يرى الدكتور سعد الركراكي، أستاذ القانون الدولي والمتخصص في العلاقات الدولية، أن المغرب تورط في ملف أمينتو حيدر، وأكل الطعم الذي قدمه أعداء الوحدة الترابية ليحصدوا من ورائه بعض المكاسب، كما يتخوف من أن يكون حادث أمينتو حيدر العابر مؤشرا على تحول في المواقف الدولية. وينتقد الركراكي بقوة التدبير المغربي لسياسته الخارجية، والأساس الذي يقوم عليه، منبها على أن منطق الصداقة والاعتماد على الدول الصديقة في ملف الصحراء أو غيره من الملفات السياسية والأمنية لا يمكن أن يجدي نفعا، وأن الأنسب أن تبنى السياسة الخارجية المغربية على منطق المصلحة وتبرير القيمية الوظيفية التي يلعبها المغرب ضمن المعايير الاستراتيجية في المنطقة، ويقترح الركراكي جملة من الأفكار لسن سياسة هجومية تمكن المغرب من استعادة الموقف والضغط على خصوم الوحدة الترابية لقبول مقترحه، ويدعو الخارجية المغربية إلى التعويل على وسائل السياسة التي تمكن الموقف المغربي من الصمود في وجه الضغوط الدولية. أبانت مسألة أمينتو حدير عن جملة من الاختلالات في تدبير ملف الصحراء، إلى درجة أن وقع اختلاف في تقييم الحل الذي انتهت إليه المسألة بين السياسيين، فالبعض وصف هذا الحل بأنه انتصار جزئي، والبعض الآخر اعتبر أن المغرب خرج بأقل الخسائر، فيما نظر البعض الآخر بأنه على الأقل تخلص المغرب من هذه المسألة، كيف تقيمون هذا الموقف من وجهة نظركم كمتخصص في القانون الدولي والعلاقات الدولية؟ الطريقة التي تصرف بها المغرب في البدء مع ما يعرف بمسألة أمينتو حيدر كانت طريقة بدائية غير مهنية، لأن المسألة كان المفروض التعامل معها بشكل قانوني، مثلها في ذلك مثل أي مواطن مغربي جاء إلى المطار ورفض بطاقة إثبات هويته أو تخلى عن جواز سفره، فلو أن مواطنا مغربيا لا ينتمي إلى الأقاليم الجنوبية قام بنفس التصرف لأقلت السلطات عليه القبض وقدمته للمحاكمة، فلست أدري لماذا تم طرد هذه السيدة وترحيلها وكأنها أعجوبة الزمان وكأنها قامت بشيء خارق للعادة. أنا أعتقد أن هذا هو مبدأ الخطأ الذي تتحمل فيه وزارة الداخلية كل المسؤولية لأنها المكلفة بنقاط العبور، ثم انتقلت القضية بعد ذلك إلى وزارة الخارجية، والتي لم تكن منطقيا وواقعيا لها دور في القضية، فالمغرب شارك يمكن بحسن نية ولكنه خطأ بين في تفعيل هذه القضية على المستوى الخارجي. صحيح أنه في نهاية المطاف كان لفرنساوإسبانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية دور في هذا الملف، ولكن لو تصرف المغرب منذ البداية بشكل صحيح لما زج بهذا الملف على المستوى الدولي. طبعا اختلف تقييم الموقف الذي انتهى إليه حل هذه المسألة، لكن في الحقيقة أنا أعتقد في الخلاصة أن الأمر لا يعدو أن يكون ضربة سيف في الماء، البعض قال بأن هذه الأزمة مكنت المغرب من معرفة أصدقائه، وأن المغرب خرج رابحا لأنه عرف حقيقة من هم أصدقائه الذين يساندونه، إلى درجة أنه تم تحويل كلام وزيرة الخارجية الأمريكية وموراتينوس وما جاء في بلاغ الرئاسة الفرنسية، تم تحويل ذلك من ما أسميه قرصة أذن إلى إما نصف ربح أو نصف خسارة. والحقيقة أننا ينبغي أن ننتهي من هذه الطريقة في التعامل مع الملفات، والتي ظهرت للأسف حتى على مستوى كرة القدم، إذ يحاول البعض أن يقنع عبر خطابه المبرر بأن الصدمة أو الهزيمة هي في الواقع انتصار، وهذا في الحقيقة ليس صحيحا، فالتحجج بأن المغرب خرج من هذه الأزمة منتصرا لأنه عرف أصدقاءه يطرح سؤالا آخر: وهو ألم يكن المغرب يعرف أصدقاءه؟ وهل كان يحتاج إلى هذه الأزمة لكي يتعرف على أصدقائه؟ ومتى بنيت العلاقات الدولية على الصداقة؟ الثابت أن العلاقات الدولية تبنى وتؤسس على المصلحة، ولذلك انطلاقا من هذه الفكرة، فالسؤال الذي وجب أن نطرحه وهو متى تعامل المغرب مع قضية الصحراء بجعل الآخر، وأقصد بالآخر الدول التي لها وزن في العلاقات الدولية، يتعامل مع هذه القضية بمنطق الربح بالنسبة إليه أو الخسارة. أعتقد أنه لا لم يعد مجديا أن نكرر نفس الخطاب السابق الذي يتحدث عن الأصدقاء، والاعتماد على الدولة الفلانية والدولة الأخرى، هذه الدول تتصرف بناء على المصلحة، ولا يمكن لها أن تساند المغرب إلا إذا ظهر لها في ذلك مصلحة محضة. بصفتكم متخصصا في القانون الدولي والعلاقات الدولية، كيف قرأتم موقف الأطراف الدولية وتصرفها في هذه الأزمة؟ هل وقع لها تحول أم أنها لا زالت تستصحب الموقف السابق؟ شخصيا أعتقد أن الضغوط التي مورست على المغرب من قبل من يسميهم المغرب أصدقاءه هي ضغوط لا تصب في صالح المغرب، بمعنى أن اللوبي الجزائري والجماعات المتحمسة لجبهة البوليساريو عرفوا كيف يستثمرون قضية تافهة ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها بعزفهم على وتر حقوق الإنسان؛ في وقت كانت فيه الخارجية المغربية مرتبكة تطلق الوعود واللاءات التي انقلبت عليها في نهاية المطاف، وحتى الموقف المغربي برمته كان مهلهلا في هذه المسألة، ومن ثم، أنا أعتقد أن ما وقع هو تحول خطير، وليس موقفا ظرفيا عابرا، وأعتبر أنه قرصة أذن للمغرب من قبل الأطراف الدولية، والرسالة المفهومة من ذلك، أن هذه الدول التي يعتبرها المغرب أصدقاءه، ليست قطيع أغنام يسوقه المغرب على هواه، وأن مصلحة هذه الدول فقط هي التي تؤطر مواقفها المستقبلية. أنا أعتقد أن المغرب، إلى الآن، لم يبرز القيمة الوظيفية التي يمكن أن يقدمها في المنطقة كسند لقضيته بخلاف ما تصنعه الجزائر. من يتكلم اليوم عن القيمة الوظيفية للمغرب؟ الخطاب الوحيد الذي نسمعه منذ سنين عديدة في هذا الإطار هو كون المغرب يحتل موقعا استراتيجيا مهما، وأنه يطل على البحر الأبيض المتوسط وعلى المحيط الأطلسي، لكن من أعطى لنفسه الوقت الكافي ليشرح لنا ماذا يمثله هذا الموقع الاستراتيجي كقيمة وظيفية للمغرب في العلاقات الدولية. أنا أعتقد أن هذا مجرد كلام في كلام لا يجدي نفعا في منطق العلاقات الدولية ما لم يحلل أو يحول إلى قيمة وظيفية مرتبطة بمعايير استراتيجية من الاقتصاد والسياسية والأمن وغير ذلك. لا يكفي اليوم أن نتحدث عن الموقع الاستراتيجي للمغرب بمجرد كلام وانتهى الأمر، في الوقت الذي يعمل فيه أعداء الوحدة الترابية للمغرب على إبراز القيمة الوظيفية لبلدهم في المنطقة، وتعزيز مواقفهم دوليا من خلال ذلك. الخلاصة في هذا الموضوع أن المغرب لا ينبغي أن يتكل على أصدقائه ولا حتى على الأممالمتحدة فقط من خلال مشروع الحكم الذاتي الذي قدمه، هذا غير كاف، وهو بداية الطريق إلى الحل وليس نهاية المسار. لقد اتضح أن الأصدقاء الذين يعتمد على موقفهم المغرب خذلوه في قضية اعتبروها قضية حقوق الإنسان، واتضح أيضا أن المغرب له قصور فظيع في تعبئة الرأي العام العالمي بخصوص هذه القضية. ولكن وزارة الخارجية في خطابها الرسمي تعلل الانتصار الذي حققه المغرب بكون فرنساوإسبانيا أكدتا رسميا على السيادة المغربية وعلى واجب احترام القانون المغربي في الأقاليم الصحراوية؟ لا يمكن لوزارة الخارجية أن تقول العكس، هذا شيء طبيعي، لكن كيف تفسر لنا وزارة الخارجية انغماسها في مشكل أنا أعتبره مشكل قانون داخلي محض وتافه بالنسبة إلى العلاقات الدولية، ما هو وزن هذه السيدة؟ وكيف يمكن للمغرب أن يرضخ لهذه الضغوط في حق شخص واحد بينما الدول التي تمارس هذه الضغوط تفتك بشعوب يوميا دون أن يقوى أي طرف على المساءلة. طبعا لا نتصور أن المغرب يمكن أن يقوم بهذا الدور، لكن هنا يظهر قصور المغرب عن تعبئة الرأي العام؛ لا نقول العالمي، ولكن فقط الداخلي. هل نحن قاصرون ولا نتوفر على أحزاب سياسية أو مجتمع مدني قادر على أن يقيم الدنيا احتجاجا على انتهاك هذه الدول لحقوق الإنسان في هذه المنطقة أو تلك. أنا أعتقد أن ما حدث هو مؤشر لتحول ما في الموقف الغربي، لاسيما من قبل هذه الدول الثلاثة، وأتمنى ألا يكون تحولا لا تحمد عقباه، والمغرب يجب بهذا الخصوص أن يفكر في الأسوأ، في أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن يصطدم بها. ماذا تقصدون بأسوأ السيناريوهات؟ إذا لم يتخذ المغرب العبرة مما حدث، وإذا ذهب إلى مانهاست للمفاوضات أو في أي مكان آخر، ويفهم أن موقف الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنساوإسبانيا له دلالات ومغزى، والمغرب مطلوب منه أن يفكك القن السري لهذه المواقف، فهذه الدول لم تأخذ هذه المواقف هكذا عبثا، وإنما هناك خلفيات ومصالح بنى عليها هؤلاء مواقفهم، فهل المغرب فكك هذا القن السري، وهل هو على الأقل مقبل على ذلك قبل أن يدخل في مفاوضات جديدة، ولتفكيك هذا القن وجب على المغرب أن يضع في اعتباره السيناريو الأسوأ. أعتقد أن على المغرب اليوم؛ قبل أن يدخل إلى المفاوضات، أن يدرس الحيثيات التي دفعت هذه الدول إلى إنتاج تلك المواقف ولو اعتبارنا أن المسألة تتعلق بحقوق الإنسان. إذا لم يفكر المغرب فيما يفكر فيه الخصم، فإنه لن يأمن أن يتم اللعب به مرة أخرى وأن يصدم بسيناريوهات سيئة لم يكن يتصورها، ولذلك أنا أقول لا بد من وضع السيناريو الأسوأ في الاعتبار، ولا بد من التفكير المسبق في جواب له. أنا أعتقد أن المغرب دفع في هذه القضية بتخطيط دقيق من قبل اللوبي الجزائري والمساند لجبهة البوليساريو في الكونغرس الأمريكي وفي فرنساوإسبانيا، دفع المغرب ليقع في هذا الخطأ لكي يتم حصاد نتائجه فيما بعد. هذا طعم قدم للمغرب، وابتلعه للأسف. وما هي النتائج التي حصدها الخصم في نظركم؟ لقد وضع المغرب في حرج، وليس من السهل على المغرب ولا على أي دولة في العالم أن يشار إليها بأصبع الاتهام فيما يخص انتهاك حقوق الإنسان ولو تعلق الأمر بفرد واحد، فقد كان كافيا عند الخصم أن يستثمر فردا واحدا كي تنقلب الأمور رأسا على عقب وتقوم مئات الجمعيات في إسبانيا بالشجب والاستنكار وممارسة الضغوط، والبرلمان الأوربي كان مجتمعا وسوف يصدر قرارا في الموضوع كأن شيئا خطيرا قد وقع، بينما الأمر لا يتعدى كونه مسألة داخلية كان ينبغي أن تحسم بالقانون داخليا، بينما تصرف المغرب تصرفا خاطئا وأعطى للخصوم فرصة استثمار هذه المسألة ضدا على مصلحة المغرب. في نظركم هل يمكن أن تؤثر هذه المسألة على المكتسبات الدبلوماسية التي حققها المغرب بطرحه لمبادرة الحكم الذاتي؟ أنا لست متشائما بالطبع، لكن في هذه القضية يتبين لي أن الريح قد تغيرت، فأنا بعكس ما قاله المسؤولون بأن المغرب خرج بانتصار جزئي، أنا أعتقد أن المغرب قدم ثمنا قاسيا في هذه المسألة التافهة، أخشى أن يكون ما حدث مؤشرا على تحول في موقف هذه الدول، وأخشى أن تبدي هذه الدول التي يعتبرها المغرب دولا صديقة أنيايا طويلة، لأننا نعرف أن اللوبي الجزائري يشتغل على مستوى الكونغرس الأمريكي بطريقة لا تتصور، ونعرف أن الكونغرس الأمريكي عبد لمولاه، وأنه يتبع من يدفع له أكثر، وقد نقلت الصحافة مؤخرا أن اللوبي الجزائري صرف أكثر من 500 ألف دولار على الكونغرس الأمريكي في الأشهر القليلة الماضية، ولا ندري ما هي المبالغ الحقيقية التي صرفت في هذا الاتجاه، وليس هناك شك أن هناك ضغوطا يمارسها الكونغرس الأمريكي لجعل الرأي العام الأمريكي في هذه القضية يتحول، وكما هو معروف، فوزارة الخارجية هي العبد المأمور، إذا قال لها الكونغرس أن تسير في هذا الاتجاه أو ذلك فيمكن أن يقلب عليها الدنيا إن لم تسايره في ذلك. أما بالنسبة لموضوع المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وكمتخصص في القانون الدولي قدم أطروحته في موضوع تقرير المصير، أعتقد أن الحكم الذاتي ورقة سابقة لأوانها وجاءت كهدية أعطيت للطرف الآخر الذي اعتبرها تنازلا ولم يستسغ القوة القانونية والسياسية التي تتضمنها، فهو اعتبرها تنازلا ويطالب بما هو أكثر، وفي تقديره أن تقرير المصير هو الاستقلال، والجزائر التي تتغنى بدفاعها عن حق تقرير المصير تنسى أن الحكم الذاتي هو نوع من أنواع تقرير المصير، وأن الاستقلال ليس بالضرورة هو تقرير المصير. المغرب مارس منذ أكثر من 30 سنة ما أسميه سياسية التعفن السياسي، يعني لسنا مستعجلين، ونحن فوق أقاليمنا الصحراوية، لكن لما قدم المغرب الحكم الذاتي كان رد فعل الخصم غير إيجابي لأنه اعتبره تنازلا، ولذلك فمن الجائز التساؤل: أو لم يسبق المغرب الأوان في طرحه لهذه المبادرة؟ لأنه في نظري إذا أردت أن توصل خصمك إلى مستوى معين، فأنت تضغط عليه بجميع الوسائل لكي يصل إلى المستوى الذي تريد، ومن ثمة كان الأنسب أن يتم الضغط على الخصم من أجل أن يطلب هو ذلك المستوى الذي أنت تريده أي الحكم الذاتي، هكذا تجري الأمور في المفاوضات وفي العلاقات الدولية بصفة عامة. أما كونك تهديه الحكم الذاتي بدون مقابل فهذا لن يقابل من جهة الخصم إلا بالإصرار على موقفه واعتبار الموقف المغربي تنازلا، وهذا ما صنعه البوليساريو، إذ أعطيناه اليد الأولى فطمع في كل الكتف، ولذلك أعتقد أن طرح المبادرة الذاتية كان تسرعا من قبل المغرب وأعطي لأعداء الوحدة الترابية للمغرب هدية، بل اعتباره تنازلا وضعفا. وما هي النتيجة التي ترتبت عن هذا، المغرب قدم ورقة ضخمة اسمها الحكم الذاتي، ولا أعرف منذ 25 سنة وأنا أدرس القانون الدولي والعلاقات الدولية، دولة صنعت ما صنعه المغرب في قضية مشابهة، ما ينتج عن ذلك أن المغرب بعد تقديمه لهذه الورقة بقي خاوي الوفاض، أي أنه لم يبق له أي ورقة يمكن أن يلعبها في المفاوضات مع الخصم، ما هي الأوراق القانونية الأخرى التي يمكن أن يلعب بها المغرب بعد ورقة الحكم الذاتي؟ لم يبق لنا ملتجأ قانوني يمكن أن نطرحه على الطاولة، إذ يمكن أن يشكل صفعة قانونية للخصم، اللهم إن كان عند المسؤولين في هذا البلد أمور تخفى علينا مما يمكن أن يساعدهم في الخروج من هذا المأزق. أما بالنسبة للوضعية الحالية، لاسيما بعد الحادث الأخير، فهي في الحقيقة وضعية غير مطمئنة. وفي نظركم ما هي الخيارات الممكنة بالنسبة للخارجية المغربية من أجل استعادة الموقف؟ أنا دائما أومن أن أحسن طريقة للدفاع هي الهجوم، وهذا ليس أمرا جديدا، ولكنه قديم قدم الزمان. أنا أعتبر أن المغرب طبق في هذه القضية الحكمة الإنجليزية التي تقول انتظر ثم انظر، لكن التطورات التي تشهدها العلاقات الدولية، والوقت أيضا ليس في صالح المغرب، وأنه كلما طالت كلما تأزمت، وكلما تأزمت كلما غيرت الدول من مواقفها بناء على تحالفات ومصالح وما إلى ذلك. في اعتقادي أن من مصلحة المغرب أن ينهي المسألة في أقرب وقت ممكن باتخاذه مواقف هجومية، وحتى لا يكون كلامنا نظريا يمكن أن نطرح أفكارا في هذا الإطار، ضعيفة كانت أم قوية، تملك الخارجية أفكار أحسن منها أو مثلها، المهم أن يفتح المجال للنقاش على هذا المستوى، ويتم تداول هذه الأفكار على قاعدة المبادرة الهجومية، مثلا هل يوجد لوبي مغربي في البرلمانات الغربية المؤثرة، وهل يوجد لوبي مغربي فعال في الكونغرس الأمريكي بغرفتيه، وفي البرلمان الفرنسي أو الإسباني بل في البرلمان الأوربي نفسه. الأمر يتعلق هنا بسبعة وعشرين دولة، ولو أنها اتخذت قرارا ضد المغرب لكنا في حالة مزرية، هل هناك لوبي مغربي ينفق، ليس في الحفلات والمهرجانات الفارغة التي لا قيمة لها، ولكن في الاتجاه الصحيح لدعم قضيته في الوحدة الترابية. أنا شخصيا لا أعرف شيئا اسمه لوبي مغربي، ولو كان موجودا لسمعنا به ولرأينا نتائجه، ثانيا يجب القيام بحملات متعددة الأنواع والأطراف والمزاج اتجاه الرأي العام الغربي الذي يوجد اليوم في موقف التأثير، وذلك عبر الصحافة وعبر المجتمع المدني بالجمعيات، وبالأطر العليا وبأساتذة القانون. ينبغي توظيف الأحزاب والمجتمع المدني وإطلاق مبادراته، ينبغي أن لا يبقى الرأي فيه استئثار من قبل البعض دون إشراك المواطن العادي والمواطن الذي له دراية أكثر فأكثر.. الاستئثار بالرأي هو طامة كبرى على هذه القضايا. ثم ثالثا يجب أن نقنع الغرب، ليس أن نشجعه فقط بالكلام الفارغ، يجب أن يقتنع الغرب عمليا بأن المغرب ينهج سياسة جدية في اتجاه الديمقراطية وتعزيز الحريات واحترام حقوق الإنسان وإصلاح العدالة وفي اتجاه النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد والرشوة؛ حتى يتعامل معنا هذا الغرب ويشعر أنه يتعامل مع طرف له مصداقية، وأعتقد أنه إذا بقينا مستمرين على نفس النهج السابق في الاعتماد على مجرد الخطابات والتعايش مع هذه الآفات التي تعتبر سوسة تنخر عود المغرب، فأعتقد جازما أننا لن نستطيع أن نقنع الغرب ولا أن نؤثر في موقفه. أمام المغرب مهام كثيرة تنتظره لتحقيق هذا الهدف، أمامه ورش العدالة وتحدي استقلالية القضاء، أمامه أيضا حرية الصحافة التي أصبحت اليوم تقمع وتوجه لها ضربات قوية من أجل إقبار صوتها وتعريض العديد من المنابر الإعلامية للإفلاس، أمام المغرب ملف ضخم اسمه محاربة الفساد والرشوة التي تستشري في أوصاله، أمام المغرب العديد من الملفات التي ينبغي أن يشتغل عليها بكل جدية حتى يبني مصداقيته لدى الغرب، ثم رابعا هناك موقع المغرب في الاتحاد الإفريقي، المعروف أن المغرب انسحب من منظمة الوحدة الإفريقية، وكان الأنسب ألا ينسحب، وأخالف الرأي هنا أستاذي محمد بنونة الذي كان ممثلا للمغرب في الأممالمتحدة. كان يمكن للمغرب ألا ينسحب وأن يلجأ إلى تصرف آخر يتيحه القانون كأن يتحفظ، فحين تنسحب رحمة الله عليك في العلاقات الدولية، إذ لا يكون لك من يتكلم باسمك، ولا يمكن أن نثق بأي دولة كيفما كانت أن تتكلم مكاننا. خامسا، الحملات التي دخلت فيها الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر ضمن ما يعرف بمواجهة خطر الإرهاب وتجارة المخدرات والسلاح في منطقة الساحل الإفريقي، أليس المغرب بصحرائه معنيا بهذه القضية أم لا؟ لماذا لا ينخرط المغرب في هذه الحملات من خلال جيشه وأجهزته الأمنية؟ ويثبت الحاجة الوظيفية إليه في المنطقة لمواجهة الإرهاب وتجارة السلاح والمخدرات التي تستشري في هذه المنطقة؟ أنا أعتقد أن المغرب كان يجب أن يكون حاضرا في هذه المنطقة بجيشه لمحاربة الإرهاب، هذه هي الموضة الجديدة للعلاقات الدولية اليوم، ولا تخفى الأهمية التي توليها الدول الغربية لشمال إفريقيا للتصدي لخطر الإرهاب ومنعه من التحول إلى أوربا ولمواجهة الهجرة السرية والمتاجرة بالمخدرات والسلاح. وبالمناسبة هناك العديد من المراكز الغربية اليوم وبشكل خاص مستودعات التفكير الأمريكية تعطي أولوية لتناول منطقة الساحل الإفريقي، وتركز على الدور الجزائري، في حين يظل الدور المغربي غائبا. وبمناسبة الحديث عن المراكز الغربية، يتبادر السؤال: كم من المراكز البحثية التي تستند إليها وزارة الخارجية المغربية لبناء موقف من المواقف في قضية من القضايا؟ بل كم من الأساتذة المتخصصين في القانون الدولي أو العلاقات الدولية تقوم وزارة الخارجية بالاستشارة معهم وأخذ أفكارهم؟ للأسف الخارجية المغربية لم تشرك من قبل، ولا تشرك اليوم المتخصصين في القانون العام ولا العلاقات الدولية في الجامعات المغربية كلها ولو بكلمة، فلم يسمح لأي متخصص في هذه التخصصات أن يدخل إلى مقر وزارة الداخلية ويعبر عن رأيه في موضوع من الموضوعات، كأننا لم ننتج عقولا يمكن أن يكون لها إسهام في خدمة وطنها. المطلوب أن يشرك العقل المغربي الذي كونته الجامعة المغربية في تقديم أفكاره، يؤخذ بها أم لا يؤخذ، المهم أن يترسخ تقليد لاستشارة المتخصصين في هذه الموضوعات، ثم هناك ورقة أخرى يمكن أن يلعب بها المغرب، وهو أن يوظف الهاجس الأمني أكثر من الجزائر بهذا الخصوص، لأن الجزائر لا زالت تعاني من الحرب الأهلية ولا تعيش استقرارا، بينما المغرب يعيش استقرارا ولا يعيش المشاكل التي تعاني منها الجزائر، وبالتالي إذا تحدثنا نحن عن الأمن والهاجس الأمني فنحن نلفت نظر الغرب أكثر من الجزائر، ثم أنا أتساءل دائما ومنذ البداية لماذا لم يلعب المغرب بورقة الإرهاب، ولماذا لم يفكر المغرب بنعت ما تقوم به جبهة البوليساريو في مخيمات تندوف بالإٍرهاب، ولماذا لا يعمل في هذا الاتجاه كي تنعت البوليساريو بأنها منظمة إرهابية، بل لماذا لم يلعب بورقة حقوق الإنسان بخصوص احتجاز الصحراويين في مخيمات تندوف، لماذا لم يتقدم المغرب بإدراج وضعية المحتجزين في مخيمات تندوف أمام مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة؟ في الخلاصة أنا أقول هناك ملفات كثيرة وأوراق متعددة يمكن أن يستخدمها المغرب في عملية هجوم ضد الموقف الجزائري وضد البوليساريو. كيف تنظرون إلى مستقبل الجولة المقبلة من المفاوضات في ظل الحديث عن جملة من الاشتراطات لاستئنافها؟ أنا أتخوف من ضغوط تمارس على المغرب تكون نتيجة لما حصل، إذا لم تكن هذه الضغوط مؤثرة، وإذا أخذ المغرب كل حذره مما يمكن أن يقع، فسوف تكون جولة أفرغ من الجولات السابقة، لأننا أصبحنا في هذه الجولات نمارس حوار الطرشان، إذ يتمسك كل طرف بموقفه، والكل يتكلم ولا أحد يسمع، ولذلك طالما جبهة البوليساريو لم تغير موقفها وطالما المغرب متمسك بمقترحه في الحكم الذاتي فعلى ماذا سيتفق الطرفان؟ على جلسة أخرى؟ أم على جولة جديدة من المفاوضات؟ أنا لا أعتقد أن هذه الجولات من المفاوضات ستكون لها فائدة إذا لم تكن هناك مبادرة جديدة أو بادرة من خلال هذا الطرف أو ذاك لتغيير الموقف، وكل خوفي يذهب حاليا إلى ضغوط قد تمارس على المغرب من خلال طعم أمينتو حيدر الذي ابتلعه المغرب مع كل أسف. وكيف تقرأ زيارة ممثل المبعوث الأممي المكلف بقضية الصحراء ولقاءه وزير الداخلية المغربي؟ المبعوث الأممي أو ممثله كمن سبقه لا يملك إلا ما تريده الدول، فهو أقل من وسيط، لأن الوسيط على الأقل تكون لديه أفكار يمكن أن تقبل أو ترفض، بخلاف المبعوث الأممي فهو لا يتجاوز محاولة إقناع الأطراف بالدخول في مفاوضات أخرى والخروج من وضعية التجمد الجليدي الذي تعرفه القضية. والذي يهم هو هل توافق المغرب والأطراف الأخرى؟ أما المبعوث الأممي فهو لا يمثل شيئا.. ولماذا لا يطبق المغرب مبادرة الحكم الذاتي على أرضه؟ ويضع جبهة البوليساريو أمام سياسة الأمر الواقع؟ هذا أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه المغرب، ولو طبقناه سوف تقف ضدنا كل الدول وستكون الأممالمتحدة بدورها ضدنا، لأنه سوف يكون دليلا على الهروب من الوضعية القانونية التي لا تخدم مصلحة المغرب، يعني سياسة الأمر الواقع، ولن يكون أدنى شك أن الأممالمتحدة سترفض ذلك، فدولة استعمارية كفرنسا كانت قامت باستفتاء في جزر القمر من غير إشراك الأممالمتحدة، وقبل بعض الجزر الاستقلال فيما قبلت جزر أخرى أن تبقى فرنسية، والأممالمتحدة رفضت ذلك، فإذا قام المغرب بذلك فسيكون خطأ فظيعا من الناحية القانونية والسياسية بدون شك. المغرب يقول بأنه مستقبلا سيتم التعامل مع مثل ما صنعته أمينتو حيدر بما يمليه القانون المغربي وأنه اكتسب من خلال الموقف الإسباني والفرنسي التغطية ليتعامل مع الانفصاليين الذين يمكن أن يقدموا على مثل ما فعلته أمينتو حيدر بالمحاكمة القضائية، في نظركم إلى أي حد يمكن للمغرب أن يقدم على ذلك، وهل هناك ضمانات ألا يستغل الملف مرة أخرى وتعبر هذه الدول عن مواقف صادمة للمغرب؟ هذا أفظع سؤال يمكن أن يوجه إلى وزير خارجية أو زير داخلية. أنا أعتقد أن تصرف المغرب رهين بقوته على الصمود، وقوة المغرب على ذلك مبنية على وسائل السياسية التي يعتمد عليها، السؤال هو ما هي الوسائل التي يتوفر عليها المغرب لتطبيق سياسته. أنا ليس لي اطلاع على المعطيات الدقيقة عند المسؤولين، لكن يتبين لي من خلال هذا الحادث أن المغرب لا يتوفر على وسائل سياسته، فكون أمينتو حيدر رجعت بضغوط أجنبية يدل في نظري على أن سياسة الفرض التي انتهجها المغرب لم يكن لديه وسائل السياسة التي تمكنه من الصمود في مواقفه، وحتى نكون واضحين، فالمغرب يبني سياسته الخارجية على مقولة الدول الصديقة ، ففي العالم العربي يبني مواقفه على منطق العلاقات والقبلات، ويبني علاقاته مع أوربا وأمريكا بمنطق الصداقة. العلاقات الدولية لم تبن أبدا على منطق الصداقة، ويمكن أن نعطي ألف مثال في التاريخ على أن أقرب صديق هو أقرب عدو، وبالتالي لا يمكن للمغرب أن يتمادى إلى الأبد في نهج سياسة الصداقة مع الآخر؛ معتقدا أن سياسته مع زيد أو مع عمرو هي التي ستمكنه من تحقيق مطالبه ومصالحه، وأعتقد أنه لو اكتشف وجود الأورانيوم في الصحراء لما صارت أمريكا تشعر بوجودنا في المنطقة، لأن الأمر هنا يتعلق بمصلحة محضة، وهنا يحضرني مثال شاه إيران الذي كان دركي الولاياتالمتحدة في المنطقة، وكانت وقتها تمده بأحدث الطائرات العسكرية مثل ف ,16 لكن لما وقعت الثورة الإيرانية ولم يكن لأمريكا أي خيار في إجهاضها، صار كالمجدوب يتحرك من مدينة إلى أخرى، حتى أمريكا رفضت أن تستقبله في أراضيها وتقدم له الاستقرار فيها كثمن جزاءا على وفائه وإخلاصه لها. ولذلك، أنا أقول لا يمكن للمغرب أن يستمر في بناء سياسته الخارجية على صداقات يمكن أن تتحول بين عشية أو ضحاها إلى عداوات.