لم يكن من العبث أو من محض الصدفة أن يتم اختيار المغرب لتنظيم تظاهرة عالمية للقمار هي الأولى من نوعها في القارة الإفريقية بكازينو السعدي بمدينة مراكش، من قبل الدوري الدولي ل البوكر، وبشراكة مع مؤسسة شيلي بوكر الفرنسية، فقد سبق أن صرح أليكساندر دريفوس المدير التنفيدي لهذا الدوري الدولي بأنه يسعى لتصبح مدينة مراكش أول قبلة لكل المقامرين في إفريقيا. لكن المشكلة تتعقد حينما يصبح هذا القصد المعلن من قبل مؤسسات دولية معنية بالقمار وتوسيع شبكاته وخدماته في العالم، جزءا من سياسة محلية ترعاها الحكومة تحت مسمى تشجيع الاستثمار في المجال السياحي. وفي هذا الإطار، يمكن أن ندرج احتفاء وزير السياحة بافتتاح منتجع مازاكان ريزوت بالجديدة، والذي يحتوي على كازينو يحتوي على 415 آلة وطاولات بلاك جاك والبوكير حسب ما أفادت به مجلة لوطون التي أنجزت ملفا عن صاحب المنتج صول كيرزنير المنعش العقاري ذي الأصول اليهودية. وزير السياحة بوسعيد صرح لبعض وسائل الإعلام على هامش الاحتفال بافتتاح هذا المنتج بأنه يتوقع أن يرتفع عدد السياح من خمسة في المائة هذا العام ليصل الى مستوى قياسي يبلغ 4ر8 مليون، مفسرا هذا التفاؤل الكبير بالاستراتيجية التي يعتمدها المغرب، والتي ترتكز على بناء المزيد من الفنادق والمرافق. طبعا، لا يجادل أحد في أهمية بناء الفنادق والمحطات السياحية ودورها في تنمية قطاع السياحة في المغرب، والذي تعرف عائداته انكماشا قدر ب21 في المائة في الربع الأول من هذا العام حسب إفادة نفس المسؤول، والذي تراجعت مداخيله بشكل مهول بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية، لكن الربط بين الاستثمار السياحي وتشجيع القمار، بل وتحويل مدن المغرب بالتدريج، بعد مراكش وطنجة وأكادير إلى محطات للقمار الدولي وتوسيع شبكة ما يعرف بالقمار الراقي، كل ذلك، لا يملك أي أحد من المسؤولين، بما في ذلك وزير السياحة، أن يثبت بالأرقام والإحصائيات المضبوطة فاعليته في تنمية القطاع السياحي المغربي الذي وجهت له الأزمة العالمية صفعة كبيرة أنهت كل أحلامه في الوصول إلى 10 ملايين سائح؛ إلى درجة أن مسؤولي هذا القطاع اعترفوا بأن هذا الرقم كان حالما وغير واقعي! لقد كانت جزء من الحجج التي يستند إليها المسؤولون لتبرير الترخيص بإقامة تظاهرات عالمية للقمار - نموذج تظاهرة مراكش- أو الترخيص لإقامة كازينوهات للقمار - نموذج كازينو موفامبيك بطنجة- وغيرها من الكازينوهات هو الاستجابة للرهان الذي رفعه المغرب بالوصول إلى 10 ملايين سائح، وتنمية الاستثمارات في القطاع السياحي، وجلب العملة الصعبة وغيرها من الطموحات الكبيرة، لكن كل هذه التبريرات سقطت، فلا السياحة ارتفعت عائداتها، ولا عائدات السياحة من العملة الصعبة استقرت، ولا القطاع السياحي انتعش، فحسب تقديرات رسمية فعائدات السياحة باعتبارها أكبر مصدر للعملة الصعبة في المغرب ستتراجع هذا العام ب 15 في المائة. ومعنى هذا أن الذي بقي بعد فشل كل هذا الرهانات هو توطين بنيات مؤسسية دولية للقمار في المغرب، وتحويل المغرب إلى قبلة للقمار الدولي؛ دون أن يستفيد المغرب من ذلك بأي شيء يمكن أن ينفع المسؤولين في تبرير أحلامهم وتطلعاتهم غير الواقعية. الخطر، كل الخطر، أن ينساق المسؤولون وراء أحلام لا تصمد أمام الوقائع على الأرض، وينجر كثير منهم باسم تشجيع الاستثمار السياحي إلى الاحتفاء بكازينوهات القمار، ويحولوا بذلك مدن المغرب كلها إلى محطات للقمار الدولي، فتتأصل بنيات القمار مؤسسيا، وتنتقل بشكل تدريجي إلى كل الفنادق والمؤسسات السياحية، ومنها، وبعد تأصيلها والتطبيع المجتمعي معها، إلى المقاهي والنوادي والمركبات التجارية. لقد سبق أن نبهنا إلى خطورة الأرقام الصادمة التي أعلن عنها المدير التنفيذي للشركة المغربية للألعاب والرياضات، والتي تتحدث عن مشاركة عشر المغاربة في ألعاب القمار (6,3 مليون مغربي سنة 2008)، واليوم تمضي السياسة الرسمية في توسيع شبكات الكازينوهات في المغرب في المحطات والمنتجعات السياحية، وهو ما يتقاطع مع استراتيجية مؤسسات القمار الدولية الهادفة إلى توسيع بنية وشبكة ألعاب ومؤسسات القمار في المغرب، بحيث يكون المنطلق هو إدخال بعض المغاربة في ماكينة القمار (الأثرياء)، ثم ينتهي الأمر إلى توسيع شريحة المستهدفين من كل المغاربة المنتظمين ثم المدمنين، والحصيلة هي الكوارث الاجتماعية ومآسي التفكك الأسري، والمفارقة ألا شيء يعود على المغرب من هذه المنتوجات التي تدخل إلى المغرب مختبئة في معطف السياحة. والتي توجد ألف طريقة للنهوض بها عوض اللجوء لتعبيد الطريق لمافيا القمار وإن تسربلت باللبوس القانونية، فليس وراءها إلا الخراب الأسري والتفكك الاجتماعي