رغم رحيل الاستعمار الفرنسي عن المغرب بقي أذنابه منافحون عن استنساخ ما يرونه تقدما وانفتاحا وحداثة في فرنسا، وظهر ذلك في مجالات عدة اقتصادية وتعليمية وثقافية وفنية، تعمقت معها الازدواجية اللغوية في مختلف جوانب الحياة العامة، مما جعل المغرب حالة فريدة في هذا الصدد . حيث أصبحت النقاشات في مؤسسات عمومية وهيئات حكومية تتم باللغة الفرنسية، كما افتعلت المعارك بين العربية والأمازيغية تارة وبين الدارجة والعربية تارة أخرى، من أجل خدمة هيمنة الفرنكفونية على المشهد المغربي ككل، لتنتج ما يصطلح عليه مجازا حزب فرنسا، أي الفئات المتكتلة والمتضامنة في الدفاع عن مصالح ولغة وامتيازات فرنسا في المغرب. الجديد اليوم هو أن الأمر عندما يتعلق بقضايا الهوية والمرجعية الإسلامية للدولة، فإن العكس هو الذي يقع، حيث نجد نكوصا كليا عن الانفتاح الحقيقي إزاء ما يقع في فرنسا، وآخره ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية أمس من حديث حول إقرار الحكومة الفرنسية تعديلات ضريبية ترفع الحيف على التمويلات الإسلامية، وبالتالي تقليص كلفتها لتكون في وضعية تنافسية إزاء الأشكال الأخرى من التمويلات. وأكد قرار الحكومة مسارا سبق إليه مجلس الشيوخ الفرنسي منذ سنة 2008 في تقريره الشهير الذي دعا إلى أن تقتدي فرنسا ببريطانيا المنفتحة على التمويلات الإسلامية، والتي بلغ حجم معاملاتها في العالم 700 مليار دولار ، بحسب التقرير، وذلك بمعدل نمو سنوي نسبته 15 في المائة. في المغرب نجد المسار معاكسا ومضادا وكأننا جبلنا على جلب ما هو سيء من فرنسا ورفض ما هو إيجابي في تجربتها، ذلك أنه في الوقت الذي كان ينتظر فيه تصحيح الظلم الضريبي الممارس على التمويلات الإسلامية، والذي يجعل مثلا من الضريبة على القيمة المضافة تؤدى مضاعفة ( بنسبة 20 في المائة مقارنة مع نسبة 10 في المائة بالنسبة للقروض الكلاسيكية الربوية)، وتؤدى على مجموع القرض مضافا إليها هامش ربح البنك، مما يجعلها مزدوجة، في حين تؤدى في القروض الربوية على قيمة القرض فقط. وجاء مشروع القانون المالي ل2010 معلنا استمرار الوضع الضريبي الحالي رغم المطالب التي طرحت في السنة الماضية، سواء من شركات الليزينغ والتي قيل إنها هددت بالمراقبة الضريبية، أو من قبل البرلمان أثناء مناقشة قانون مالية 2009 ، حيث تم فيه التراجع عن الأداء المضاعف لواجبات التسجيل، وتم التعبير أنذاك في مجلس النواب عن إمكانية التفكير في التعديلات الأخرى في قانون المالية الموالي، لكن جاء هذا القانون خاليا من أي مشروع تعديل فعلي. إن استمرار رفض السماح للبنوك الإسلامية بفتح فروع لها في المغرب، أو لرؤوس أموال مغربية بفتح بنوك تتعامل بالنظام التمويلي الإسلامي يحرم بلادنا من استثمارات ضخمة تتنافس كبريات الدول على جلبها. علينا أن لا نغطي الشمس بالغربال، ونقول الحقيقة واضحة، وهي أن هناك من يحارب التمويلات الإسلامية ويسعى لإفشلها ووأدها عمليا عبر التنفير منها، ظنا منه أن ذلك جزء من معركته الإيديولوجية والسياسية ضد الإسلاميين، متناسيا في ذلك مصلحة الوطن وقبل ذلك الاستفادة من فرنسا التي يتشدق بنموذجيتها.