الافتتاحيات البيضاء جاءت احتجاجا على ممارسات السلطة الدارالبيضاء- "حذفته الأحكام المجنونة".. "بياض هذه الافتتاحية تعبير عن احتجاجنا على المحنة التي تواجه الصحافة المغربية".. "حذفته الأحكام الجائرة ضد الصحف".. "Non à l'escalade judiciaire contre la presse écrite" (لا للأحكام القانونية المتصاعدة ضد الصحافة).. تلك بعض العناوين التي ذيلت بها الجرائد المغربية الناطقة بالعربية والفرنسية افتتاحياتها البيضاء، وذلك في خطوة غير مسبوقة، احتجاجا عما يعتبره الصحفيون "تضييقا متزايدا تمارسه السلطة على مهنة المتاعب (الصحافة)". واختارت أزيد من 15 جريدة مغربية حجب افتتاحياتها لعدد أمس الجمعة، رافعة شعار "يوم بدون افتتاحيات الصحف" تنديدا بما قال الصحفيون إنه "تضييق متزايد تنفذه السلطة ضد الصحفيين من خلال محاكمات الصحف وتغريم أصحابها مبالغ مالية باهظة بغية إسكاتهم". وكانت آخر فصول التضيقات المستمرة على الصحف المكتوبة أمام القضاء المغربي قد جرت الأسبوع الماضي، حين قضت المحكمة الابتدائية بمدينة الدارالبيضاء بتغريم ثلاث يوميات هي "المساء" و"الجريدة الأولى" و"الأحداث المغربية" بأداء كل واحدة منها غرامة مالية قدرها 110 ملايين سنتيم (372 ألف دولار) تعويضا عن "الضرر للرئيس الليبي معمر القذافي"، إثر انتقادات وجهتها الصحف إليه. طالع أيضا كرامة القذافي تكلف صحفا مغربية 370 ألف دولار استقالات "غامضة" من "المساء" المغربية حرمان الصحفيين المغاربة من مهنتهم.. الكابوس يعود! واحتجاجا على ذلك أصدرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية عقبه بيانا استنكرت فيه الحكم الذي اعتبرته "يؤسس لممارسات من شأنها الإجهاز على حرية الصحافة وإسكات صوتها، ويشكل ضغطا على الصحافة الوطنية بهدف عدم توجيه أي نقد لرؤساء الدول الأجنبية أو الدبلوماسيين حتى ولو كانت الوقائع المنسوبة إليهم صحيحة وتدخل في إطار حرية الرأي والتعبير". وعلى إثر ذلك اجتمعت "الفيدرالية المغربية لناشري الصحف"، التي تضم مديري وناشري الجرائد، للنظر فيما اعتبرته "الوضع المقلق للصحافة المكتوبة بالمغرب"، منددة ب"الأحكام القضائية الخطيرة التي تعرضت لها المنابر الصحفية المغربية"، لينبثق عن هذا الحراك الإعلامي مبادرة "يوم بدون افتتاحيات الصحف". "الاحتجاج" بالبياض وتعليقا على هذا الأسلوب الاحتجاجي الذي اتخذته الصحف المغربية قال الفنان الساخر والكاتب المعارض "أحمد السنوسي": "تصدر الصحف بافتتاحيات بيضاء ناصع لونها وصارخ مضمونها، غير المرئي، لتعلن الرفض المطلق لرقابة جبانة لا تجرؤ على إسقاط الأقنعة عن وجهها المقيت بل تتسر وراء حجاب من دخان". وعن الهدف من ملاحقة الصحف قال الفنان المغربي في مقال له أمس بيومية "المساء" بعنوان "الكتابة بالبياض": "ليس فقط من أجل تقليم أظافر الصحافة وتكسير أقلامها وخنق حروفها، بل أيضا من أجل وأدها في المهد وإدخالها في مرحلة احتضار بطيء عبر حث القضاء على إنزال سيف دمقليس على رأسها بغرامات عبثية". وتوجه في ختام مقالته إلى المسئولين بكلامه: "لكي يقرءوا بياض افتتاحيات الصحف الصادرة، إذ إنه بياض ينذر بسواد". بدوره كتب الصحفي "المختار الغزيوي" بجريدة "الأحداث المغربية"، والذي كان ضمن المتهمين في ملاحقة القذافي للجرائد المغربية الثلاث، "كل الرسائل التي تصلنا كجسم مهني تقول النتيجة ذاتها.. هناك اليوم ضيق من الحرية التي اختارتها جرائد للقيام بعملها، وهناك اليوم تعب من الصحافة ومن كل ما قد يأتي منها طالما أنه لا يأتي منها حسب أصحاب الحال إلا (صداع الرأس)". وختم الغزيوي في عموده "في الواجهة" بالقول: "كدنا نكفر بمقدار الحرية الممنوح لنا في هذا البلد، وكدنا نكتب جميعا في كل عناويننا: صمتا إنهم يقتلوننا، والسلام". "أقل الإيمان" من جهته علق الصحفي والسياسي المغربي خالد الجامعي على هذه المبادرة بقوله: "هذا أقل الإيمان"، وأضاف: "رغم أن هذه المبادرة تأخرت، لكن فوقاش جا الخير ينفع (تحركنا في هذا الوقت أحسن من عدم التحرك)". وطالب في تصريحات ليومية "أخبار اليوم" بتبني خطة واضحة من قبل الصحفيين، قائلا: "المطلوب هو تبني إستراتيجية في شكل حملة مستمرة من أجل حرية الصحافة في المغرب". كما دعا إلى توجيه رسالة إلى الملك محمد السادس، ذاكرا "أظن أنه حان الوقت لكتابة رسالة مفتوحة للملك بخصوص ما يحدث للصحافة المكتوبة اليوم في المغرب، لأن من يحكم اليوم هو الملك ولا أحد غيره.. يجب أن يفهم الملك ما يحدث". وعن الجهات التي تحرك المتابعات القضائية ضد الصحف قال الجامعي: "نحن نعرف أن القضاء ينفذ التعليمات، لكننا لا نعرف من يعطي التعليمات"، واستبعد أن يكون ضمن هذه الجهات الوزير الأول "عباس الفاسي" أو وزير الداخلية "شكيب بنموسى" أو وزير الاتصال "خالد الناصري"، بل "جهات أمنية"، حسب قوله. توتر مستمر وإذا كانت هذه هي المرة الأولى التي تحتجب فيها افتتاحيات مجموعة من الجرائد المغربية، فإنها ليست المرة الأولى التي يحتج فيها الصحفيون بالمغرب، إذ سبق أن نظمت نقابة الصحافة بالمغرب في 15 نوفمبر من السنة الماضية، وهو اليوم الوطني للإعلام، وقفة احتجاجية أمام مقر صحيفة "المساء" اليومية الخاصة؛ تنديدا بما وصفته ب"الحرب التي تشنها السلطة ضد الصحافة" بعد تعدد أحكام الحبس والغرامات بحق صحف وصحفيين. ويرى إعلاميون أن "التوتر مستمر بين السلطة المغربية والصحافة منذ مدة، خاصة مع بروز تجربة الصحافة المستقلة في المغرب وطرقها لعدد من الملفات الساخنة". وبحسب رأيهم تعتبر "الغرامات المالية الضخمة إحدى علامات التوتر وأحد أمضى الأسلحة المستخدمة في حرب السلطة على الصحافة، حيث يوظف القضاء لإصدار أحكام خيالية من شأنها أن توقف صحفا عن النشر"، وذلك كما حدث مع جريدة "لوجورنال إيبدومادير" مما اضطر الصحفي بوبكر الجامعي إلى بيع الجريدة والسفر إلى الخارج. وأيضا مثل ما حدث من توقيع غرامة مالية ضخمة في حق مدير يومية "المساء" والتي بلغت 696 ألف دولار بتهمة قذف وسب أربعة قضاة، والتي لم يسددها بعد وأرسل بخصوصها رسالة استعطاف للملك محمد السادس للتدخل من أجل إلغاء الحكم. كما أن هناك أساليب أخرى للتضييقات، منها المنع من مزاولة المهنة، مثل ما حدث مع الصحفي علي المرابط عندما حكم عليه القضاء بوقف مزاولة المهنة لمدة 10 سنوات، وأسلوب آخر أيضا هو الحبس، كالحكم الذي وقع على الصحفي مصطفى حرمة الله بالسجن 7 أشهر