يسترجع علال الفاسي بعض المحطات من تاريخ المغرب لتعزيز أطروحته، وفك التعارض المحتمل مع الإسلام، ويعود بالضبط إلى مرحلة السلطان الحسن الأول قائلا: وإن في التجديد الحكومي الذي وضعه مولانا الحسن (1873/1894م) خير دليل على أن الحكومة الشريفة كانت سائرة في هذا الاتجاه المتفق تماما مع الروح الإسلامية ولكن كيف ذلك؟ لأن جلالة الملك هو ولي الأمر في القضاء وفي الحكم، وكما أن القاضي منفذ للقانون بالنيابة عن الملك، ولكنه هو الذي يتحمل مسؤولية الأحكام التي يمضيها، كذلك يجب أن يكون الوزراء منفذين لشؤون الدولة باسم جلالته ولكن على شرط أن يتحملوا مسؤولية ما يمضونه من أعمال أمام جلالته بصفته ولي الأمر، وأمام المجالس النيابية يوم يتم تحقيق ما نصبو إليه من نظام دستوري متين، بعد الاستقلال طبعا. لقد اختار علال الفاسي مثالا معبرا عن البيئة المغربية لتقريب صورة النظام البرلماني في أذهان النخبة المغربية، إنه مثال القاضي الذي يصدر الأحكام باسم الملك، ولكنه يتحمل المسؤوية كاملة عن أحكامه القضائية، فكذلك ينبغي أن يكون الشأن بالنسبة للوزراء في مختلف القطاعات، فليس من الحكمة أن يتدخل الملك في كل كبيرة وصغيرة، ولكن الوزراء يتولون مهام تنفيذ شؤون الدولة باسمه، ويتحملون مسؤولية أعمالهم أمام الملك بصفته وليا للأمر وأمام المجالس النيابية المنتخبة، من قبل عموم المواطنين. ويؤسس علال الفاسي اجتهاده التوفيقي على ثلاثة عناصر توضح مقاصد النظام البرلماني. 1 حق الأمة في اختيار من يحكمها: فحق الأمة أن تحكم بنفسها يتفق تماما مع حقها في أن تختار من تنيبه عنها في تسيير شؤونها، ويبدو بأن علال الفاسي يستحضر هنا التجربة السياسية للمسلمين خلال العهود الأولى وبالضبط في مرحلة الخلفاء الراشدين الأربعة الذين لم يصلوا إلى السلطة عن طريق القوة والغلبة ولكن بواسطة الانتخاب ورضا المسلمين، وإن اختلفت صيغ اختيار كل واحد منهم. 2 حق مراقبة الحاكمين: فمفهوم المراقبة والمحاسبة يتفق تماما مع الروح الإسلامية ففي أول خطاب له بعد انتخابه خليفة للمسلمين يعلن أبو بكر الصديق عن الحق في التقويم والمحاسبة إذا أصبت فأطيعوني، وإذا أخطأت فقوموني ومن هنا فإن علال الفاسي يقول بضرورة المراقبة الشعبية لأعمال القائمين بالحكم، وهذه المراقبة حق لكل مواطن ذكرا كان أو أنثى، مهما كانت قيمته الثقافية ضعيفة أو عالية، ومستواه الاجتماعي رفيعا أووضيعا. كما أن الإشارة إلى حق المرأة في المعارضة ليس من باب الإقحام التعسفي ولكنه يستند إلى الممارسة التاريخية للمرأة المسلمة. ولكن الملفت للانتباه هو الإحالة التي يقوم بها علال الفاسي على مفهوم سياسي متقدم جدا، وهو مستوحى من التجربة الغربية إنه مفهوم المواطنة، يقول علال الفاسي: وهذه المراقبة حق لكل مواطن ذكرا كان أو أنثى (..) لأن التمتع بحق المواطنة كاف للحصول على كل ما يمكن أن يدركه المواطن من غير نظر للفوارق المذهبية أو العنصرية أو الاجتماعية. فهو يحيل هنا على رابطة المواطنة كأساس للاجتماع المدني بغض النظر عن الاختلاف في العنصر أو الدين أو المستوى الاجتماعي.