تختلف مقاربة الحركة الإسلامية لتحدي التنصير من فصيل لآخر، فبينما ترى جماعة العدل والإحسان أن المسؤول عن استهداف الهوية الإسلامية المغربية هي السلطة السياسية، وأنها هي التي تتحمل مسؤولية السماح للمبشرين بتنصير المغاربة ونشر معتقداتهم الفاسدة (انظر حوار مع عضو مجلس الإرشاد الأستاذ حسن قبيبش أجري معه في يوليوز 2009)، يرى الأستاذ محمد الحمداوي أن التبشير هو تحدي مجتمعي قبل أن يكون سؤالا مطروحا على الدولة، ذلك أن التبشير يستهدف الجانب العقدي والعلمي كما يستثمر الوضعية الاجتماعية المأزومة لبعض المغاربة خاصة في المناطق المهمشة، مما يعني أن جهد الدولة، ولو كان ضروريا، إلا أنه لا يمكن أن يكون كافيا في مواجهة هذا التحدي. فالتبشير، حسب رئيس حركة التوحيد والإصلاح لا يمكن أن تتم معالجته بمقاربة الطرد والترحيل فقط، مع إقراره بأن المقاربة السياسية والقانونية ضرورية ضمن الإستراتيجية الشمولية لمواجهة التنصير. ولذلك، فالمؤاخذة الكبرى التي توجهها حركته لمقاربة الدولة يمكن أن نلخصها فيما يلي: 1 عدم إشراك المجتمع المدني كأحد الفاعلين الأساسيين في مواجهة التبشير، وبشكل خاص، العلماء والدعاة والحركات الإسلامية التي يمكن أن تقدم دورا أساسيا في مجالات التربية والدعوة وتحصين الشعب المغربي من شبهات التنصير لاسيما في المناطق التي تعرف مستويات عالية من الهشاشة. 2 أن الدولة، سايرت الحملة العالمية على العمل الخيري الإحساني، والتي انطلقت بعد الحادي عشر من شتنبر وتحولت بعد ذلك من سياسة القضاء على مصادر تمويل الإرهاب إلى تجفيف منابع العمل الخيري الإحساني، مما يجعل المغرب يفقد ضمن استراتيجية المواجهة، عنصرا أساسيا من مكونات المجتمع المدني يمكن أن يضطلع بدور مهم في الرعاية الاجتماعية للمحتاجين والأيتام والأطفال المتخلى عنهم، والذين يتخذون من قبل الهيئات التبشيرية كمجالات استهداف مباشر. 3 أن الدولة، لم تفعل بالشكل الكافي المقاربة الدينية، من خلال شحذ فاعلية العلماء والدعاة للتفاعل أكثر مع محيطهم، حتى يقوموا بفضح أساليب المبشرين ودحض عقائدهم بالحجة والبرهان. 4 أن الدولة لا تعط أهمية كبيرة للتربية الإسلامية ودروها في تحصين المجتمع من الاختراقات العقدية التي تهدد أمنه الروحي، ولا تضع ضمن اعتبارات هذه المادة وتوقعاتها احتمالات الاختراقات العقدية، مما يجعل المتعلمين لا يمتلكون الثقافة الدينية الكافية لمواجهة الشبهات التي تعرض إليهم. 5 أن الدولة، لا تعط للمادة الدينية الحجم الكافي في وسائل الإعلام العمومية، مما يجعل المغاربة، لاسيما الذين يعيشون وضعية الهشاشة، غير محصنين عقديا، ويمكن أن يكونوا عرضة للابتزاز والاستغلال أمام إغراءات وتغرير المبشرين. الحركة الإسلامية... أي مقاربة لمواجهة التنصير؟ حسب رئيس حركة التوحيد والإصلاح لا يمكن الحديث عن استراتيجية الحركة الإسلامية لمواجهة التنصير، فهذا التحدي هو شأن مجتمعي، والحركة الإسلامية لا يمكن أن تقدم فيه مساهمتها مثلها في ذلك مثل بقية الفاعلين المدنيين، لكن ما يؤكد عليه الأستاذ الحمداوي، هو أن يتم فهم التبشير على أساس أنه تحد مجتمعي يستدعي طرح سؤال الفاعلية الدعوية والفكرية والعلمية، ودور العلماء والوعاظ والحركة الإسلامية في التصدي لهذه الأمة. فالتبشير لا يمكن أن يتم التعاطي معه بمنطق الطرد والترحيل، مع أن هذا من واجبات الدولة، فالدولة مسئولة حسب رئيس الحركة عن الأمن القومي، والأمن الديني جزء لا يتجزأ من الأمن القومي، لكن مسؤولية العلماء والدعاة والحركة الإسلامية أكبر، بحكم أن هذا التحدي يطرح أولا على المجتمع، ومجاله العقيدة، مما يعني أن أساس المواجهة ينبغي أن يكون علميا ودعويا، وهي مهمة العلماء والدعاة، ومهمة الحركة الإسلامية التي ينبغي حسب الحمداوي أن تنزل إلى الميدان الذي يتواجد فيه المبشرون، وأن تقوم بدورها في التحصين العقدي. ولا يفوت الحمداوي أن يستدعي البعد الاجتماعي في المقاربة، فما دام المجال الحيوي الذي يشتغل فيه المبشرون هو مناطق الهشاشة، وما دامت دائرة الاستهداف تتركز على القاصرين والأيتام والأطفال المتخلى عنهم، فإن المجتمع المدني، لاسيما المحسنين والعاملين في المجال الخيري والاجتماعي، معنيون بالمساهمة في الرعاية الاجتماعية، وسد الفراغ الذي يستغله المبشرون للتغرير بالأطفال واستغلال حاجتهم وفقرهم من أجل تنصيرهم. ويؤكد الحمداوي على أن ضرورة أن أن تأخذ الثقافة الدينية حجمها الكافي في برامج التربية والتعليم وفي وسائل الإعلام، ويتم إشعار المغاربة، وتوعيتهم بحقيقة التدافع العقدي والقيمي الذي يعرفه المغرب، وأن يتم تبصريهم بحقيقة التنصير، وكونه لا يشكل فقط تحديا عقديا، ولكنه يتعدى ذلك إلى أن يشكل تهديدا للأمن القومي، واستهدافا للسيادة الوطنية. ويلح المهندس الحمداوي ألا يتم تجاوز أي بعد في استراتيجية مواجهة التنصير. أما الأستاذ مصطفى الرميد، فيؤكد على كل الأبعاد التي ذكرها الأستاذ محمد الحمداوي، لكنه، وبحكم تخصصه القانوني، واهتماماته الحقوقية، يلح على ضرورة رفع الالتباس بين الحرية الدينية وبين استغلال القاصرين في وضعية اجتماعية هشة والتغرير بهم من أجل تغيير معتقدهم، وأنه لا يمكن التذرع بحرية الرأي وحرية المعتقد لتسويغ التغرير بالقاصرين وتنصريهم. فلو كان ألمر يتعلق براشدين، يقول الرميد: لأمكن الحديثة عن حرية المعتقد نظريا بحسب منظومة حقوق الإنسان لكن حين يتم التغرير بقاصرين وأيتام يعيشون وضعية جد هشة، ويتم تنصريهم فهذا لا يمكن قبوله حقوقيا، وكما أن منظومة حقوق الإنسان ترفض الاستغلال الجنسي للقاصرين، فهي أيضا ترفض استغلال حاجة الأطفال وفقرهم وصغرهم من اجل تغيير معتقداتهم. ولذلك، يرى الرميد أن مهمة الحركة الإسلامية في هذا الإطار، أي ضمن البعد القانوني والحقوقي، أن تقوم بمتابعة دقيقة لخريطة التبشير، وأن تدرس إمكاناته ووسائل اشتغاله، وأن تتبع ما يجري في البعثات والمدارس الأجنبية في المغرب، وما يدرس فيها من مقررات لاسيما بعد ما أكدت بلاغات رسمية ممارسة المبشرين لمهام التنصير في مدارس تعليمية ودور لرعاية الأيتام. أما في الجانب السياسي، فيرى الدكتور سعد الدين العثماني أنه من الصعب على الدولة أن تواجه التبشير بالمقتضيات القانونية، وأن غاية ما يمكن أن تقوم به الجدولة في هذا الإطار ، هو أن تتخذ قرارات لحماية القاصرين من التنصير، ومنع استغلال الهشاشة الاجتماعية والفقر والحرمان للممارسة التبشير. فحسب الدكتور العثماني، يصعب على الدولة، بعدما عرفت وسائل الاتصال الثورة المعلوماتية الحديثة، أن تمنع التبشير وتوقفه، ولذلك، فهي تختار تجنبا للإحراج مع المنظمات الدولية والحقوقية أن تفعل المقتضيات القانونية المتعلقة بالقانون الجنائي خاصة الفصل 220 لحماية القاصرين. أما مواجهة التنصير، فالأمر يتطلب خ حسب العثماني- وجزد استراتيجية وطنية متكاملة، تضطلع المؤسسات العلمية والدعوية ومكونات المجتمع المدني فيها بدور وازن، كما تتكفل الدولة وبعض مؤسسات المجتمع المدني بدور الرعاية الاجتماعية للأطفال الذين يعيشون وضعية الهشاشة حتى يتم تحصينهم من فخاخ التنصير. ويؤكد العثماني ضمن هذه الإستراتيجية، على أن التربية والتعليم ينبغي أن يكون بعيدا عن إشراف المبشرين وأن يكون مسؤولية الدولة حتى لا يستغله المبشرون في عمليات التنصير. أما ما عدا ذلك، فيرى الدكتور العثماني أن قدرة المبشرين على اختراق المجتمع المغربي ضعيفة، وأفقه محدود، وأن نجاحه لا يكون مرتبطا بقدرته الفكرية والعقدية، وإنما يرتبط ذلك بحجم اغراءات المادية ودرجة الاستجابة من الفئات المحتاجة والتي في الغالب حسب العثماني ما تعلن تنصرها ظاهريا لمجرد الحصول على فرصة عمل في أوربا.. ولذلك، يرى العثماني أن مواجهة التبشير باعتباره تحديا عقديا يستلزم تدافعا فكريا وعليما، كما يستلزم إنتاج خطاب إسلامي علمي معقلن ومقنع.