يعتبر الدكتور إدريس لكريني أن الهدف من المناورات التي لجأ إليها خصوم الوحدة الترابية من خلال استثمار ورقة حقوق الإنسان (قضية أمينتو حيدر والمعتقلين السبعة) هو التشويش على الدعم الدولي الذي حظيت به هذه المبادرة، ثم محاولة كسب بعض الأوراق قبيل هذه المفاوضات المنتظرة، ويرى أن رفض المغرب طلب إسبانيا بإعادة أمينتو حيدر يندرج ضمن قرار سيادي، ويستبعد الباحث المتخصص في قضية الصحراء المغربية أن يكون لهذا الموقف انعكاسات سلبية على العلاقات المغربية الإسبانية، ويعتبر أن هذه العلاقات مبنية على مصالح حيوية وعلى أولويات واهتمامات مشتركة، وأن هذا الحادث العرضي لا يمكن أن يدفع صانعي القرار السياسي في البلدين إلى التضحية بهذه القضايا المشتركة، لكنه في نفس الوقت يرى أن المغرب مطالب بعدم الاستجابة للضغوط الإسبانية واستعمال الأوراق التي يملكها للرد على ضغوطات إسبانيا، وقطع الطريق على خصوم الوحدة الترابية. من جهة أخرى ينتقد الأستاذ لكريني التدبير الدبلوماسي المغربي لهذه القضية، ويعتبر أن أهم اختلالاته هو الأحادية والانغلاق وعدم التحول من الانفتاح المحسوب على مختلف الفاعلين إلى انفتاح حقيقي يعزز من موقع الدبلوماسية المصاحبة، ويفتح لها الطريق لتوضيح الموقف المغربي وحشد الدعم الدولي له وإبطال مناورات خصوم الوحدة الترابية. أثارت قضية أمينتو حيدر، بالإضافة إلى اعتقال سبعة من الصحراويين، تداعيات كبيرة ملف الصحراء، بحيث تم استثمار هذا الملف من قبل خصوم الوحدة الترابية من خلال الخلط بين ما هو سيادي أمني وما هو حقوقي، في نظركم ما هي الأهداف التي يروم خصوم الوحدة الترابية للمغرب تحقيقها من خلال هذه المناورات؟ بداية أود أن أشير إلى أن هذه التصرفات تأتي في ظرفية متميزة بالنسبة إلى التطورات التي عرفها ملف الصحراء، فبالنسبة لمشروع الحكم الذاتي، فقد عرف تجاوبا كبيرا من قبل مجموعة من القوى الكبرى، وثمنته الأممالمتحدة، مما أربك حسابات الخصوم وجعلهم في موقف حرج، ثم لا ننسى بأنه هناك استعدادات للدخول إلى جولة مقبلة من المفاوضات التي تجمع الأطراف المعنية. أعتقد أن هذا السلوك يأتي في سياق التشويش على الدعم الدولي الذي حظيت به هذه المبادرة، ثم محاولة كسب بعض الأوراق قبيل هذه المفاوضات المنتظرة، وأعتقد أن هناك مبالغة نوعا ما في استغلال هذا الملف، على اعتبار أن قضايا حقوق الإنسان في المغرب شهدت تطورا ملحوظا في السنوات المتأخرة، ولن تستثنى الأقاليم الصحراوية من هذه الدينامية التي عرفتها حقوق الإنسان، بحيث تمت مقاربة العديد من القضايا الحقوقية من قبل فعاليات حقوقية على قدم المساواة، مثل ما تقارب مجموع القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان في بقية مناطق المغرب، ولا ننسى أيضا في هذا السياق أن هناك مؤسسات رسمية كالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان كالمحاكم الإدارية، المفروض أن يتم أخذها بعين الاعتبار في جميع القضايا التي تتعلق بحقوق الإنسان في الإنسان، ولذلك، أنا أرى أن هذه المناورات لا تعدو أن تكون محاولة لاستثمار سيء لحقوق الإنسان لخدمة حسابات ضيقة في هذه المرحلة المتميزة التي تحدثت عنها سابقا. ماذا تقرأ في الاجتماع الأخير الذي جمع وزير الخارجية والتعاون المغربي الطيب الفاسي الفهري بالأمناء العامين للأحزاب السياسية، هل يتعلق الأمر بإعادة تقييم تدبير الملف ومحاولة تنزيل التوجيهات الملكية بضرورة لعب الأحزاب السياسية دورها في هذه القضية الوطنية، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون توجيه رسالة سياسية للعالم بأن المغرب حكومة وأحزابا لن يغير قراره باعتماد سياسة الحزم والوضوح التي أعلن عنها الملك في خطاب المسيرة الخضراء الأخير؟ بداية أشير إلى ملاحظتين أساسيتين: الملاحظة الأولى، وهي أن تدبير ملف الصحراء رغم أنه انطلق بمسيرة خضراء تؤشر على نهج صناع القرار السياسي المغربي لسياسة تشاركية في هذا الملف، إلا أن تدبير هذا الملف في المحطات التي تلت هذه الخطوة تميز بنوع من الانغلاق ونوع من الأحادية. مع الأسف، كان لهذا التدبير بعض الانعكاسات السلبية التي أرخت بظلالها على الملف . وقد تبين في أواخر التسعينيات تحديدا أن هذا التدبير لم يعد في مستوى التحديات المطروحة، لا على الصعيد الدولي ولا على الصعيد الداخلي، ولذلك لاحظنا نوعا من الانفتاح على بعض الشركاء الرسميين أو بعض الفاعلين الحزبيين أو بعض الفاعلين من المجتمع المدني، ثم لاحظنا أن هناك تطورا لافتا فيما يتعلق بتدبير القضية من زاوية الدبلوماسية المغربية على مستوى نسج علاقات دبلوماسية مبنية على مصالح اقتصادية مع مختلف الدول، سواء في إفريقيا أو أمريكا اللاتينية أو آسيا، فضلا عن تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوربي والولاياتالمتحدةالأمريكية. والملاحظة الثانية، وهي أنه على الرغم من الوعي بأهمية اعتماد سياسة تشاركية لتدبير الملف، وعلى الرغم من بروز مؤشرات على بداية تحول صانع القرار السياسي المغربي في اتجاه اعتماد سياسة الانفتاح على بقية الشركاء؛ إلا أن هذا الانفتاح بقي في حدود ما يمكن تسميته بالانفتاح المحسوب، وأقصد بذلك، أن معظم هؤلاء الفاعلين لم تتح لهم إمكانات فعالة تدعمها نصوص قانونية ودستورية تسمح لهم بإشراك فعلي في تدبير الملف، وبقي سقف هذا الانفتاح في أحسن أحواله استشاريا. هذا الاجتماع الذي جمع وزير الخارجية والتعاون السيد الطيب الفاسي الفهري مع الأمناء العامين للأحزاب يمكن أن نقرأه بأنه يؤشر على اقتناع صانع القرار السياسي المغربي بأهمية الانفتاح على مختلف الفاعلين المفترضين لتدبير هذا الملف، وهذا ما أكدته الخطابات الملكية الأخيرة التي ما فتئت تركز على أهمية إشراك مختلف الفاعلين، ليس فقط في تدبير هذا الملف، ولكن في مختلف قضايا الشأن المحلي. السؤال الذي يطرح هنا؟ هل هذا مؤشر على تحول في سياسة الانفتاح لجهة إشراك فعلي لهؤلاء الفاعلين، مبني على منحهم القوة الاقتراحية، واعتبارهم قوة فاعلة في تدبير هذا الملف وخدمته في إطار الإجماع الذي تحظى به القضية؟ أم أنه فقط يندرج ضمن دائرة الانفتاح المحسوب الذي تحدثت عنه سابقا. ثم هناك سؤال ثان يطرح في الموضوع، هل الأحزاب السياسية المغربية مستعدة للانخراط كفاعل وشريك في تدبير هذا الملف؟ وهل تتوفر على نخب قادرة على تحمل مسؤوليتها في المشاركة في تدبير هذه القضية، بحيث يكون لها القدرة على التفاوض والإقناع من خلال امتلاكها لخبرة معرفية وتاريخية وقانونية بالموضوع تسمح برفع التحديات وامتلاك المبادرة؟ ثم هناك إشكال ثالث في هذا السياق، إذ رغم أهمية الانفتاح على الأحزاب السياسية، والذي ينبغي أن يصاحب بتطوير أدائها على مستوى تجديد النخب ومستوى تكوين نخب تمتلك ثقافة دبلوماسية، وتتمتع بمنسوب عال من المعرفة بالقانون الدولي، رغم ذلك، هذا الانفتاح لا ينبغي أن يقف عند الأحزاب السياسية وحدها، وإنما يتطلب الأمر الانفتاح على مجموعة من الفعاليات التي يفترض أن تخدم هذا الملف، سواء تعلق الأمر بالمجتمع المدني أو المثقفين والباحثين والأكاديميين، ثم رجال الأعمال والمستثمرين، فهذه كلها فعاليات يمكن أن تخدم هذا الملف بشكل قد ينعكس بالإيجاب على الموقف المغربي وعلى الدعم الدولي لموقف المغرب ولمبادرة الحكم الذاتي التي اقترح أرضية للحل السياسي والنهائي للملف، لاسيما وأن الطرف الآخر يحسن استثمار وتوظيف فعاليات المجتمع المدني لخدمة طروحاته الانفصالية، أو على الأقل للتشويش على الموقف المغربي والتشويش على الدعم الدولي لمقترحه في الحكم الدولي. صدرت مؤخرا مواقف لبعض الأحزاب والشخصيات السياسية على خلفية تداعيات قضية أمينتو حيدر تنتقد الدبلوماسية الخارجية المغربية بتقصيرها وعدم اعتمادها دبلوماسية مصاحبة (أو موازية) لسياسة الحزم والوضوح التي أعلن عنها في الداخل، في نظركم هل يمكن اعتبار المناورات الأخيرة التي لجأ إليها خصوم الوحدة الترابية ناقوس إنذار يحذر من التدبير الأحادي لهذا الملف وتغييب بقية الفاعلين؟ مما لاشك فيه أن الخصم هو دائما يلعب على بعض نقط الضعف التي تبدو في تدبير الملف من قبل المغرب، ولذلك هذا التوظيف، ومع الأسف، تجاوب البعض معه من الدول الغربية، هذا التوظيف هو في الحقيقة يؤشر أو يدل على عدم وجود صوت مغربي قادر على إقناع هذه الدول أو هذه القوى ببعض المعطيات الواقعية والحقيقية، لأن هذا الملف هو أولا ملف حيوي وملف وازن بالنسبة إلى المغرب يرتبط بالوحدة الترابية، وبالتالي أنا أعتقد أنه من صالح الدولة أن تنفتح على مختلف الفاعلين من أجل أن يعملوا على تصحيح هذه المعطيات المغلوطة التي يقدمها الخصوم، وكذلك من أجل تدعيم الدبلوماسية الرسمية من خلال تحرك مواز ومصاحب ينبني على معطيات قانونية وتاريخية لإقناع الأطراف الدولية بوجهة نظر المغرب وبعناصر السياسة الداخلية التي ينتهجها وخلفياتها وأبعادها، وأعتقد أن تفعيل هذه الدبلوماسية المصاحبة خير من ترك المكان الفارغ لهؤلاء الخصوم الذين يستغلونه من أجل التشويش على الموقف المغربي ومحاولة كسب بعض الأوراق في جولات المفاوضات. حسب تحليلكم؛ فالهدف من تحركات خصوم الوحدة الترابية الأخيرة هو جلب الدعم الخارجي للتشويش على مبادرة المغرب للحكم الذاتي والطعن في مصداقيتها من خلال تشويه السمعة الحقوقية للمغرب خاصة في الصحراء، ثم إضعاف موقف المغرب في الجولة الثانية في المفاوضات، في نظركم ما هي انعكاسات قضية أمينتو حيدر والمعتقلين السبعة على المفاوضات المقلبة؟ أولا، فيما يتعلق بمبادرة الحكم الذاتي باعتباره حلا واقعيا طرحه المغرب يجمع بين منطق الاستقلال ومنطق الوحدة، هذا الحل أعتقد أن المجتمع الدولي اقتنع بأهميته وجديته، والدليل على ذلك هو الترحاب والاستحسان التي لقيته المبادرة من قبل مجموعة من القوى الدولية الكبرى كالولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا وغيرها، وبالإضافة إلى ذلك، لا ننسى بأن هناك أيضا ترحيب داخلي بهذه المبادرة، لا أتحدث هنا فقط عن الأحزاب السياسية، ولكن أتحدث عن كل المجتمع المغربي، وبشكل خاص عن النخب في الأقاليم الصحراوية التي رأت فيه أرضية مناسبة يمكن أن تسمح للساكنة بتدبير شؤونها المحلية بنوع من الديمقراطية في إطار وحدة التراب المغربي، وطبعا لا ننسى أن طرح هذه المبادرة أسهم في عودة الكثير من الصحراويين إلى أرض الوطن لاقتناعهم بنجاعة هذه المبادرة. من ناحية أخرى ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار أيضا أن الأممالمتحدة تعاملت مع هذه المبادرة بنوع من الاستحسان، إذ لم يعد مجلس المن يتحدث عن حق التقرير المصير بمفهومه التقليدي، ولكننا أصبحنا نسمع لأول مرة عبارة مثل حل واقعي، أو عبارة حل تفاوضي، ولا ننسى أن مبادرة الحكم الذاتي ذاتها هي أرضية للتفاوض، إذ أنها نفسها تحث عليه، ولم تضمن مقتضياتها الصلاحيات المفوضة للساكنة بشكل حصري، بل تركتها مفتوحة على المعطيات التي قد تفرزها العملية التفاوضية . ولذلك أنا أعتقد أن لجوء خصوم الوحدة الترابية لهذا المسلك في التوظيف المنحرف لورقة حقوق الإنسان بقدر ما هو رد فعل على النجاح الذي حققته المبادرة المغربية للحكم الذاتي بقدر ما يعكس إفلاس مقاربة الخصوم، وحين نقول إفلاس مقاربة الخصوم نتذكر تصريح الأمين العام للأمم المتحدة بعد أن تعايش مع المشكل وفهم جذوره واستمع إلى مختلف الآراء من هذا الطرف وذاك، نتذكر تصريحه حين قال بأن تقرير المصير بالشكل الذي تطرحه جبهة البوليساريو هو حل غير واقعي، ولعل الشعور بهذا الإفلاس هو الذي دفع أطرافا من البوليساريو للتهديد بالعودة إلى العمل المسلح، أقول بعد النجاح الذي حققته المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وبعد إفلاس مقاربة الخصوم، بدأ التوجه إلى اللعب على ورقة حقوق الإنسان، وخصوصا وأن قضايا حقوق الإنسان أصبح لها بعد دولي في ظل الواقع الدولي الحالي، هناك من أصبح يستثمرها بشكل منحرف، كما هو الشأن بالنسبة لهذه القضية، ولذلك، يمكن أن نقرأ هذا السلوك بأنه محاولة واضحة للتشويش على النجاحات التي حققتها هذه المبادرة من جهة، وأيضا لكسب بعض الأوراق قبيل المفاوضات التي كان من المنتظر أن تنطلق في غضون أسابيع قليلة، كل هذه المعطيات تجعلنا أمام مشكلة تتطلب مقاربتها من الدبلوماسية المغربية بنوع من العقلنة والرزانة ومن غير تسرع؛ حتى لا تعطي فرصة للخصوم كي يكسبوا أوراقا أخرى يمكن أن يستفيدوا منها في جولة المفاوضات المقبلة، ولذلك أؤكد على أهمية الانفتاح على مختلف الفاعلين من أجل أن ينخرطوا بنوع من الجدية والفعالية لتوضيح رؤية المغرب والرد على طروحات الخصوم، والتذكير بمكتسبات المغرب في حقوق الإنسان، وأنه شهد في السنوات الأخيرة تطورا ملموسا على هذا المستوى عكسته بعض التدابير التشريعية المرتبطة بالتعديل الدستوري ,1996 ومرتبطة بالعديد من النصوص التشريعية، مرتبطة أيضا ببعض التدابير والإجراءات الهيكلية مثل إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة وإحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ثم لا ننسى دينامية المجتمع المدني في حقوق الإنسان وفضح وسائل الإعلام لبعض الانتهاكات الحقوقية، هذه كلها مؤشرات توضح بأن المغرب ليس بحاجة إلى أن تتدخل قوى خارجية لكي تلزمه باحترام حقوق الإنسان طالما أن هناك دينامية فعالة في حقوق الإنسان في الداخل، فالجمعيات الحقوقية في المغرب تقوم بدور فاعل في المجال الحقوقي في الأقاليم الجنوبية، ويمكن أن نذكر في هذا السياق الدينامية الحقوقية على مستوى أحداث سيدي إفني وأحداث العيون سابقا، حيث كانت هناك مواقف حقوقية تحرج الدولة في كثير من الأحيان، ولذلك فالمغرب ليس في حاجة كي تقدم له دروس من القوى الخارجية طالما أن هناك فاعلين داخليين ومؤسسات داخلية تشتغل على هذه الملفات في المغرب كله بما في ذلك الأقاليم الجنوبية. بخصوص الدعم الدولي للمغرب ، هل تتصورن أن هذه القضية ستؤثر على تحالفات المغرب الدولية؟ لا أعتقد أن الأمر سيصل إلى هذا الحد، كل ما في الأمر أن الخصوم حاولوا استثمار هذه القضية، وهناك بعض الفاعلين الذين تعاملوا معها من منظور إنساني، لكن، أعتقد بأن المغرب الآن مطالب بالتحرك على نطلق واسع وعلى مختلف المستويات من أجل كشف زيف وتهافت هذه الادعاءات، وكذلك إبراز هذه الدينامية التي تحدثت عنها، والتي عرفها المغرب على مستوى حقوق الإنسان، وتوضيح حقيقية سياسة الوضوح والحزم عنها، وأنها سياسة سيادية تقصد من جهة حالة الازدواجية وتمنع التخابر لجهة أجنبية، وهو أمر مسلم به في جميع الدول السيادية، وأن الأمر لا علاقة له من قريب أو بعيد بقضية حقوق الإنسان كما يروج لذلك الخصوم. تتضارب التحليلات بخصوص الموقف الجزائري في هذا الملف بين من يعتبر هذه التحركات جزاء من مناورة جزائرية يتم تنفيذها عبر جبهة البوليساريو وبين من يرى أن الجزائر تكتفي بهذا الموضوع بتقديم الخبرة الدبلوماسية، في نظركم كيف تقرؤون الاستراتيجية الجزائرية في هذا الملف، وما الحجم الذي تأخذه قضية أمينتو حيدر والمعتقلين السبعة ضمنها؟ هو أولا فيما يتعلق بهذا الملف لا يمكن أن ننفي الدور الجزائري، الدور الجزائري واضح وجلي ليس فقط على المستوى الدبلوماسي ولكن أيضا على مستوى الدور المادي وعلى مستوى توفير الاحتضان الكامل لجبهة البوليساريو، وفيما يتعلق بتوظيف هذا الملف على المستوى الدبلوماسي أعتقد أن دور الجزائر واضح فيه، فالجزائر معروفة بدبلوماسيتها النشطة في هذا المجال. وهنا أسجل ملاحظة مهمة وهي أننا عندما نتحدث عن حل سياسي لقضية الصحراء يكون في خدمة شعوب المنطقة وفي خدمة مستقبل المنطقة وفي خدمة الاتحاد المغاربي، أعتقد أنه يفترض أولا حسن نية الطرفين المباشرين: المغرب والبوليساريو، وأعتقد أنه إذا كان يفترض حسن نية الطرفين، فإنه يفترض أيضا حسن نية وتوفير جو من الثقة من قبل الأطراف الإقليمية المعنية مباشرة بهذا الصراع، وهنا أتحدث بشكل خاص عن الجزائر، فهي مطالبة أن تفك وصايتها وهيمنتها على البوليساريو بالشكل الذي يجعل هذه الأخيرة تستوعب مبادرة المغرب للحكم الذاتي، للأسف هذا الطرف لا يمنح المغرب حتى فرصة توضيح هذه المبادرة، فهو يرفضها بدون أن يعي أهميتها ولا مدلولها. وبالتالي، دور الجزائر موجود وحاضر بقوة، وتبين ذلك في كثير من المناسبات التي يضيق المجال لذكرها. أما من حيث موقع قضية أمينتو حيدر والمعتقلين السبعة ضمن استراتيجية الجزائر، فيمكن أن نتناول الموضوع بالنظر إلى النجاعة الدبلوماسية الجزائرية التي توظف القنوات الرسمية والقنوات غير الرسمية وتوظف المجتمع المدني والمساعدات الاقتصادية والإنسانية وغيرها من القنوات المحسوبة ضمن الدبلوماسية الموازية، فبالتأكيد ستعلب الجزائر عن هذه القضية، وأكيد أن الجزائر استثمرت وتستثمر هذه المحطة، لكن، المطلوب من المغرب أن يتعامل بنوع من الرزانة ونوع من التأني مع هذه القضية حتى يقطع الطريق على كل من يفكر في استثمارها ضدا على مصالح المغرب وثوابته في قضيته الوطنية. صرحت أمينتو حيدر في ندوة صحفية بإسبانية أن عرضا قدم لها دون أن تكشف مصدره بالرجوع إلى العيون، وأفادت وسائل الإعلام أن إسبانيا قدمت طلبا رسميا للمغرب لإرجاعها إلى المغرب، لكن المغرب رفض ذلك، كيف تقرأ تطورات هذا الموقف؟ وهل سيكون لهذه التطورات انعكاسات على العلاقات المغربية الإسبانية؟ أعتقد أن اتخاذ هذا الحادث مؤشر للحديث عن انعكاسات له على العلاقات الإسبانية المغربية ينطوي على بعض المبالغة في التقدير، لأن العلاقات الدبلوماسية المغرب الإسبانية هي علاقات مبنية على مجموعة من المصالح المشتركة والحيوية، فإسبانيا هي الشريك الاقتصادي الثاني بالنسبة إلى المغرب بعد فرنسا، ولا ننسى أن هناك عددا كبيرا من المهاجرين المغاربة في إسبانيا، ولا ننسى أن هناك قضايا واهتمامات وأولويات مشتركة بين المغرب وإسبانيا من قبيل مكافحة الإرهاب ومكافحة الهجرة السرية ومكافحة المخدرات، فهذه الأمور لا يمكن أن تدفع المسؤولين عن البلدين لأن يجعلا من حادث عرضي من هذا النوع يؤثر على العلاقات الحيوية بين البلدين. لكن رغم ذلك، أعتقد أن المغرب ينبغي ألا يقف مكتوف الأيدي أمام بعض التصريحات أو بعض المناورات التي قد تقوم بها إسبانيا للضغط على المغرب من أجل أن يتراجع عن موقفه الذي أعتقد أنه موقف سليم وسيادي، فالمغرب أيضا يملك مجموعة من الأوراق للضغط على إسبانيا، فهو يملك أوراقا اقتصادية واتفاقات، لاسيما في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إسبانيا حاليا، ويملك أوراقا أمنية، ومن اللازم على المغرب أن يرفع هذه الملفات في وجه إسبانيا بالشكل الذي يفوت الفرصة على استغلال الخصوم لهذه الأوضاع من أجل تحقيق بعض المكاسب أو وضع المغرب في موقع حرج أمام المنتظم الدولي. كيف تقيمون التدبير المغربي لهذه القضية؟ وما هي أهم الاختلالات فيه؟ في اعتقادي أن الشخص الذي لا يعترف بهويته وبالوثائق التي تثبت هذه الهوية وفي نفس الوقت يريد أن يستفيد من الحقوق التي تخولها له هذه الهوية، فأعتقد أن هذا أمر يكتنفه مجموعة من التناقضات، فأن تستفيد أمينتو حيدر من تعويضات جبر الضرر بوصفها مغربية في إطار هيئة الإنصاف والمصالحة حسب ما أفادت بذلك بعض وسائل الإعلام، ثم تلجأ إلى هذا التعامل مع الوثائق التي تثبت الهوية بهذا المنطق الانتقائي، أعتقد أن هذا التصرف يعطي مصداقية لرد الفعل الذي اتخذه المغرب. ولذلك، أنا أتوقع أن تستمر الضغوطات، لكن المغرب مطالب أن يخرج معافى من هذه الأزمة من خلال تجنيد مختلف الفاعلين من أحزاب ومجتمع مدني وإعلام وقنوات رسمية وغير رسمية من أجل تصحيح الصورة المغلوطة التي يقدمها الخصوم وتوضيح الموقف المغربي. في نظركم ما هي الخطوات الدبلوماسية التي ينبغي على المغرب أن يعتمدها لإبطال هذه المناورات؟ وهل يمكن للوسائل الدبلوماسية أن تقنع الدول الكبرى خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكيةوإسبانيا بأن سياسة الحزم والوضوح التي سيعتمدها المغرب تمليها الاعتبارات السيادية والأمنية وليست تسويغا للانتهاكات الحقوقية ضد الصحراويين؟ أولا فيما يتعلق بتدبير أي ملف على الصعيد الدولي، ينبغي أن نستحضر بأن هناك مجموعة من التحولات التي وقعت في هذا الشأن. لم يعد ممكنا إقناع الأطراف الدولية بقضية أو بالانخراط في الدفاع عن قضية من خلال العلاقات السياسية أو بعض الزيارات الرسمية، ولكن الأمر يفترض استثمار مجموعة من الإمكانات المتوازية، طبعا المغرب مطالب بأن يعزز علاقاته الاقتصادية ومصالحه، لأن لغة العصر هي لغة المصالح، فينبغي أن توظف مجموعة من الاعتبارات الاقتصادية والثقافية والدينية مع مختلف البلدان، والمفترض أيضا إشراك مختلف الفاعلين من أجل الانخراط في الدفاع عن الموقف المغربي وتوضيحه واعتماد دبلوماسية هجومية، وهنا نتحدث عن الأحزاب، ودور الإعلام، ودور المجتمع المدني، ودور الدبلوماسية البرلمانية، فعندما تسير الدبلوماسية بهذا الشكل الجماعي والمتنوع أعتقد أنها في نهاية المطاف ستخدم القضية من جوانب مختلفة في إطار الهدف الواحد هو الدفاع عن الوحدة الترابية و إقناع الأطراف الدولية بمشروعية الرؤية المغربية والموقف المغربي، وبالتالي فتدبير هذا الملف اليوم هو في منعطف هام ينبغي أن يكون محطة لمراجعة مختلف الاختلالات والمشاكل التي اعترضت تدبير الملف منذ سنوات، ومحاولة استثمار هذا الإجماع الذي للأسف لم يوظف لحد لآن بشكل جيد، وننتقل بذلك من الانفتاح المحسوب إلى انفتاح حقيقي تعززه وتدعمه النصوص القانونية بالشكل الذي يجعل هؤلاء الفاعلين في إطار الدبلوماسية الموازية يخدمون هذا الملف على مختلف فالمستويات. وبالتأكيد هذا الانفتاح سيفوت كل فرصة قد يستغلها الخصوم للنيل من هذه قضية الوحدة الترابية للمغرب..