يحتفل الجسم الصحفي هذه السنة باليوم الوطني للإعلام على إيقاع توتر غير مسبوق بين الصحافة الوطنية والسلطة وصل حد إعدام بعض الصحف، وإدانة بعض الصحفيين بأحكام حبسية قاسية نافذة وغير نافذة، ناهيك عن الغرامات المالية الخيالية التي تسهدف القتل البطيء لهذه الصحف. لكن الجديد هذه السنة هو الوعي الراسخ الذي عبرت عنه العديد من المنابر الصحفية بالحاجة إلى نقد ذاتي حقيقي لا يتوجه فقط إلى بحث طبيعة التدبير الإعلامي لموضوع المؤسسة الملكية والثوابت الدستورية، ولكن يتعدى ذلك إلى قضية الحرية والمهنية وأخلاقيات المهنة. إن الاعتذارات التي قدمها العديد من الصحفيين عن أخطاء مهنية وقعوا فيها إما بسبب عدم التثبت، أو عدم التوفق في الصياغة السليمة لمعادلة الحرية والمسؤولية في خطهم التحريري (الحرية) أو غيرها من الأسباب، إن هذه الاعتذارات بقدر ما تعبر عن شجاعة في الموقف، بقدر ما تعكس نوعا من الوعي داخل الجسم الصحفي بخطورة تنامي ظواهر تهدد قواعد العمل الصحفي المهني وتسيء إلى سمعة الجسم الصحفي وتفقد ثقة النخب والرأي العام فيه. بيد أن هذا الوعي الذي بدأ يتنامى في الأوساط الصحفية لم يرتفع بعد إلى درجة إقرار ميثاق شرف جماعي، وإنشاء هيئة حكماء تتمتع بمصداقية كبيرة تكون بمثابة الضمير الأخلاقي والمهني للجسم الصحفي تتابع الإنتاج الصحفي، وتقف عند عثراته وتتدخل لإعادة الاعتبار لقواعد وأخلاقيات المهنة وتمنع الانزلاق بالصحافة باسم الحرية إلى مواقف غير مسؤولة. فلا زالت بعض المنابر الصحفية تعتدي على قواعد العمل الصحفي، وتنتهك حرمات الأشخاص، وتنقل الأخبار استنادا إلى شائعات أو إلى مصادر وهمية، وتنقل أخبارا من غير تثبت ولا تأكد من صحة الخبر من الأطراف المعنية، بل وعادت ظاهرة التنابز بين الصحفيين إلى البروز وبشدة بعد أن خفت حدتها بالمقارنة مع السنوات التي مضت، في حين برزت هذه السنة ظاهرة غير مسبوقة تجلت في استهداف الآداب العامة وتكثيف حضور الصورة المخلة للحياء والأخلاق العامة، ناهيك عن ملفات إعلامية خرجت عن دائرة تقديم المعلومة الخبرية عن ظواهر قيمية، وانخرطت بدل ذلك في الترويج لرموزها (الشذوذ الجنسي) أو التسويغ لها والإقناع بجدواها (الكوكيبيناج) خلافا لقانون الصحافة ومدونة الأسرة والقوانين التي تضمنتها مجموعة القانون الجنائي، كما تكثفت هذه السنة ملفات عن الدعارة والجنس في المغرب، واستثمرت بعض المنابر - مؤطرة بالبعد التجاري - صورا مخلة بالحياء والأخلاق العامة ضدا على قانون الصحافة وعلى أخلاقيات المهنة. يبدو أن الوعي بالحاجة إلى النقد الذاتي، وبضرورة التقيد بقواعد العمل الصحفي ومراعاة أخلاقيات المهنة، والوعي بضرورة فتح نقاش واسع بين مكونات الجسد الصحفي حول حدود الحرية في التناول الإعلامي، يبدو أن هذا الوعي بمختلف مستوياته، يحتاج إلى أن يتجاوز مرحلة الأماني وإعلانات حسن النية، ويترجم في شكل إرادة جماعية تنهي حالة الفوضى واليأس من إصلاح أعطاب السلطة الرابعة، وتتجه رأسا إلى الجانب العملي في الموضوع، بدءا بميثاق شرف يوقعه الجميع، وانتهاءا بتشكيل هيئة تكون بمثابة الضمير الأخلاقي والمهني والسلطة المعيارية التي ترصد الأداء الصحفي وتراقبه وتقومه وتحرص ألا تنزلق الصحافة عن أداء مهمتها النبيلة.