وزعت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية شريطا سمعيا لتوجيه حجاجنا الميامين لأداء مناسكهم. وفي هذه الكلمة التوجيهية، قدم الدكتور محمد عز الدين توفيق، خطيب مسجد عقبة بن نافع بالدار البيضاء، إرشادات فقهية وتربوية للحجاج المغاربة وبين فيها شروط الحج المبرور وبعض المحاذير التي يجب تفاديها في أداء هذه الشعيرة الهامة في حياة المسلمين. يوم التروية أيها الحاج الكريم، أيتها الحاجة الكريمة: إذا فرغت من مناسك العمرة، وكنت متمتعا بالعمرة إلى الحج فانتظر حتى يأتي اليوم الثامن من ذي الحجة، فإذا كان هذا اليوم أحرمت من جديد بالحج، فتغتسل بالمكان الذي أنت نازل فيه بمكة، وتأتي بسنن الإحرام، وتقول: لبيك اللهم بحجة، وكنت عندما أحرمت بالعمرة قلت:لبيك اللهم بعمرة، ثم عندما تخرج وتركب في الحافلة، التي ستقلك إلى منى تشرع في التلبية، وتذهب بعون الله تبارك وتعالى إلى منى في اليوم الثامن. وهذا اليوم يسمى بيوم التروية، وعندما تصل إلى منى تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، تصلي كل صلاة في وقتها، لكنك تصلي الرباعية ركعتين، وتبيت مع الحجاج في منى. يوم عرفة فإذا صليت الصبح فهذا اليوم التاسع، تذكرالله تبارك وتعالى حتى يحين موعد ذهابك مع الحجاج إلى عرفات، فعندما ينادى عليك بالذهاب تسير في سكون وهدوء تلبي وتذكر الله تبارك وتعالى، أو تقرأ القرآن الكريم أو تستغفره سبحانه أو تصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا اليوم يوم عظيم يجتمع فيه الحجاج في صعيد واحد، والوقوف هناك هو الركن الأعظم في الحج، قال النبي صلى الله عليه وسلم: الحج عرفة، فتصلي الظهر والعصر جمع تقديم حتى تتفرغ للدعاء والذكر في هذا المساء، وعرفات كلها موقف. وهناك علامات ترشد الحجاج إلى حدود عرفة من جهاتها المختلفة، فعندما تصل إلى مكانك وخيمتك فاستفد من وقتك واتجه إلى ربك، وكن خاشعا متذللا مجتهدا في الدعاء لنفسك ولأهلك، ولكل من سألك الدعاء في هذا المقام العظيم، وادع لأمير المؤمنين ولأوليائه وأعوانه، ليكن دعاؤك لنفسك ولعامة المسلمين. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا أو أمة من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ماذا أراد هؤلاء؟. عرفات كلها موقف فإذا تيسر لك أيها الحاج أن تصلي في مسجد نمرة، فإنك ستشهد الصلاة مع الإمام، وتصلي الظهر والعصر جمعا وقصرا، وستسمع منه خطبة. أما إذا كنت في الخيمة وتعذر عليك الذهاب للمسجد فإنك تصلي مع جماعتك، وإذا تيسر سماع خطبة الإمام عن طريق المذياع فهذا حسن، لأنها موعظة يذكر فيها الإمام بمناسك الحج، ويذكر بحرمة البلد الحرام والشهر الحرام، ويذكر بعظمة هذا اليوم، وإذا لم يتيسر سماعها فيمكنك أن تستمع إلى موعظة يلقيها بعض أهل العلم بخيمتك، وإلا فانصرف إلى ذكرالله تبارك وتعالى ودعائه. الوقوف بجبل الرحمة ليس بسنة وليكن وقتك في هذا المساء ذكرا ودعاء، لا تشتغل بغير ذلك، ولا تستعجل بالانصراف حتى تغرب الشمس، ولا تنصرف حتى يدخل جزء من الليل، وسترى الحجاج في هذا المساء يتزاحمون على جبل من جبال عرفة يسمى جبل الرحمة، وتراهم يصعدون عليه حتى يبلغوا قمته، وفي ذلك مشقة وعسر، فاعلم أن هذا ليس من السنة، والله تعالى لم يكلفهم ذلك، وهذا الجبل لا يتسع لهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عند صخرات وقال: وقفت هاهنا وعرفات كلها موقف. وكذلك سترى كثيرا من الحجاج يكثر في السير في طرقات عرفة، ولا يكاد يقف ليذكر ربه ويدعوه، فلا تفعل ذلك. بل إذا احتجت إلى السير لقضاء حاجة فلا بأس، ولكن اجلس أو قف حتى تشتغل بذكر الله تعالى ودعائه والتضرع إليه، ولا تكثر من النوافل في هذا المساء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر ولم يصل قبلهما ولا بعدهما شيئا. وإذا كنت تدعو فاستقبل القبلة، ولا تستقبل جبل الرحمة، فإن الله تعالى يباهي بالحجاج ملائكته، ويدنو سبحانه دنوا يليق بجلاله، فلا يخيب سائلا يسأله في هذا اليوم، ولا يزال الحاج في عرفة داعيا متضرعا ذاكرا ، حتى تغرب الشمس ويدخل جزء من الليل. في مزدلفة بعد ذلك يسير إلى مزدلفة، فإذا وصل إلى المزدلفة فليصل بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا، ويبيت الليلة هناك حتى يصلي الفجر، ويجوز للنساء والأطفال والضعفاء ومن يرافقهم ومن يخدمهم، يجوز لهؤلاء أن ينصرفوا إلى منى بعد منتصف الليل، فإذا صليت الفجر في المزدلفة فقف عند المشعر الحرام واستقبل القبلة، وأكثر من ذكر الله تبارك وتعالى ودعائه. فإذا ذكرت الله تبارك وتعالى عند المشعر الحرام، فانصرف إلى منى قبل طلوع الشمس. والمبيت بمزدلفة سنة ليست بواجب في مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى، والواجب عنده هو النزول لبعض الوقت قبل أن يواصل الحاج سيره إلى منى. وبالنظر إلى أن هدي الإسلام هو رفع الحرج عن الحجاج والتيسير عليهم، فإن الحاج إذا خاف فوات الرفقة أو شق عليه المبيت بصورة أو أخرى فنزل إلى منى ولم يبت بمزدلفة، فلا شيء عليه إن شاء الله تعالى. وأما الحصيات فإذا تيسر لك التقاطها في مزدلفة فذاك، وإذا لم يتيسر أخذتها في منى، فإذا اتجهت من مزدلفة إلى منى فلا تفتر عن التلبية. أعمال يوم النحر وهذا يومك العاشر، وهو يوم النحر(يوم عيد الأضحى)، وأعمال اليوم أربعة، كيفما رتبتها فلا حرج عليك: الرمي والذبح والحلق والطواف. فإن استطعت أن ترتبها، كما رتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك أفضل. وإذا لم تستطع أتيت بها كما تيسر، فإنه صلى الله عليه وسلم ما سئل في هذا اليوم عن ترتيب إلا قال: افعل ولا حرج. العمل الأول: رمي الجمرات تبدأ بجمرة العقبة الكبرى، فترميها بسبعة حصيات، تكبر مع كل حصاة حتى تتم سبعا، لا تجعلها أقل أو أكثر، وهذه الحصيات تختارها صغيرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغلو في الدين، وأمر أن تكون الحصيات التي يرمى بها صغيرة تكون في حجم حبة الحمص ونحو ذلك، وما يفعله بعض الحجاج عندما يرمون في حالة من التشنج والانفعال والعصبية ويرمون النعال والمظلات والأعواد، فكل ذلك خلاف السنة. إنك تأتي جمرة العقبة يوم العيد هادئا خاشعا، وترمي في هدوء لأنك تذكرالله تبارك وتعالى، ولا يغيظ الشيطان أكثر من أن يرى المسلمين يرمون الجمرة في نظام وهدوء وتعاون وتراحم وتعاطف. وما يغيظ الشيطان هو أن تذكر الله تبارك وتعالى وتنصرف سالما هادئا ساكنا لم تؤذِ ولم تؤذَ. وأما إذا كنت عنيفا شديدا، فإنك ستؤذي الناس، وهذا لا يجوز، فلا تكن أنانيا تشتد على من حولك وتخترق الصفوف بالقوة، وتستعمل قوتك في إيذاء كبار السن والضعفاء، وكثير من المآسي التي وقعت عند رمي الجمرات كانت بسبب أخطاء بعض الحجاج. إن هذا الموطن موطن يمتحن فيه صبرك وأخلاقك، فلا تتجاهل من حولك من الحجاج عندما ترمي جمرتك، فتدوس على أقدامهم أو تدفع في صدورهم أو ظهورهم أو لا قدر الله تمشي على أبدانهم، واليوم بحمد الله تمت توسعة الطرق الموصلة إلى الجمرات، وبني جدار طويل في كل جمرة يسمح للحجاج برمي الجمرات بيسر وسهولة. ويمكنك أن تزور المكان قبل أن يصل موعد الرمي حتى يزول عنك الجهل والخوف، وحتى تعرف ما ستفعل بعون الله تعالى في يوم النحر وفي أيام التشريق. وعندما تصل إلى الجمرة تتقدم وتقترب من الحوض، وترمي الحصيات وتكبر معها، ثم تنصرف راشدا بإذن الله تبارك وتعالى، ولا ترمي الحصيات دفعة واحدة، فإن رميها دفعة واحدة يعد رمية واحدة. العمل الثاني: ذبح الهدي أما العمل الثاني من أعمال هذا اليوم فهو ذبح الهدي، فإذا كنت اشتريت توصيلا توكل فيه إحدى الشركات أن تنوب عنك في ذبح هديك فقد استغنيت بذلك، ولا يلزمك البحث عن هذه الشركة والسؤال عن المكان الذي تذبح فيه الهدي فإنك عندما سددت المبلغ فقد وكلتها وما بيدك هو الدليل أو التوصيل، وهذه الشركات مرخص لها من السلطات ومعترف بها، وهناك فتوى شرعية من تلك البلاد تجيز لهم القيام بهذه الوكالة، ولذلك لا تشتري إلا الوصل الذي تجد عليه ختما، ويجري الإشهار له بشكل علني، وأما غير ذلك فلا، لأنه قد تشتري وصلا غير معترف به، أو يأتيك من يقول لك أنوب عنك، ولا تدري هل يقوم بذلك أم لا يقوم به. العمل الثالث: الحلق أو التقصير والعمل الثالث في يوم العيد هو الحلق أو التقصير، فإذا رميت وذبحت وحلقت فقد تحللت التحلل الأصغر فيباح لك ما كان ممنوعا عليك إلا النساء، فلا يجوز لك جماع أهلك حتى تطوف بالبيت. العمل الرابع: طواف الإفاضة والعمل الرابع لا يكون بمنى، فلا بد من النزول إلى مكة، ونعني بطواف الإفاضة: أن تذهب إلى مكة من أجل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، وهذا ركن آخر من أركان الحج. وتأتي بطواف الإفاضة بنفس هيئة طواف العمرة، ولكن لا تكشف كتفك الأيمن ولا ترمل ولا تسرع، بل تطوف ماشيا وتصلي ركعتين خلف المقام، وتسعى بين الصفا والمروة، وهذا السعي لا بد منه في منسك التمتع. ويمكنك تأخير الطواف حتى تمر أيام التشريق وتنزل إلى مكة مرة واحدة، وهذا والحمد لله يجوز لأن الركن الذي لا يؤخر في الحج هو الوقوف بعرفة، وأما بقية المناسك فإذا لم يأت بها الحاج في وقت أتى بها في وقت آخر. ولهذا إذا قرر الحاج البقاء في منى حتى يمر العيد وأيام التشريق، ثم ينزل إلى مكة فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، فهو طواف صحيح، ووقت الطواف يستمر إلى آخر شهر ذي الحجة. وهذه هي أعمال يوم النحر: الرمي والذبح والحلق والطواف، فإذا أتى بهذه الأعمال تحلل التحلل الأكبر، ويلبس لباسه المعتاد وما كان ممنوعا عنه يجوز له بما في ذلك إتيان أهله. أعمال أيام التشريق أما اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وهي أيام التشريق التي تلي يوم العيد، فهذه الأيام يبيت فيها الحاج بمنى وينتظر كل يومٍ الزوالَ فإذا صلى الظهر يتجه إلى الجمرات فيرميها بعون الله تبارك وتعالى: الصغرى فالوسطى فالكبرى، ووقت الرمي متسع، فلا يلزمه الذهاب بعد الظهر مباشرة، بل له أن يذهب بعد الظهر، أو قبل العصر أو بعده، ويستمر وقت الرمي إلى الليل. وبهذا بحمد الله تعالى، يمكنه أن يرمي الجمرات في ظروف آمنة سالمة بعون الله تعالى. إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد للرمي نهاية ينتهي عندها، ولذلك يرمي متى تيسر له، وتوسيع وقت الرمي والحمد لله هو الذي يسمح للحاج بأن يرمي دون أن يوكل غيره، بل يختارالوقت المناسب فيذهب بنفسه، وأما إذا كان عاجزا على الرمي، فقد رخص له في التوكيل فيوكل من يرمي عنه ولا حرج، والله تعالى يقول: (ما جعل عليكم في الدين من حرج). وفي أيام التشريق يبيت فيها بمنى، ويمكنه النزول إلى مكة في النهار إذا كانت له حاجات ومصالح ثم يرجع ليدرك المبيت بمنى، وهذه الأيام هي الأيام المعدودات التي ذكرها الله تبارك وتعالى في آيات الحج، وهي أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى، قال سبحانه: (واذكروا الله في أيام معدودات، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى). سنن رمي الجمرات وها هنا سنة تتعلق برمي الجمرات، وهي الدعاء بعد رمي الجمرة الأولى والثانية، والمضي بعد رمي الجمرة الثالثة، فإذا رميت الجمرة الصغرى فاستقبل القبلة، واسأل الله تبارك وتعالى، ثم إذا رميت الجمرة الثانية فاستقبل الله تبارك وتعالى، وأما إذا رميت الجمرة الثالثة فانصرف من غير دعاء، فإن كنت تريد التعجل بعد يومين فعليك الخروج من منى قبل غروب الشمس، لأنه إذا أدركك الغروب وأنت نازل في خيمتك بمنى فعليك البقاء لليوم الثالث، وأما إذا تهيأت للنزول إلى مكة، وتأخر عليك الركوب، أو تعسر خروجك من منى حتى دخل الليل، فلا حرج عليك. طواف الوداع أيها الحاج الكريم، أيتها الحاجة الكريمة: هذه مناسك الحج، يوم التروية تبيت بمنى، ويوم عرفة تقف بها، ويوم عيد الأضحى تأتي بالأعمال الأربعة: الرمي والذبح والحلق والطواف، وأيام التشريق ترمي الجمرات بواحد وعشرين حصاة في كل يوم، فإذا عدت إلى مكة وحان موعد عودتك إلى بلدك، فعليك واجب أخير وهو طواف الوداع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت، فإذا حل موعد سفرك تجمع أمتعتك، ثم تقصد المسجد الحرام وتطوف طواف الوداع، تطوف سبعة أشواط، وتصلي بعدها ركعتين، وإذا تعذر سفرك وتأخرت زمنا طويلا، فإنك تعيد هذا الطواف، لكن إذا تأخرت قليلا فلا حرج ولا يلزمك إعادته. المعاني المكملة للحج المبرور أيها الحاج الكريم، أيتها الحاجة الفاضلة: هذه أعمال العمرة وهذه أعمال الحج، الإتيان بها على وجهها هو الشرط الثاني من شروط الحج المبرور، وهو الذي سميناه بشرط الإكمال. وقد جمع الله تعالى هذا الشرط والذي قبله في أول آية بدأت بها مناسك الحج وهي قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله)، فذكر الله تعالى الإخلاص والإتمام. ولابد هنا أن ننبه أن إتمام الحج ليس بموافقة الأعمال الظاهرة منه فحسب، بل الإتمام هو الذي أمر به صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم أتى بأعمال الحج فكانت هذه الأعمال في ظاهرها وفي باطنها متفقة مع مراد الله تبارك وتعالى بهذا المنسك العظيم. إن المعنى الذي يجمع مناسك الحج كلها هو ذكر الله تعالى وإظهار العبودية بين يديه. فقد وجد الإسلام الناس يتوجهون بهذه الشعائر لمعبودات أخرى يطوفون بها أو يقبلونها أو يتمسحون بها أو يذبحون ويحلقون لها، أو يشدون الرحال إلى أماكن يقدسونها، وفي أوقات يعظمونها، وقد يتجردون من ثيابهم المعتادة، ويتلون أنواعا من الصلوات والدعوات، وقد يشربون ماء يظنونه مباركا. أقول: جاء الإسلام فوجد الناس يتوجهون بهذه الطقوس والشعائر إلى معبودات أخرى، فألغى كل ذلك، ومنع كل حج مبتدع، وشرع الحج إلى بيته الحرام، وأذن في هذا المكان وحده بهذه الشعائر، وأمر أن تكون لله وحده، وألغى الإسلام ما أضافه أهل الجاهلية إلى الحج، وأصلح ما أفسدوا من مناسكه، كما كانت على عهد ابراهيم عليه السلام. الحج لإعلان التوحيد الخالص لله كما نهى الإسلام عن شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى. وكلها إجراءات هدفها أن يكف الناس عن اختلاق المواسم والأعياد، التي يزعمون لها فضائل، ويفعلون عندها ما يفعله الحاج عند البيت الحرام. فالحج لإقامة ذكر الله، والحج لإعلان توحيد الله، والحج لإظهار العبودية لله، هذا هو المعنى العام الذي ينفخ الروح في مناسك الحج، ويربطها إلى الحكمة الجامعة هي البراءة من الشرك وإعلان التوحيد، فالله تعالى هو المعبود بحق، فهو الخالق وحده وهو الرازق وحده، وهو المعبود وحده ولا معبود بحق سواه. الحج تجرد لله وعندما يلبس الحاج إزارا ورداء ويتجرد من المخيط والمحيط، فإنه يتجرد لله وينقطع إليه، يودع الشواغل التي تشغله عن ذكره، ويتذكر بها الإحرام قبره وبعثه فيدنو منه أجله، ويزداد شعورا بالغربة، فإنه بعيد عن أهله ووطنه، فيذكر وهو محرم لقاء الله تعالى عندما يقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا(غير مختونين)، ثم إن دخول الحاج إلى الحرم ونزوله إلى المسجد وطوافه بالبيت، وهو على تلك الهيئة أشعث أغبر، ومكشوف الرأس، عليه ثوبان أبيضان يشد أحدهما إلى نصف الأسفل، ويلقي الثاني على شقه الأعلى، إن دخوله على هذه الهيئة، يُنشئ في قلبه الشعور بهيبة البيت وهيبة المكان، ويُنشئ في قلبه شعورا آخر بعظمة الله تعالى الذي أمر إبراهيم فنادى، فكان هذا الجمع الغفير الذي يشاركه الحج في هذا العام. إن الإحرام كما يكسو جسد الحاج بالبياض، يجلل روحه ببياض آخر ويخرجها من الظلمات، فيجد الحاج نفسه في طهر وسمو واقتراب وانطلاق. ليس لمناسك الحج ظاهر فحسب، بل لها ظواهر وأسرار، لها أشكال ولها معاني. وإتمام الحج يكون بأداء المناسك في ظاهرها، ويكون في الاجتهاد في استحضار فقهها ومعناها وتمثل مضامينها وأسرارها.