إن الإعداد للعمل والتفكير فيه والتخطيط له، علامة على التوفيق وأخذ الأمور بما يناسبها من الجد، وأمارة على الصدق في النية والقصد، كما قال سبحانه: { وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً}، ورمضان مما يستحق هذه المقدمات الممهدات حتى تصلح النية ويصح العزم وتقوى الإرادة ويكتسب العلم، وخصوصا ما تصح به العبادة ويكون به القبول. مقدمات تمهد للاستفادة من الطاعة وتضمن، إلى حد كبير، الثمار المرجوة. فأول ما يكون به الاستعداد: العلم بحكم الصيام، ومعرفة مقاصده وأحكامه وأركانه وشروطه ومبطلاته ومكروهاته وسننه وفضائله، فالعلم سابق على العمل، وهو شرط في الصواب وبلوغ درجة الإتقان والإحسان. وكما جاء في الحديث من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، والصيام من أركان الدين. ومن الاستعداد معالجة النية حتى يقصد بالصيام وجه الله تعالى، والسعي لنيل مرضاته ودخول جنانه، والنجاة من سخطه وأليم عقابه. فالمقصود بالنية في الصيام الكف عن تناول المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس امتثالاً لأمر الله تعالى، وتقربًا إليه سبحانه. وإذا انعدم هذا الأصل فلا اعتبار بالصوم، إذا كان القصد الحمية والرياضة ونقص الوزن أو الإضراب عن الطعام أو الإمساك عن المفطرات تشاغلاً بعمل أو استغراقًا فيه أو نسيانا، أو تقليدا أواحتراما لعادة الصائمين أو خوفا من القانون أو غير ذلك من المقاصد. فلا يقبل الصيام إلا بنية معتبرة كما قال سبحانه (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المعروفإنما الأعمال بالنيات... ومن الاستعداد الفرح بقدوم شهر رمضان والاستبشار به، لما فيه من المكرمات ومغفرة الذنوب وأسباب النجاة ومضاعفة الأجور، والفرح بمواسم الطاعات، والحزن على فواتها أمر متفق عليه عند السلف. قال تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ يونس:.85 وكان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان، ولا يبشر عادة إلا بما يفرح النفوس ويدخل عليها السرور، روى النسائي في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الالباني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم. وقال ابن رجب: بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه، ويدل عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم، ثم مات الثالث على فراشه بعدهما، فرؤي في المنام سابقاً لهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أليس بعدهما كذا وكذا صلاة، وأدرك رمضان فصامه، فوالذي نفسي بيده، إن بينهما لأبعد مما بين السماء والأرض) أخرجه الإمام أحمد وغيره. فبلوغ رمضان كان من أماني السلف، كما قال معلى بن الفضل رحمه الله تعالى: كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم. وقال يحيى بن أبي كثير، رحمه الله تعالى: كان من دعائهم: اللهم سلِّمني إلى رمضان، وسلِّم لي رمضان، وتسلَّمه مني متقبلا.