ينظم يوم الثلاثاء 20 أكتوبر 2009 المجلس الأعلى للتعليم ندوة وطنية علمية حول تدريس اللغات وتعلمها في منظومات التربية والتكوين، وتهدف هذه الندوة كما نصت عليه إلى وضع مقاربات تشخيصية واستشرافية لمسألة تدريس اللغات ولغة التدريس، وتأتي هذه الندوة لتشكل أرضية للدورة التي سيعقدها المجلس في شهر يوليوز من الشهر المقبل للحسم في الإشكال اللغوي. والمؤكد أن فتح نقاش واسع بهدف التوصل إلى استراتيجية تضمن التمكن من الكفايات اللغوية في المنظومة التربوية الوطنية، هو أمر لا يمكن أن يكون محل خلاف بين مختلف الفرقاء والمعنيين بالعملية التربوية، لاسيما وأن هذا الأمر كان من قبل موضوع توافق عبر عنه الميثاق الوطني للتربية والتكوين، لكن المشكلة تبقى قائمة في لغة التدريس، لاسيما بعد أن بدأ البعض يتأول نصوص الميثاق، وينطلق من كونه لم ينص على أن اللغة العربية هي لغة التدريس، وأن الأمر مفتوح على بدائل أخرى. ويتقاطع هذا التأويل مع توجهات تعتبر أن مسؤولية الإخفاق في النظام التربوي ملقاة على اللغة العربية، كما يتقاطع مع توجهات فرنكفونية تضغط من أجل إنهاء تجربة التعريب والعودة إلى التدريس باللغة الفرنسية. صحيح أن الميثاق لم ينص على لغة التدريس، لكن يبقى هذا من تحصيل الحاصل، إذ لا يجادل أحد أن كل الدول تنطلق من قاعدة أن اللغة الوطنية هي لغة التدريس، بل إن الدراسات اللسانية تواترت على التأكيد أن التدريس باللغة الوطنية له مردودية أكبر بالقياس إلى لغات التدريس غير الوطنية. ومن ثمة، فعدم تنصيص الميثاق على لغة التدريس لا يفتح أبدا الباب لتأويلات تحاول باسم إصلاح الإشكال اللغوي في المغرب أن تستثمر الفرصة وتعيد النظر في لغة التدريس. نحتاج اليوم أن نضع المشكلة في إطارها الصحيح؛ بما هي مشكلة تحكم في اللغات والتمكن من الكفايات اللغوية في المنظومة التربوية، هذه هي المشكلة، أما أن تكون هذه المشكلة عنوانا وممرا لافتعال مشكلة أخرى تتعلق باعادة النظر في لغة التريس، وجعل اللغة الوطنية مجرد لغة مدرسة مثلها في ذلك مثل اللغات الأجنبية، وإبدال الاختيار اللغوي الوطني باختيار آخر، فهذا ما ينبغي الحذر منه. هناك من يحمل موقفا عدائيا من اللغة العربية، وهناك من يحمل مسبقات عن هذه اللغة، وهناك من يعاديها لأنه يجهلها، وهناك من يسعى ظلما إلى تحميل هذه اللغة مسؤولية إخفاق النظام التربوي في المغرب، وهناك من لا يتعاطف معها لأنه ليس له حظ منها، والقاسم المشترك الذي يجمع كل هؤلاء أنهم يريدون إنهاء مسيرة التعريب، واستبدال اللغة العربية باللغة الفرنسية، لتكون مقدمة لجعل اللغة الفرنسية لغة وطنية فعليا بعد الفشل في ذلك دستوريا، وتحويل اللغة العربية إلى مجرد لغة تدرس وليس لغة تدريس في أفق أن تصبح لغة ثانوية، وهو توجه محكوم برهانات إيديولوجية مقيتة ترى في اللغة العربية سببا من أسباب التطرف وارتباط المغرب بالشرق وعائقا أمام تغريبه وربطه بأوروبا. هذه بعض التوجهات المعبر عنها في بعض الصالونات والندوات وأحيانا في حواشي بعض المؤسسات، والتي يخترق بعضها المؤسسات التي تضطلع بالحسم في هذا الموضوع وتصريف الموقف حوله، لكن من حسن الحظ أنها لا تمتلك الحجج العلمية والنظرية التي تسندها، ولعل النقاش العلمي، إن كان فعلا علميا، كما أن التقييم لمسار التربية والتعليم ولغة التدربيس المعتمدة، وكذلك التجارب والممارسات الناجحة في العديد من البلدان، ستؤكد أن مثل هذه التوجهات لا تملك أكثر من الارتهان إلى جهات تسعى إلى التمكين للفرنفكونية حتى ولو لم تتوفر على أي مستند علمي وتربوي يسند مواقفها. إن التفكير الجماعي، والقوة الاقتراحية التي تتطلع الندوة الوطنية أن تكون حاضرة بقوة في موضوع إتقان ..