بعد أن أنذر منذ عدة أيام بخطورة مغامرة، بل بالفوضى في حالة فشل مهمته، اضطر يوم الجمعة ثالث شتنبر الجاري السيد إيليو دي ريبيو، رئيس الحزب الاشتراكي الفرونكوفوني ببلجيكا والمكلف بتشكيل الحكومة الفدرالية، إلى وضع استقالته بين يدي رئيس الدولة، الملك آلبيرت الثاني. هذا الأخير أشار إلى أنه سيُبقِي قراره معلقا إلى حين، ولكن في النهاية؛ الأمر لا يُبقِي مجالا كبيرا للشك: فبعد استشارته لمسؤولي الأحزاب؛ من المتوقع أن يصادق الملك على فشل الزعيم الفرنوكوفوني. وبعد مضي ما يقارب الثلاثة أشهر عن الانتخابات التشريعية، تكون العودة إلى نقطة البداية بالنسبة لبلجيكا؛ التي تغرق أكثر فأكثر في داخل أزمة سياسية-مؤسسية لم تغادرها منذ .2007 وهذا الفشل الجديد للمفاوضات بين الفلامانيين والفرونكوفونيين يعيد الحياة إلى طيف تقسيم البلد. في مساء يوم الجمعة ثالث شتنبر لم يستبعد السيد إيليو دي ريبيو الأمر صراحة. وفي صبيحة نفس اليوم، تساءل واحد من رجال حزبه الأقوياء، هو نائب الوزير الأول الأسبق فيليب مورو، حول ما إذا كان سيلزم في يوم ما الجلوس إلى الطاولة لإثارة المسألة. بينما صرح السيد إيليو دي ريبيو أمام مجموعة من الصحافيين بالقول: أتمنى أن نبقى قادرين على الاستمرار في العيش مجتمعين في سلم ورخاء. واعتبر أنه من الضروري توقع احتمالية جميع الأوضاع؛، والدفاع عن التماسك والتلاحم بين بروكسيل ووالونيا، غير أنه أضاف مؤكدا: +لا أتمنى نهاية بلجيكا، ولهذا يجب متابعة الحوار في إطار الاحترام المتبادل؛. يُعتبر بارت دي ويفر، زعيم الحزب الانفصالي الفلاماني التحالف الفلاماني الجديد (NVA)، والفائز في الانتخابات الأخيرة بشمال بلجيكا، المسؤول الأول عن فشل المفاوضات. مع أن حزبه، إذا صدق القول، - الذي جعل زوال دولة بلجيكا على رأس برنامجه الانتخابي- ينوي، هو أيضا العودة إلى استئناف المفاوضات. وإذا كان تكتل فلامس بيلانغ (يمبن متطرف، كاره للأجانب) طالب مجددا بتقسيم بلجيكا، فإن التحالف الفلاماني الجديد (NVA)، قد صرح من جهته لوسائل الإعلام الفرونكوفونية بالآتي: +ليس هناك ما يدعو للخوف من حدوث ثورة؛، +ربما نحن في البلد الأكثر تعقيدا في أوروبا، والتوافق في داخله أمر صعب، غير أنه ليس مستحيلا؛. اختلاف في الشكل الواقع أن السيد دي ويفر ظل، منذ عدة أيام، يرفض متابعة المفاوضات التي تجمع سبعة أحزاب وتهدف إلى إخراج البلاد من الورطة التي تزداد اندحارا فيها؛ بسبب عدم القدرة على التوصل إلى أي اتفاق بين الناطقين بالهولندية والناطقين بالفرنسية، حول عدة أمور، من بينها مصير بروكسيل، ثالث أكبر جهات البلاد، وحقوق الفرانكفونيين الذين يعيشون في المناطق الفلامانية بضواحي العاصمة. في يوم الجمعة ثالث شتنبر؛ تقدم السيد بارت دي ويفر بمقترح أخير رفضه التحالف الفلاماني الجديد (NVA)؛ فبالنسبة لهذا الحزب، فإنه لا مجال لقبول أي تمويل جديد لبروكسيلالمدينة- الإقليم، ذات الأغلبية الفرانكفونية جدا، والتي تعرف صعوبات اقتصادية كبيرة، لامجال - حسب تعبيره - ل+شيك على بياض؛، رغم أن السيد بارت دي ويفر خفض مطلبه إلى النصف: 250 مليون أورو، عوض 500 مليون أورو. ولامجال في الأخير، حسب قول زعيم التحالف الفلاماني الجديد (NVA)؛ للاتكتفاء ب +الوعود؛ فيما يخص مراجعة قانون التمويل، الذي يبقى آلية معقدة تنظم تحويلات الأموال من الدولة الفيدرالية إلى الجهات. فالسيد دي ويفر يتخوف من كون الفرانكفونيين يسعون إلى جعل هذه الآلية أكثر +شفافية؛، ومن أن يقبلوا ب تحميل المسئولية للجهات، بإجبارها على تقديم تقارير عن طريقة تدبير ميزانياتها. وفيما بين سطور هذا النقاش، هناك مسألة +استرداد الحق؛، التي طالب بها الزعماء الفلامانيون، الذين يرون بأن منطقة الفلاندر أعطت للدولة الفيدرالية الكثير، دون أن تأخذ مقابلاً بالقدر الكافي. وهناك ما هو أعمق من هذا بكثير، وهو الاختلاف بين التحالف الفلاماني الجديد (NVA) مدعوما من طرف الديمقراطيين- المسيحيين من جهة، والأحزاب الفرانكفونية من جهة أخرى، حول صيغة المفاوضات نفسها: فالسيد بارت دي ويفر، يطالب بمحادثات وجها لوجه مع السيد دي ريفو، وهو المطلب الذي تتخفى وراءه صورة تبدو واضحة إلى حد كبير للهدف النهائي، الذي يسعى إليه الانفصاليون: بلجيكا كونفيدرالية عوض بلجيكا الفدرالية الحالية، يسيرها الفلامانيون كأغلبية والوالون كأقلية، فيما تخضع بروكسيل عاصمة بلجيكا لتسيير مشترك. وفي انتظار القرارات المرتقبة للملك آلبيرت الثاني، يبقى الرأي العام حائرا بسبب هذه الأزمة الجديدة، متسائلا عن سبل الخروج منها. فالواجب الآني والملح يبقى هو إيجاد مسؤولين قادرين على مخاطبة الطائفتين معا، وإذا اقتضى الأمر؛ تشكيل تحالف يتوفر على أغلبية كافية (ثلثي الأصوات في غرفتي البرلمان) لتبني تعديل دستوري. والمشكل الآني للملك يبقى في كيفية العثور على هذه الطيور النادرة. جون- بيير ستروبانت، يومية لوموند الباريسية، عدد الأحد 5 شتنبر,2010