لعل الملمح البارز في الحوار الصحفي المطول الذي ننشره في هذا العدد مع رئيس حركة التوحيد والإصلاح هو هذا السعي لإبراز سمات التميز المغربي في العمل الإسلامي الحركي، ومدى التقدم نحو نشر هذا النموذج المغربي والارتقاء بإشعاعه والاستجابة لطلبات الاستفادة منه. لقد ارتبط ما يمكن اعتباره نموذجا مغربيا إسلاميا بسمات متعددة، بعضها موضوعي نجم عن خصوصيات البيئة المغربية واستيعاب قطاع وزان من الحركة الإسلامية لهذه الخصوصيات، وبعضها ذاتي نتج عن استفادة عميقة من تجارب النقد الذاتي التي شهدها عدد من تجارب العمل الإسلامي في العالم، وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى بلورة تجربة حركية إسلامية مؤثرة وملهمة لعدد مقدر من الحركات الإسلامية في العالم. يمكن القول إن أهم السمات المكونة لهذا النموذج، تمثلت في ثلاث: - الوعي بخصوصية التكون السياسي والحضاري للمغرب كبلد استقل عن نظام الخلافة منذ اثني عشر قرنا، وسعى إلى إرساء نظام سياسي واجتماعي مرتكز على المشروعية الدينية، وقائم على صيانة واحترام التعدد في إطار الوحدة، ومنطلق نحو تحقيق إشعاع مغربي ينسجم مع خصوصية الموقع الجغرافي له، وهي الخصوصيات التي نجمت عن الطبيعة المعقدة والمركبة للمجتمع المغربي ثقافيا واجتماعيا وإثنيا، وجعلت استقرار ووحدة نظام الدولة فيه مشروطا باستيعاب هذه الطبيعة. ولهذا كان نجاح الحركات الاجتماعية والثقافية والسياسية في تاريخ المغرب مشروطا بمدى استيعابها لهذه الخصوصية وتحولها تبعا لذلك لأحد عناصرها، وهو ما نجده يتكرر اليوم مع الحركات الإسلامية بالمغرب، وخاصة منها حركة التوحيد والإصلاح، والتي تمثل بالنسبة لكثير من الحركات الإسلامية في العالم حالة خاصة. - تبني خيارات الاندماج المؤسساتي والمشاركة المتدرجة والإيجابية في الحياة العامة؛ ضدا على منطق الرفض والقطيعة واعتبار النفس بديلا عما هو قائم، والاستنكاف عن العمل المشترك مع باقي الأطراف والمكونات، وتأسيس فكر حركي اجتهادي ونقدي للخطاب الإسلامي الحركي في الشرق، وذلك في ظرفية عرفت هيمنة فكر المقاطعة وتشجيع الصدام مع الأنظمة والمفاصلة مع المجتمعات، وهو فكر أدى في بلدان أخرى إلى إدخالها إلى شرنقة الفكر الإقصائي والاستئصالي، وبعضها لم يخرج منها إلى غاية اليوم. - تبني خيارات واضحة في العلاقة بين العمل الدعوي والعمل الجمعوي من جهة والعمل السياسي والحزبي من جهة أخرى، وهي الخيارات التي ارتكزت على التمايز الوظيفي والاستقلالية المؤسساتية والالتقاء الاستراتيجي العام الذي يراعي الفرق الجوهري الوظيفي بين العمل السياسي وبين العمل الدعوي والتربوي، وهو ما أتاح انطلاق تجربة إيجابية في الفعالية السياسية للحركة الإسلامية، وجعلها تنتقل من أن تكون خطرا على تجربة الانتقال الديموقراطي بالمغرب مع انطلاقها في أواسط تسعينيات القرن الماضي؛ إلى أن تصبح فاعلا إيجابيا في هذه التجربة، وعنصرا من عناصر الدفاع عنها والتأسيس الثقافي والتربوي لها، وتعزيز فكر الوسطية والاعتدال في المجتمع. ليس هناك من شك في وجود سمات أخرى، إلا أن ما سبق يمثل العناصر الجوهرية التي تفسر وجود نموذج مغربي في العمل الإسلامي مختلف عن غيره من النماذج في الخارج، وتحول من متابع لها إلى مؤثر في مسارها بما يقدم من خيارات بديلة في العلاقة بين الحكم والمكونات السياسية والدينية والثقافية من جهة والحركة الإسلامية من جهة أخرى، وهي الخيارات التي برزت بنبذها لفكر الصدام والإقصاء، واستثمار فعالية الحركة الإسلامية في تسريع مسلسل التحديث والتنمية والإصلاح، عوضا عن استنزاف القدرات الوطنية في الصراع معها. لا يعني هذا أن تجربة الاندماج الإسلامي الحركي ناجحة، خاصة وأن عناصر المقاومة لها والساعية لاستيراد تجارب الفشل الخارجي في استئصالها وإقصائها موجودة وفاعلة ونشيطة في المغرب، وهو ما يجعلنا نعتبر صيانة النموذج المغربي يمثل أحد التحديات المستقبلية.