إذا أراد المسلم أن يحج و عليه دين، فهل يكون حجه صحيحا إذا استأذن صاحب الدين وسمح له بذلك؟ القرض للحج ما تكلم فيه الفقهاء وذكروا أن من كان عنده بعد العودة ما يسد به قرضه فلا حرج عليه مما سيقوم به، وحجه صحيح. وأما من كان عاجزا عن السداد بعد عودته، لفقره وحاجته، فلا يجب عليه الحج. لكونه مشروطا بالاستطاعة. والذي يقترض للحج غير مستطيع إلا إن كان يعلم أنه قادر على الرد. وعموما فالاقتراض للحج أو لغيره من حاجات الدنيا جائز عند غلبة الظن على القدرة على الوفاء بالسداد. ولو لم يكن القرض جائزا ما ذكره المولى عز وجل في كتابه، ولا كانت أطول آية في القرآن الكريم آية الدين. فإن جاز اقتراض المسلم لدنياه فاقتراضه لآخرته جوازها من باب الأولى. وأما استئذان صاحب الدين فليس يشترط إن كان الدين مؤجلا، فمثل هذا لا يحتاج إلى استئذان. نعم، إن كان الدين حالا وطلب النظرة إلى وقت عودته فإن حجه لا حرج فيه إن شاء الله تعالى إن قبل طلبه. لأن قسمة التركة بعد الوفاة لا تكون إلا بعد تصفيتها، ومن تصفيتها إخراج الديون والوصايا والرهون وكل ما لا يعد حقيقة من مال الهالك، سواء كان حقا لله تعالى أو حق لعباده. وقد تكرر الحديث عن هذه التصفية في آيات المواريث بصيغ متعددة، منها قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ، وقوله سبحانه: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ، وقوله عز من قائل: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ، وقوله تباركت أسماؤه: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ. وعليه فإننا نقول: ما دام المسلم قد استأذن صاحب الدين، وما دام صاحب الدين قد طابت نفسه بالانتظار والسماح، فلا يوجد مانع شرعا للامتناع عن أداء الفريضة، والحج صحيح إن شاء الله تعالى، مع التكرم بالدعاء لمن أعانك على دينك، ويسر لك الأسباب لشد الرحال. والله أعلم