نقدم في هذا العدد الجزء الأول من مقتطف من مذكرة وجهها كاتب مجهول إلى المولى عبد العزيز (أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين)، يقترح فيه عليه مجموعة من الإصلاحات الدستورية والتشريعية والجبائية. وكما يبدو من نص الوثيقة فإنها جاءت في خضم مطالب أوروبية بالإصلاح، كما يحدث الآن مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويقترح الكاتب المجهول على الملك المولى عبد العزيز تشكيل مجلس للأمة (مجلس النواب) عمره خمس سنوات، موضحا في مذكرته كيفية انتخاب أعضائه والشروط التي يجب أن تتوفر فيهم، حيث اشترط أن تتراوح أعمارهم ما بين الثلاثين والستين، وأن يحسنوا الكتابة والأعمال الأربعة للحساب (الجمع والضرب والطرح والتقسيم)، وأن يكونوا قد قرأوا متن خليل (منظومة في الفقه) ويفهمون معناه، وأن تكون عنده كل واحد منهم واردات من أملاكه تكفيه مصروف سنته، وأن لا تكون لهم سوابق عدلية. كما يقترح الكاتب المجهول في مذكرته إحداث إصلاحات في القضاء والقانون وإصلاحات مالية وجبائية، بالتخفيف عن الرعية بإلغاء >جميع الأموال التي تطلب بل تؤخذ من الرعية خلاف ما قررته الشريعة الإسلامية كمثل المكوس والهدية والسخرة<، وإلغلء >إلزام القبائل لضيافة ما يمر عليهم من العسكر أو أحد رجال المخزن إلا عن طيب نفسهم<. ويقترح أيضا تشديد الخناق على لصوص المال العام ورجال السلطة الذين يستغلون مناصبهم للاغتناء غير المشروع، داعيا إلى الاسترشاد في كل هذه الإصلاحات بمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية. مذكرة مرفوعة من ناصح مجهول إلى المولى عبد العزيز حول الإصلاح الدستوري وسائل الإصلاح في المغرب إننا نحتاج لحفظ استقلالنا واستغنائنا عن الأجانب إلى السعي وراء ثلاثة أمور: الأول تشكيل مجلس الأمة الذي يحل جميع المسائل بما يرضي الله تعالى والرعية، ويقنع الأجانب بأن الأجانب عندهم مجلس للأمة مقدس ومعمول به في داخلية البلاد، إذا كان مؤسسا على أصول مضبوطة مقبولة، كما هو عليه العمل في بلادهم، غير أن أصول مواد قوانينهم موافقة العقول عليها مع ما يوافق أحوال البلاد بحسب التجربة، وأما أصول مواد قوانينا تكون على وفق ما أتت به الشريعة المطهرة كما هو جار عليه العمل في مجلس أمة دولة الإيران، فإذا وفق الله سيدنا نصره الله تعالى إلى إجراء هذا العمل المبرور يحرر المخزن الشريف إلى معتمدي الدول في طنجة ما معناه لما كان جل أهل المغرب لا يفقهون المصلحة المرتبة على تنظيم البوليس وغيره من الإصلاحات، ومقصودنا نشر العدالة في أفراد الرعية، أمرنا بتشكيل مجلس الأمة وطلبنا النواب من كل قبيلة وبلد لأجل إقناعهم وتحوير القانون للحكومة بما يوافق طبيعة البلاد بمعرفتهم، فنطلب منكم أن ترسلوا لنا قانون البوليس والبنك لأجل فحصه بمجلس الملة وتحوير بعض مواده التي لا توافق طبيعة البلاد إلى ما يوافق لينتشر التمدن في بلادنا حسب رغبتكم، وبذلك تحسن المواصلات ويزول التعدي من الجهال. الثاني: الشروع في تشكيل عسكر جرار على وجه منتظم من دون تكليف المخزن بمصروف أفراده مدة الإقامة حتى نتمكن من توقف مداخلة الأجانب في بلادنا. الثالث: يلزم لنا وجود مال داخلي يتيسر به إجراء ما تطلبه أوروبا من الإصلاح مثل الدبيش وغيره، لأنه لا يتم عز الملوك إلا بالشريعة ولا قوام للشريعة إلا بالملك ولا عز للملك إلا بالرجال ولا قوام للرجال إلا بالمال ولا مال إلا بالعمارة ولا عمارة إلا بالعدل ولا عدل إلا بإصلاح العمال ولا تصلح العمال إلا باستقامة الوزراء ورأس الكل تفقد الملك أحوال رعيته بنفسه. نظام مجالس الأمة: بيان كيفية تشكيل مجلس الأمة وأصول أعماله والفوائد التي تنتج عنه مجلس الأمة هو مجلس الشورى الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (وشاورهم في الأمر)، وقد مدح الله سلفنا الصالح بقوله (وأمرهم شورى بينهم). وأما أصول أعماله تقريبا اثنا عشر مادة ويصير الزيادة والنقص في هذه المواد حسب ما يقتضيه الوقت وما تتفق عليه آراء الأعضاء ويستحسنها سيدنا نصره الله تعالى. المادة 1 يطلب من كل قبيلة وبلد أن ينتخبوا عنهم واحدا ليكون نائبا عنهم في كل ما يقرره ويرضاه مجلس الأمة لمدة خمس سنوات، ثم ينتخب غيره بشرط أن يكون متصفا لخمسة أمور: الأول: أن يكون سنه ما بين الثلاثين والستين. الثاني: أن يكون يحسن الكتابة والأعمال الأربعة للحساب وهم الجمع والضرب والطرح والتقسيم. الثالث: أن يكون قد قرأ متن خليل ويفهم معناه. الرابع: أن يكون عنده واردات من أملاكه تكفيه مصروف سنته. الخامس: أن لا يكون قد حكم عليه في دعوة. ومنهم ينتخب رئيس عليهم. المجلس الأعلى (الأعيان) المادة 2 ثم يشكل مجلس أعلى منه برياسة أمير المؤمنين أعزه الله عشرون عضوا منهم خمسة من أبناء الأسرة المالكة الراشدين وخمسة ممن امتاز بأمر خطير بخدمتهم للدولة، والباقي ينتخب من مجلس الملة. المادة 3 جميع المسائل تعرض على مجلس الأمة وبعد قراءتها جهرا يسأل من أقلهم إلى أكبرهم رتبة عن رأيه في تلك المسألة، فإن اختلفوا يعمل برأي الأكثر ويكون استناد الأعضاء عند اختلاف رأيهم على ما يفهمونه من الكتاب والسنة ومصلحة البلاد، ويجب على كل فرد أن ينتصر لما يتفق عليه مجلس الأمة، ولو بغلبة الرأي، ولا يجوز لمن كان مخالفا لرأي الأكثر أن ينتصر لرأيه بل يكون منتصرا لما تم عليه رأي الأكثر، وبعد تنقيحها في هذا المجلس ترفع لمجلس الأعيان، وبعد تنقيحها فيه يصدر أمر سيدنا نصره الله تعالى بالعمل بها. المادة 4 مجلس الأمة يقرر الأحكام على قول واحد مع حفظ معاهدات الأجانب وتقدير خدمة الوزراء والعمال مع ترتيب مؤونتهم وتقرير الأموال التي تطلب من الرعية وكيفية تحصيلها حسب الشريعة الإسلامية ولا يجوز العفو عن أحد من الرعية، عن ذلك لأنه حق من حقوق الله تعالى تدفع إلى العامل ليصرف في مصارفه وتقرير المصاريف اللازمة للحكومة وتنظيم قانون تعليم الرعية الحركات العسكرية وما قبة أعمال العمال ومحاكمة العمال في ما بينهم ومحاسبة الأمناء وتقرير كل عمل يلزم عمله في الحكومة. تدوين القانون الإسلامي المادة 5: وأول عمل يبدأ به انتخاب أربعة من أفاضل العلماء الذين سبق لهم خدمة في القضاء وكانوا متصفين بالاستقامة مع أربعة آخرين يكونون بالغاية القصوى من العلم بشرط أن يكونوا عالمين بأحوال الوقت، ويكلفون بتأليف كتاب مقتصر فيه على قول واحد من مذهب الإمام مالك رضي الله عنه بعبارة سهلة يفهممها العالم والجاهل، كما فعلت الدولة العثمانية كتب مجلة الأحكام العدلية، وبعد إتمامه يعرض لمجلس الملة ثم على المجلس الأعلى، وبعد الاتفاق على مواده ولو بغلبة الرأي، يصدر أمر سيدنا نصره الله تعالى بالعمل فيه لدى جميع القضاة. المادة 6: تحفظ معاهدات الأجانب في مجلس الأمة وعلى موجبها وتحويرها يعمل يعمل ذيلا لكتاب الأحكام ثم يأمر سيدنا نصره الله تعالى بالعمل به. المادة 7: لا يجوز للقضاة أن يحكموا بخلاف كتب الأحكام وذيله الذي صدره لهم مجلس الأمة، وإذا طرأت مسألة عليهم لم تكن موجودة في ذلك الكتاب يستفهموا عنها من مجلس الملة وتلحق في كتاب الأحكام. مراقبة القضاء المادة 8: للمحكوم عليه أن يستأنف دعواه في مجلس الأمة ويكون استئنافه عبارة عن الشكاية على القاضي بكونه تعدى في حكمه، فحينئذ ينظر في أصل الدعوى التي حكم فيها ومطابقة حكمه على كتاب الأحكام، فإن ظهر أن القاضي كان متعديا في حكمه يطرد من وظيفته ولا يوظف بعد ذلك أبدا بعد تقرير ما يلزم عليه من الجزاء حتى يصير مثالا لغيره من الحكام، وإلا فيحبس ذلك المستأنف من سنة إلى خمس سنوات حتى لا يتعدى أحد من الرعية على الحكام، وكذلك يجري في كل قضية ترفع من الرعية على مطلق عامل، سواء كان وزيرا أو قائدا أو أمينا أو غير ذلك. المادة 9: بعد الاطلاع على قانون بوليس الدول، على الأخص قانون الدولة العالية العثمانية ومصر وتونس ودولة الإيران، يشكل قانون له بما يوافق الشرع ومصلحة البلاد، ثم تفتح مدرسة يعلم فيها شبان الطلبة هذا القانون والفنون التي تلزم البوليس من الخط والحساب والجغرافيا وحقوق الدول ومعاهداتها، وبعد أداء امتحانهم يستخدموا فيه حتى يكونوا على بصيرة في الحكم والسير، على الأخص إذا كان الضباط من فرنسا وإسبانيا حسب معاهدة الجزيرة، وإلا فيكونوا آلة في أيديهم يديرونهم كيف شاؤوا. المادة 10: تستأنف من مجلس الملة دعاوى البوليس كما تقدم في المادة الثامنة. تمويل المشروعات المادة 11: إذا لزم إنشاء شيء أو إحداث فبريكة أو فتح مدارس لتعليم أولاد الأمة، ولم يكن مالا زائدا، من الوارد لأجل القيام به يصير المشورة بذلك في مجلس الملة، أما أن يعمل من إعانة تطلب من الرعية أو تشوف الرعية بعمل جمعية خيرية من تراث الرعية يقومون بإدارتها بعد تحوير قانونها في مجلس الملة والمجلس الأعلى وإصدار أمر سيدنا نصره الله تعالى بذلك مع مراقبة الحكومة على حركاتهم. إلغاء المكس والسخرة والضيافة المادة 12: يجب لغو جميع الأموال التي تطلب بل تؤخذ من الرعية خلاف ما قررته الشريعة الإسلامية كمثل المكوس والهدية والسخرة ولغو إلزام القبائل لضيافة ما يمر عليهم من العسكر أو أحد رجال المخزن إلا عن طيب نفسهم. المعشرات في ديوانات المراسي فمطلوب أخذها سياسة وشرعا ولا يظن أن في ترك ذلك يصير نقصا في واردات الحكومة، بل حينئذ تتيقن الرعية من نوايا سيدنا نصره الله في إحياء الشريعة المطهرة، فتتحد الكلمة على محبته وتفديه بمالها وروحها وتؤدي حقوق الله الواجبة عليها للمخزن بالتمام. فوائد الحياة النيابية وأما الفوائد التي تنتج بتشكيل مجلس الملة: أولا نشر عدالة جلالة السلطان نصره الله تعالى على جميع الرعية وينتفي الظلم عنهم فيتحصل سيدنا نصره الله على رضاء الله ويكتب في حسناته ما وعدنا النبي صلى الله عليه وسلم: >من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة<، وبذلك يصير سيدنا أعزه الله أفضل ولي في هذا الوقت، فيمده الله تعالى بإمداداته الظاهرة والباطنة بقوله تعالى: (ومن يتق اله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)، وتتفق الرعية على محبته والتفاني في صدق خدمته ورضائه في كل ما يأمرهم به. الفائدة الثانية: تصير همة المأموين في إبراز ما ينفع الدولة وعموم الرعية، ولو يصرفوا على هذه البغية جميع ما يملكونه، لأنهم بذلك يكافأون من طرف السلطان نصره الله تعالى بالمقامات العالية ومن الرعية بالحرمة وتنعدم منهم حب جلب المنافع لأنفسهم فقط للمراقبة عليهم وحصول الجزاء عليهم من السلطان نصره الله تعالى ومن الرعية بالبغض والكراهية. الفائدة الثالثة: تكثر واردات الحكومة للقواعد التي يجريها مجلس الملة في ضبطها أولا بانتخاب تولية الكفء المستحق ثانيا لتقرير ما يستسلمه من الرعية ثالثا لا يستسلم شيئا حتى يعطى للمستلم منه وصلا، وأما الحالة الحاضرة ثلثي واردات الحكومة ضائع لأننا نرى القائد والأمين بعدما يتولى ببرهة جزئية يبني القصور العظيمة ويملك الأراضي الجسيمة بعدما دفع على تحصيل وظيفته مالا عظيما، فبالطبع كان ذلك كله من مال الحكومة اختلسه بسبب ما دفعه للذي كان واسطة في ولايته. الفائدة الرابعة: لما تنشر هذه الفضائل عن سيدنا نصره الله تعالى ترجع جميع القبائل الخارجة عن طاعته وتنقاد لأوامره ويقبضون على جميع من خرج من طاعته لأن الملة الإسلامية تخضع غاية الخضوع للشريعة المطهرة. الفائدة الخامسة: جميع المسلمين المجاورين لمملكة سيدنا نصره الله تعالى يكونون عونا له عند اللزوم لأن الطبيعة والعدالة تجذبهم، وبذلك تخشى الحكومة المجاورة لمملكته من معاداته وحينئذ نسلم من مداخلاتهم. الفائدة السادسة: تتسع دائرة الصنائع في مملكة سيدنا نصره الله تعالى وتعمر الأراضي فتكثر واردات الحكومة يوما فيوما، وغير ذلك من الفوائد التي لا تحصى وبذلك تزداد هيبة سيدنا نصره الله تعالى وتخشى صولته ملوك الأرض. لا خوف من الإصلاح فإن قيل إن الحكومة لا تأمن تسليح الرعية خوفا من إنفاقهم، فنقول لا خوف من هذا الوهم ما دامت العدالة سائدة في البلاد، حسب ما قدمه مجلس الملة وأحكامه معمول بها على الرئيس والمرؤوس من دون تمييز كما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الكرام فيصير الكل طائعين خاضعين لجلالة السلطان نصره الله تعالى على الأخص عند إعفاء الرعية من كل رسم مخالف للشريعة المطهرة، فتضحى بلاد سيدنا نصره الله تعالى خالية من الفتن لأن جميعها لا تتحدث إلا بدعوى التعدي على الأحكام الشرعية وعدم الإنصات للرعية، مع أننا لو حسبنا الواردات التي تجمع مخالفة للأحكام الشرعية والمصارف التي تصرف على تعليم العساكر اللازم تعليمها مع تسليحها لوفر الربح للمخزن مع أن جل مصروف الدول هو مصروف للعساكير مع أن الحكومة حينئذ تجتهد في ترتيب عساكير الطوابجية والخيالة وانتظامها والقيام بإطعامهم وعمل قشلة لسكناهم مع تربية دوابهم كما هو جار عند الدول والدولة العالية العثمانية، فبهذا الترتيب نحفظ البلاد ويعم الأمن ونسلم من اعتراضات الأجانب مع هيبتهم لجلالة سيدنا نصره الله تعالى (...)