قبل سنة نبهنا إلى خطورة تنظيم مسابقة البوكير الدولي بكازينو مراكش، ووقفنا على دلالات تركيز مؤسسات القمار الدولي على القارة الإفريقية، وتحويل المغرب إلى مركز جدب واستقطاب عالمي للقمار، ومحطة دولية لتصديره إلى بقية دول العالم الإسلامي، ونقلنا تصريحات كل من المدير التنفيذي لمؤسسة شيلي- بوكير الفرنسية، الشريكة في تنظيم هذه التظاهرة، وكذا الرئيس المؤسس للدوري الدولي للبوكير؛ والتي تصب كلها في اتجاه المراهنة على جعل مراكش قبلة أوربية وإفريقية للاعبي البوكير وتقريب القمار الدولي إلى العالم الإسلامي وتوسيع خريطته. كانت الخطة، كما أعلنت عنها المؤسستان (شيلي بوكر والبوكير الدولي)، تقضي بأن يتم نقل التظاهرات الدولية إلى القارة الإفريقية خلال ثلاث سنوات، وأن يتم تنظيم مسابقات كبرى فيها. السنة الماضية، عرفت مراكش تنظيم أول تظاهرة في هذا الإطار، إذ استطاع كازينو السعدي في الفترة الممتدة ما بين 16 و18 أكتوبر ,2009 استقطاب 416 مقامرا من 32 بلدا، وتم الرهان بشكل كبير على الحضور الكثيف للصحافة من أجل إنجاح الاستراتيجية. بعد مرور سنة، كان المفترض أن يتم التوجه إلى بلد إفريقي آخر، حسب رهانات الاستراتيجية المعلن عنها، لكن يبدو أن الاختيار وقع مرة أخرى على الكازينو ذاته، ليس لتنظيم الدوري الدولي للبوكير فقط، ولكن لتنظيم أكبر بطولة للبوكير في تاريخ لعبة البوكير، إذ ستعرف مشاركة أربعين مقامرا دوليا، من ضمنهم لاعبين أمريكيين وفرنسيين كبار. هذا الحدث ، بقدر ما يؤشر على استمرار مؤسسات صناعة القمار الدولي في الرهان على توسيع خارطة المقامرين في العالم، بقدر ما تؤشر على رهان خاص على المغرب كبوابة لتنفيذ هذه الإستراتيجية. التحدي الذي يطرحه هذا التحول في استراتيجية مؤسسات القمار الدولي، وبشكل خاص استهدافها المباشر للمغرب والرهان على الآلة الإعلامية الكثيفة لإنجاح هذا الرهان، يفرض من السياسات الحكومية أن تعيد النظر في نوع المقاربة المعتمدة في التعاطي مع هذه المسألة، إذ أن التحجج بالكسب والعائد الاقتصادي، الذي يمكن أن تدره مثل هذه التظاهرات على السياحة الوطنية لم يعد مقبولا، لاسيما وأن الأمر يتعلق أولا بالسمعة الوطنية والإسلامية للمغرب، إذ يعتبر المغرب البلد العربي الوحيد الذي يسمح بتنظيم هذه التظاهرات، ويتعلق ثانيا؛ بالأبعاد الخطيرة التي يمكن أن يخلفها انخراط المغرب في هذه الأجندة والآثار التي يمكن أن تلحق المجتمع نفسيا وتربويا واجتماعيا، وتتعلق ثالثا؛ بالأضرار التي يمكن أن يلحقها المغرب ببقية جيرانه في العالم العربي والإسلامي والإفريقي، ما دام وقع الرهان الاستراتيجي عليه ليكون بوابة لتنفيذ هذه الأجندة. مؤكد أن هذه الاستراتيجية لن تتوقف عند حدود مدينة مراكش، كما لم تتوقف وتيرة إحداث الكازينوهات في المغرب، إذ يتوفر المغرب اليوم - على الأقل - ست كازينوهات ممتدة من شماله إلى جنوبه . فهذه المؤسسات التي تترى باسم السياحة، لن تتردد هي الأخرى في استقطاب مثل هذه التظاهرات، بما يتقاطع ويخدم الاستراتيجية المعلنة لمؤسسات القمار الدولي. وفي هذه الحالة، يبقى التساؤل الكبير هو الجواب الذي أعدته الدولة في التعاطي مع هذا التحدي الخطير، وتداعياته الأمن النفسي والاجتماعي والتربوي للمغاربة، بل وتداعياته على سمعة المغرب ورصيده الإسلامي التاريخي. لا نحتاج أن نذكر بأن علماء المغرب المؤتمنون، على تحصين الهوية العقدية والقيمية للمغاربة ضد أي اختراق، لم يتوقفوا منذ الستينيات عن مطالبة الدولة بإيقاف زحف القمار والتحذير من تداعياته الخطيرة، والمطالبة بمنعه بجميع أصنافه وقطع الطريق على مروجيه، لكن يبدو أن السياسة الحكومية، بذريعة دعم السياحة وتشجيعها، لم تستجب لنداء العلماء، إلى أن صار المغرب اليوم، في خطط مؤسسات القمار الدولي. يبدو أن السلطات المعنية محتاجة اليوم إلى أن تعيد تقييم الموقف، بما يجعلها تبصر حقيقة مصلحتها القومية وأمن شعبها النفسي والتربوي والاجتماعي وسمعتها الإسلامية، وبما يجعلها تدرك أن دعم السياحة بإحداث الكازيونهات هو مجرد وهم كبير، صنعته الدعاية الإعلامية لمؤسسات صناعة القمار الدولية.