توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في كلمة توجيهية للحجاج الميامين
نشر في التجديد يوم 21 - 12 - 2005

وزعت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية شريطا سمعيا لتوجيه حجاجنا الميامين لأداء مناسكهم. وفي هذه الكلمة التوجيهية، قدم الدكتور محمد عز الدين توفيق، خطيب مسجد عقبة بن نافع بالدار البيضاء، إرشادات فقهية وتربوية للحجاج المغاربة وبين فيها شروط الحج المبرور وبعض المحاذير التي يجب تفاديها في أداء هذه الشعيرة الهامة في حياة المسلمين.
الشرط الثالث: الخلو من الإثم
أيها الحاج الكريم، أيتها الحاجة الفاضلة: أما الشرط الثالث من شروط الحج المبرور فهو أن يكون خاليا من الإثم بأي وجه من الوجوه، حتى لا تزاحم هذه الآثام ما فعله من عبادات ومناسك وذكر.
لا مكان في هذه العبادة للفسوق ولا مكان فيها للجدال ولا للرفث، قال الله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقوني ياأولي الألباب). والله سبحانه وتعالى الذي فرض الحج عندما نهى الحاج عن الرفث والفسوق والجدال فلكي يصون حجه، فلا يضيع منه ثوابه.
إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون من المفلس؟. قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال عليه الصلاة والسلام: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج وصدقة وبر، ويأتي وقد ضرب هذا وشتم هذا وأكل من مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته أخذت من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار.
فيا أيها الحاج الكريم، إنك معرض أن تكون من هؤلاء المفلسين الذين يقعون في الاعتداء على الأنفس والأعراض والأموال، فتضيع منك حسناتك، ويذهب ثواب حجك، فعندما تضرب بغير حق وعندما تسب وتشتم، وعندما تزني وتغتاب، وعندما تسرق وتغصب، وعندما تأخذ مالا ليس لك، فإنك تضيع ثواب حجك، لأن هذه مظالم وحقوق سيأخذ أصحابها حسناتك عوضا عن حقوقهم ومظالمهم.
إنك ستحتك في الحج بأنواع من الناس فيهم الحجاج وفيهم البعثة الإدارية والعلمية والصحية التي تكون معك وفيهم المسؤولون عن الحج من تلك البلاد، ومنهم سكان تلك البلاد، التجار والمسؤولون عن العمارات والمساكن، فانتبه. فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه. وقال صلى الله عليه وسلم: المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه، وقال في حجة الوداع: ياأيها الناس إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا هل بلغت؟.
من حسن الخلق في الحج
ومن حسن الخلق في هذه الرحلة المباركة أن تعطي الأسبقية للنساء والعجزة في الحافلة والطريق وفي المطاف وفي المسعى، وإذا استطعت أن تعين تائها فأعنه، وإذا استطعت أن تسعف جريحا أو ضعيفا أو مريضا، فلا تبخل إذا كنت قادرا على تقديم المساعدة.
لا تروع مسلما ولا تحمل في الزحام ما يؤذي الناس، كن سهلا لين الجانب كما كان النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان في سفره وفي صحبته وفي عشرته خير الناس، هذا الحج مدرسة، والتلاميذ في كل مدرسة بين متفوق ومتوسط وضعيف.
إن في الحج فوائد، ولكن لا يعود الحاج بهذه الفوائد إلا إذا كان حريصا، وإذا كان السفر يكشف عن معادن الرجال، فليكشف سفر الحج عن معدنك النفيس، ويبرهن أن معدنك ليس من النوع الرخيص.
إن الله تعالى يقول عن بلده الحرام عن مسجده الحرام وعن بيته الحرام :(ومن دخله كان آمنا)، فلا تعاند إرادة الله تعالى، واحرص على سلامة غيرك مثلما تحب أن يحرص الغير على سلامتك، اتبع التعليمات سواء تلك الآتية من المكلفين بك والمسؤولين عنك، أو تأتي من المسؤولين في تلك البلاد.
لا حرج أن تطلب حقك، ولكن اطلبه برفق ولا تطلبه بعنف، وإذا كان هذا الحق هينا يسيرا، فتسامح فيه، وكن مؤثرا لأخيك، وإذا كان غيرك أحق منك فانصفه واعدل معه.
حسن خلقك في مطار بلدك وعلى متن الطائرة وعند الوصول وفي الفندق وفي المسجد وفي السوق وفي مكة وفي منى وفي عرفات ومزدلفة والمدينة المنورة وفي كل مكان.
راقب نفسك وحاسبها باستمرار، فهذا العدو الذي يريد أن يفسد عليك حجك أو يضعف أجرك فادفعه، واسمع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، قال: إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم، فقد يحتقر الحاج جدالا أو مراء أو يحتقر كل ما لا يلقي له بالا، فيسب أو يقذف أو يغتاب، يحقر في عينيه شيئا يقوله أو يفعله، والشيطان فرح بذلك مسرور به، فاحذروه على دينكم واسمعوا قوله صلى الله عليه وسلم :إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم، فتأمل هذا الكلام النبوي، إنك أتيت تريد بهذه المناسك وجه الله تعالى، فالشيطان عندما عجز أن يمنعك فإنه يحرش بينك وبين أخيك، وإن أكثر ما تفعله الشياطين في هذا الموطن هو التحريش بين المؤمنين. قال تعالى: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم).
إنها أيام معدودات
اذكر أيها الحاج أنها أيام معدودات وأيام قلائل، وبقليل من الصبر تنتصر بعون الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حج فمن لم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه . وقال الله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج). فكيف تصل إلى الذي ظلمته وقد اتجه إلى بلده، واتجهت إلى بلدك؟
ومن أجل ذلك كن متسامحا، فأخلاقك هي التي ستزين حجك، وتصون ثوابك، إنك تمثل بلادك، إنك تمثل إسلامك، فاذكر قوله تعالى:(إنما المومنون إخوة)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: مثل المومنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
لا تنس أنك في جهاد
لا تنس أنك في جهاد من أول السفر إلى آخره، فالحج جهاد غيرأنه لا سلاح فيه ولا قتال، وعندما يكون المسلم في جهاد فإنه لا يكثر من شروط الترفه، فإنه لا يصرخ ولا يتفوه بسوء، وإذا طالب بحقه طالب به برفق وهدوء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، فاملك نفسك عند الغضب، فإنما هو طعام دون طعام، وسكن دون سكن، وأيام قلائل، وإياك أن تزدري نعمة الله عليك، واذكر من هم دونك من الحجاج، وإذا كانت لك رفقة فأحسن صحبتها، وإذا كان لك أمير فأطعه واسمع له، فإن طاعته في المعروف من طاعة الله ورسوله.
وإن من حسن الخلق في هذا السفر أن تعتمد على نفسك، فلا تكثر سؤال الناس فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس، وقد تحتاج إلى أخيك فلا حرج أن تستعين به، ولكن اعتمد على نفسك ولا تسأل إلا عند الحاجة، حتى تعتمد على نفسك. ولا تكثر من سؤال الناس فخذ ما تحتاجه من لباس ونفقة ونقود. وعندما تكون هناك، فتصرف في ما لديك من مال وزاد برشد حتى لا تستعجل بإنفاق ما في يدك، وتشتغل بشراء الهدايا في الأيام الأولى، ثم لا تجد ما تنفقه على نفسك وما تنفقه لشراء هديك أو الركوب والانتقال، فحضر قبل أن تسافر لوازم السفر، إذا كان الشيء ضروريا فلا تتركه، وإذا لم يكن ضروريا ولا تحتاجه فلا تثقل به نفسك، فإن من الحجاج من يثقل نفسه بلباس زائد وطعام زائد وأوان زائدة، ومنهم من يغفل عن أخذ ما هو في حاجة إليه. فما تحتاجه فخذه، وما لا تحتاجه فاتركه وهذا يعينك في الاعتماد على نفسك، ويجنبك كثرة سؤال الناس.
فضل المدينة مثل فضل البلد الحرام
أيها الحاج الكريم، أيتها الحاجة الكريمة، سواء كانت زيارتك للمدينة المنورة قبل الحج أو بعده، فإن لهذه المدينة حرمة مثلما لمكة، ولها فضل مثلما للبلد الحرام، فهي مدينة نبينا صلى الله عليه وسلم، وهي مهبط الوحي، وهي ملتقى المهاجرين والأنصار، وهي موطن الذين تبوؤوا الدار والإيمان، وهي دار الهجرة وفيها قبر الرسول عليه الصلاة والسلام. إنها أفضل بقاع الأرض بعد مكة، وهي حرم آمن مثلها، فإبراهيم عليه السلام حرم مكة المكرمة، ونبينا صلى الله عليه سلم حرم المدينة المنورة.
وزيارتها ليست من مناسك الحج، ولكنها زيارة مشروعة، فالصلاة في المسجد النبوي أفضل من ألف صلاة في ما سواه إلا المسجد الحرام، فإذا أكرمك الله تبارك وتعالى واتجهت لزيارتها، فاحرص أثناء مقامك على مسجدين وثلاثة مقابر؛ أما المسجدان فهما المسجد النبوي ومسجد قباء، وأما المقابر: فالحجرة النبوية ومقبرة البقيع ومقبرة شهداء أحد، فإذا وصلت المدينة المنورة وعرفت مسكنك، واسترحت قليلا، فاتجه إلى المسجد، وصل تحية المسجد أو فريضة من الفرائض، واتجه إلى الحجرة الشريفة.
وإذا كنت أمام القبر الشريف، فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقل: السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يارسول الله ورحمة الله وبركاته، أشهد أنك أديت الأمانة وبلغت الرسالة ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده حتى أتاك اليقين وجزاك الله خيرا عنا وعن هذه الأمة خير ما جزى به نبيا عن أمته ورسولا عن قومه. تقول هذا أو غيره، فالمهم أن تكون زيارتك للمسجد وزيارتك للحجرة زيارة شرعية خالية من البدع والمحدثات، فإنه صلى الله عليه وسلم علمنا كيف نزور المقابر، ما نقول وما نفعل، وإذا فرغت من السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم على أبي بكر الصديق وسلم على عمر بن الخطاب، الخليفتين الراشدين والشيخين الجليلين رضي الله عنهما وأرضاهما، وادع لهما كما دعوت للنبي صلى الله عليه وسلم.
إنما يستغاث بالله تعالى
إياك أن تستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإياك أن تدعوه من دون الله تعالى، أو تسأله من الحاجات ما يسأل من الله عز وجل. قال صلى الله عليه وسلم:إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله تعالى، وقال في وصيته لعبد الله بن عباس رضي الله عنه: إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله. إنه سبحانه وتعالى يقول: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم).
ولا ترفع صوتك في المسجد النبوي، ولا ترفع صوتك أمام الحجرة، فقد وجب له صلى الله عليه وسلم بعد مماته ما وجب له في حياته. قال تعالى: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم).
أيها الحاج الكريم، أيتها الحاجة الكريمة، كان ذلك الشرط الثالث للحج المبرور وهو أن يكون خاليا من الإثم.
وبقي الشرط الرابع وهو أن يكون هذا الحج من نفقة طيبة.
الشرط الرابع:
أن يكون من نفقة طيبة
إن الحج عبادة بدنية ومالية، لا يؤدى في نفس البلد كما الشأن بالنسبة للصلاة، ولكنه يؤدى بمكة وبالمشاعر حولها، وهذا يحتاج إلى مال. لذلك جعله الله تعالى مشروطا بالاستطاعة، والاستطاعة هي صحة البدن ووفرة المال اللازم للسفر، فلا يجوز أن يحج بالمال الحرام، لأن الحج عبادة، والله تعالى لا يمحو السيئة بالسيئة، لكنه يمحو السيئة بالحسنة: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، فيكون المال الذي يحج به الحاج نفقة طيبة خالية من الحرام والشبهة.
وإن مما يجب على الحاج فعله قبل سفره، إذا كانت عليه ديون أن يردها إلى أصحابها، وإذا كان لا يقدر فإنه يكلمهم ويطلب منهم التأجيل، ويخبرهم عن سفره، فإذا عاد من حجه أدى ما لهم عليه، ويخبرهم بالذي سينوب عنه في تسديد ديونه إذا توفاه الله تعالى، ويكتب ذلك في وصيته، أو يعهد بذلك إلى بعض أقاربه أو أصدقائه حتى يعلم ديونه، فإذا عاد سددها، وإذا قدر الله تعالى عليه الوفاة علم أصحابه بمبالغ ديونه، فنابوا عنه في إيصالها إلى مستحقيها.
الحج لا يحلل الحرام
ليعلم الحاج أن الحج ليس وسيلة لتبييض الأموال حتى يظن أنه إذا ولغ في الأموال واختلسها وأخذها بغير وجهها سرقة أو رشوة أو نهبا أو ربا أو غير ذلك، أنه إذا حج يمحو الحج عنه ما فعل، وتصير تلك الأموال المحرمة محللة في يده بالحج، فإن الله تبارك وتعالى طيب لا يقبل إلا طيبا.
ومن تمام حجته، أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى ولا تستكمل التوبة شروطها حتى يندم على ما فات، ويقلع عما كان يفعل مما حرم الله عليه، وأن يعزم في المستقبل ألا يعود. وإذا تعلقت التوبة بحقوق الناس، عليه أن يرد الحقوق إلى أصحابها.
أنت مأجور إن شاء الله
أيها الحاج الكريم، أيتها الحاجة الفاضلة هذه هي الشروط الأربعة للحج المبرور: أن يكون خالصا لله تعالى، وأن يكون تاما غير منقوص، وأن يكون خاليا من الإثم، وأن يكون بنفقة طيبة، فإذا كان حجك هكذا، فإن ما أصابك منه من ظمإ أو نصب أو جوع، وكل خطوة تخطوها وكل نفقة تنفقها، وكل واد تقطعه فهو مكتوب لك، فلا تكثر الشكاية، ولا تتكلم بعد العودة بما ينفر الناس، بل ما رأيت من خير فانشره، وما رأيت من سوء فاستره، فإنك مأجور على كل ما مر بك، مثاب على كل ما أصابك.
في ضيافة الرحمان
أيها الحاج، أيتها الحاجة،إنك في ضيافة الرحمان، فتوكل على الله، وامض في هذه العبادة، ولا تخف إلا من الله عز وجل، ولا تسمع للكلام الذي يرعب قلبك ويخيف نفسك، فإن الله تعالى أخبرنا أن ابراهيم عليه السلام بنى هذا البيت ودعا، ودعوته مستجابة إلى يوم القيامة، وقد أتى عليه السلام بزوجته هاجر ومعها ابنها إسماعيل وتركهما بمكة، وليس بمكة يومها أحد، وكان عندها طعام قليل وماء قليل، وعندما سألته: ألله أمرك بهذا؟. قال: نعم. قالت: إذن، لا يضيعنا الله.
فتأمل كلام هذه المؤمنة الصالحة تقول هذا، وليس بمكة أحد، معها زاد قليل وماء قليل. وعندما نفد زادها وماؤها أتى الملَك، وضرب بطرف جناحه الأرض، فخرج ماء زمزم فشربت وأرضعت وأتى الناس في ما بعد، وسكنوا، وصارت مكة آهلة بعد أن كانت خالية. فإذا هاجر تقول:إن الله لا يضيعنا، ومكة خالية، فماذا يقول الحاج ومكة بحمد الله تعالى آهلة وفيها من وسائل الراحة ما فيها، وفيها ما يحتاجه الحجاج في الطعام والشراب واللباس والدواء والسكن. وعاما بعد عام، تتحسن الخدمات، وكل ذلك من دعوة هذا النبي الكريم: (ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون).
عند الرجوع
أيها الحاج الكريم، أيتها الحاجة الكريمة:عندما ترجع إلى بلدك، وتعود إلى ديارك فتشبث بهذه التوبة ما استطعت، فإن من علامات الحج المبرور أن يكون حال الحاج بعد الرجوع أحسن منه قبله، وذلك من أمارات القبول.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل حجك مبرورا وسعيك مشكورا وذنبك مغفورا، وأن تذهب وتعود سالما غانما، وألا يكون حجك آخر عهدك بهذه البقاع المقدسة، وهذه الأودية المباركة.
وأسأل الله تعالى أن يحفظ حجاجنا في سفرهم وإقامتهم في ذهابهم وإيابهم، إن الله تبارك وتعالى سميع قريب مجيب.
لبيك اللهم لبيك
حين وقف إبراهيم عليه السلام في مكان مقفرلا ماء فيه ولا زرع، لم يكن ليسمعه أحد. لكن الله أمره أن يرفع القواعد من البيت مما يعني أن البيت كان موجودا من قبل وقد حج إليه آدم عليه السلام، وعليه فالبيت وضعه الله وإبراهيم مع إسماعيل رفعا القواعد فقط ليرتفع بناء البيت، ولما فرغا من البناء أمره أي إبراهيم أن يؤذن بالحج، لم يسأل إبراهيم ربه بعدم وجود من يسمعه، بل أسرع بتنفيذ الأمر الإلهي، فعليه التنفيذ وعلى الله البلاغ:(وأذن بالناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامرياتين من كل فج عميق)، وهكذا وصل النداء إلى كل أرواح المؤمنينن وهم في أصلاب أجدادهم حتى قبل ولادتهم، لذلك حين نصل إلى الميقات في طريقنا تنطلق الحناجر: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك و الملك لا شريك لك، استجابة لهذا النداء الإبراهيمي الخالد ومعناه: ها نحن قادمون إليك وحدك يارب، تاركين وراءنا كل شيء: الأهل والأولاد والوطن والأموال متجردين من كل شيء إلا من إيمان صادق وخرقة ثوب بيضاء غيرمخيطة، فلك الحمد ولك الشكرعلى ما يسرت لنا من حج وما رزقتنا من صحة ومال حلال، يمكناننا من أداء هذه الفريضة، فأنت وحدك لا
شريك لك من وفقتنا لهذا، فلك الحمد على ما أنعمت علينا ولك الحمد على ما ستنعمه علينا بعد الحج.. .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.