في الملفات والتقارير التي شملتها المرحلة الأولى من عمل اللجنة، وكانت لجنة تقصي الحقائق قد استمعت إلى عدد من الشهود قدر عددهم بنحو أربعين شاهدا من الشهود المباشرين وغير المباشرين عن صندوق الضمان الاجتماعي، أما المرحلة الثالثة والأخيرة لعمل اللجنة فهي مرحلة التوصيات والخلاصات، والتي يفترض أن تنتهي فيها اللجنة قبل 26 ماي 2002 تاريخ انتهاء المدة القانونية لها. وعما إذا كانت اللجنة ستصطدم برفض بعض الشهود للحضور أمامها والإدلاء بإيفاداتهم كما حدث مع اللجنة النيابية لتقصي الحقائق بشأن القرض العقاري والسياحي في العام الماضي قال حدو الهيلع إن هذه المشكلة لم تعد مطروحة بعد تعديل القانون الخاص بتشكيل لجان التقصي النيابية، والذي أصبح يلزم الشهود بالحضور أمام اللجان وتقديم شهاداتهم. إدريس الكنبوري