إذا صح ما أفادت به مصادر عدة من كون وزارة الخارجية كانت تعتزم تنسيق زيارة حزبية لإسبانيا بوفد يضم جميع الأحزاب المغربية وأن هذه المبادرة أفشلتها الزيارة الاستباقية للأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة الخميس الماضي، والتخريجة الإعلامية الرسمية التي واكبتها، والتي أعطت للزيارة طابعا حزبيا مبالغا فيه انتقد على أكثر من صعيد، إذا صح هذا فسنكون أمام فضيحة سياسية بلون وذوقين خاصين. فرغم أن مؤشرات متواترة تكشف، وهذا من حقه، عن عمل حزب التراكتور على تكريس صورة الحزب الوحيد المناضل والمبادر في ملف الصحراء، فإن هذا لا يسوغ أن يدك هذا السلوك حق باقي الأحزاب في النضال في القضية الوطنية، مما يجعلنا مرة أخرى أمام صورة تخنق فيها الميولات السياسوية القضية الوطنية. والمتأمل في الدبلوماسية الحزبية في ملف الصحراء على ضوء ملف أميناتو حيدر سوف يلاحظ أن مبادرة الشيخ بيد الله قد أضعفتها عمليا وبشكل غير مسبوق على عدة مستويات. ويتعلق المستوى الأول بكون المبادرة الحزبية كان بإمكانها أن تكون أقوى سياسيا وإعلاميا لو تمت بشكل جماعي رغم أنه لا شيئ يلزمها بالتحرك وفق صيغة محددة. والأمر المنتقد هو انتقال الدبلوماسية الحزبية من الشكل الجماعي إلى الشكل الانفرادي بفعل الأمر الواقع الذي فرضته مبادرة البام. المستوى الثاني يتعلق باستحالة استفادة المبادرات الحزبية الانفرادية بنفس الاهتمام الذي حظيت به زيارة بيد الله. فمن الصعب أن تولي الحكومة الاسبانية وأحزابها ومنظمات المجتمع المدني فيها نفس الاهتمام الذي لاقاه بيد الله لعدة أحزاب سيزورونها متفرقة، كما يصعب أن تقوم وسائل الإعلام العمومية بتغطية زيارات تلك الأحزاب كلها فكيف بإعطائها نفس الاهتمام الذي أعطته لزيارة بيد الله. المستوى الثالث يتعلق بكون الحديث عن الزيارة الحزبية الجماعية تم توظيفه لصالح حزب التراكتور، إذ رهن ذلك الحديث تحركات باقي الأحزاب وحد من قدرتها على المبادرة، وكما يقول المثل الشعبي ركدها على جنبها ليمن، وفسح المجال أمام بيد الله ليقوم بمبادرته في غياب أي منافسة حزبية. المستوى الرابع يتعلق بكون الحديث عن المبادرة الحزبية الجماعية وإلغاؤها أعطى امتيازا استثنائيا لحزب بيد الله، فهو من جهة استفاد من التغطية الإعلامية الرسمية ومن الاهتمام الإسباني الكبير، ومن جهة ثانية أصبح بفعل التخلي عن المبادرة الجماعية في صورة الحزب المبادر الوحيد، وهو ما من شأنه أن يظهر باقي الأحزاب في موقع ردود الفعل وموقع التابع لا غير ...! ويبين ما سبق أن اختلال الدبلوماسية الحزبية في ملف الصحراء في تطوراته الأخيرة يحمل عدة دلالات تسيء إلى تدبيره وخاصة في محطته الحرجة الحالية. وبالرجوع إلى تناول الإعلام الرسمي لزيارة رئيس مجلس المستشارين الشيخ بيد الله لإسبانيا الخميس الماضي، وباستحضار الملاحظات السابقة، نجد أن إضفاء الصبغة الحزبية على تلك الزيارة يطرح عدة إشكالات، إذ إن التغطيات الرسمية في التلفزة والإذاعة وقرابة عشر قصاصات خبرية أوردتها وكالة المغرب العربي للإنباء حينها، تقدم بيد الله بصفته الحزبية أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة دون أي صفة رسمية أخرى له، ودون أن ترفع اللبس الحاصل في ما إذا كان الأمر يتعلق بزيارة في إطار نشاط حزبي أم نشاط رسمي مؤدى من المال العام. وتجعل عدة اعتبارات إضفاء الطابع الحزبي على زيارة بيد الله لإسبانيا محاطا بالتباس كبير. يتعلق الاعتبار الأول بطبيعة الاستقبال الذي حظي به بيد الله في إسبانيا، والذي اعتبره ملاحظون استقبالا رسميا لمسؤول في الدولة المغربية وليس لأمين عام حزب سياسي فيها. الاعتبار الثاني، والذي يزيد الالتباس قوة، يتعلق بدلالات تلك الزيارة في ظل وجود مبادرة لزيارة وفد حزبي مغربي لإسبانيا حسب مصادر مطلعة، مما يثير السؤال عن دلالات إضفاء الطابع الحزبي على زيارة بيد الله لإسبانيا، وحول ما إذا كانت الظرفية والقضية تسمحان بتسجيل سباق حزبي من شأنه الإضرار بالقضية الوطنية. الاعتبار الثالث يتعلق بطبيعة الوفد، أو الرفقة، الذي نظم خلاله بيد الله لقاءاته مع الناطقين باسم الفرق النيابية بلجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الإسباني، فقد تمت تلك اللقاءات رفقة سفير المغرب بإسبانيا، عمر عزيمان، ورئيسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والشؤون الإسلامية بمجلس النواب، مباركة بوعيدة، اللذان تم تقديمهما إعلاميا بهذه الصفات غير الحزبية، علما أنهما ليسا أعضاء في حزب الأصالة والمعاصرة. وإذا اكتفينا بهذه الاعتبارات التي تجعل زيارة بيد الله لإسبانيا زيارة رسمية فإن الالتباس والغرابة يزدادان حين تصر الرواية الإعلامية الرسمية على إضفاء الطابع الحزبي على تلك الزيارة وتجاهل صفات بيد الله غير الحزبية بالتمام. وتفرض النازلة توضيحا يرفع عنها اللبس ويحصن قضية جميع المغاربة من أي استغلال حزبي ضيق، مع العلم أن زيارات أمناء وحزبيين سابقين لم يحضروا حتى بمعشار التغطية التي حظيت بها زيارة بيد الله لإسبانيا. نعم؛ إن من واجب حزب الأصالة والمعاصرة، كما هو الشأن بالنسبة لأي حزب مغربي غيره، أن يقوم بمبادرات داخلية وخارجية لصالح القضية الوطنية. لكن الواجب على هذا الحزب أن يحرر مبادراته من الوقوع في الخلط واللبس والتماهي مع مبادرات الدولة، وعلى وسائل الإعلام العمومية أن لا تنخرط في الدعاية الحزبية الضيقة، والتي من شأنها إضعاف المبادرة الحزبية العامة. خاصة وأن الظرفية التي يمر منها ملف الصحراء شديدة الحساسية وتحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى رسائل تعكس قوة غير مسبوقة في المواقف والمعالجة.