أبت المحكمة الابتدائية بوجدة يوم الثلاثاء 15 شتنبر 2009 إلا أن تسجل خطوة مضادة للمسار التي تعيشه بلادنا على إيقاع الإجماع الذي يتردد صداه في كل المحافل معلنا عن الرغبة الملحة في إصلاح القضاء؛ وما يقتضيه من توفير ضمانات المحاكمة العادلة واستعادة المصداقية المنقوصة، والتي لن تتحقق إلا بتجسيد مقتضيات الاستقلالية الفعلية عن كل أشكال التدخل الأمني والسياسي والمالي. ففي تحدٍّ لكل القوانين والأعراف الجاري بها العمل، وتحد لمقتضيات مسطرة التحاكم؛ رفضت هذه المحكمة استدعاء الشهود؛ والاستماع إلى الذين حضروا منهم؛ بما في ذلك الأطباء ممن عاينوا حقيقة الوضعية الصحية لرجل الأمن الذي تم الزعم بالاعتداء عليه من قبل البرلماني عن العدالة والتنمية الإبراهيمي. وأمام مطالبة محاميي الدفاع بالسماح للأطباء بالإدلاء بشهاداتهم فوجئ الجميع برفض هذه المطالب، في انتهاك جلي لحقوق الدفاع وضمانات المحاكمة العادلة، وهو الرفض الذي جاء بعد رفض الطعن بالزور في المحاضر التي تجري المحاكمة وفق مضامينها. الطريقة التي تعاملت بها المحكمة الابتدائية بوجدة مع هذه القضية يصعب معها استبعاد التدخل السياسي والأمني في المحاكمة وتوجيهها، فأي رسالة يوجهها القضاء للحالمين بإصلاح القضاء؟ ما الذي كان القضاء سيخسره لو استمع إلى الشهود؛ خصوصا والشهادة ركن أساسي في المحاكمة العادلة والنزيهة؟ إلا إذا كانت المحاكمة تعلن عن نفسها أنها لا عادلة ولا نزيهة؛ بل وتريد إقناعنا بأن المحاكمة هي محاكمة سياسية وأمنية تتدخل فيها السلطات التي تسعى إلى تصفية حساباتها التي تعود إلى مخلفات الانتخابات الجماعية؛ وخصوصا العملية الانتخابية لتشكيل مجلس جماعة وجدة التي كانت فيها لنفس السلطات جولات خاصة؛ تجلت في تدخل انتخابي فج للحيلولة دون فوز التحالف الذي يقوده العدالة والتنمية، وتوجت منزلقاتها بمهزلة الاعتداء المزعوم على رجل أمن، في الوقت الذي لم يتم فيه تحريك الآلية القضائية لمتابعة من تورطوا في الاعتداء على الأستاذ المحامي نور الدين بوبكر مباشرة بعد إجراء انتخابات مكتب بلدية وجدة. واليوم عندما عبر العديد من المواطنين وضمنهم شخصيات سياسية وطنية محترمة عن استعدادهم للشهادة بأن الإبراهيمي بريء مما حيك ضده وأن الملف كان ملفقا للتغطية على ما حصل؛ رفضت المحكمة الاستماع إلى الشهود، وضمنهم الأطباء الذين كانوا قد رفضوا استقبال الشرطي الدَّعِيِّ حين قدومه إلى المستشفى. إن ما جرى في المحكمة الابتدائية بوجدة لا يضرب فقط مصداقية القضاء في الصميم؛ بل يضرب في مصداقية شعار إصلاح القضاء والسير به نحو الاستقلالية.