ضيف دردشة اليوم هو الأستاذ محمد طلابي عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد و الإصلاح ومدير مجلة الفرقان، وممثل المغرب في منتدى الوسطية العالمي. وأهم شيء يذكر في حياة الأستاذ طلابي كما صرح به في هذه الدردشة هو تراجعه عن فكر اليسار وانتقاله إلى الحركة الإسلامية. كيف يستقبل الأستاذ طلابي شهر رمضان؟ أستقبل شهر رمضان المبارك كما يستقبله باقي المغاربة بشكل عام، إذ تعم الفرحة والسرور قلوب الناس. فاستقبالي لرمضان إذن هو استقبالنا لشهر نشعر فيه بأننا قد غيرنا حياتنا الرتيبة خلال الشهور السابقة، فلهذا رمضان له ذوق خاص بالنسبة لي، وخصوصا أن صلتي فيه تزداد بالعائلة وبالأقارب، وأشعر بالاتصال بهم خلال هذا الشهر، وهو نوع من صلة الرحم. هل لك أجواء خاصة في رمضان؟ أجوائي كما قلت في البداية هي مثل أجواء المغاربة بشكل عام. لكن من الأجواء الخاصة بي أنني أحرص على أن تكون المأكولات المغربية حاضرة في الفطور، وبالخصوص الحريرة التي هي لازمة عندي، وأعتبرها أم المأكولات وجزء من هويتي. فمن خصائص رمضان عند المغاربة أن تكون شربة الحريرة حاضرة على المائدة. ولذلك ألح على أن تكون موجودة عند الفطور. كما أن نسبة مشاهدة القنوات التلفزيونية في رمضان تزداد عندي، لأن الانتاجات الدرامية تزداد في هذا الشهر، ولذلك تجدني أتنقل بين كثير من القنوات للبحث عن المسلسلات الجادة التي تهتم بقضايا عربية وإسلامية. هل تزداد مقروئيتك في رمضان؟ في الواقع أنا لدي برنامج للقراءة خلال السنة، ولذا ما أقرأه خلال رمضان هو امتداد لما يكون مبرمجا في السنة. وهذه السنة كان برنامجي هو إعادة قراءة الفكر اليساري بشكل عام والفكر الماركسي بشكل خاص. على مستوى كبار المؤلفين عند ماركس وانكلز ولينين، وعند اليساريين العرب والمغاربة وعلى رأسهم العروي وياسين حفيظ وسمير أمين وغيرهم. وصادف رمضان أنني الآن في اللحظات الأخيرة من إنهاء دراسة كبار اليساريين المغاربة والعرب. وأنا في رمضان أدرس ما تبقى عندي من مؤلفات سمير أمين بعد أن أنهيت دراسة نقدية لمؤلفات عبد الله العروي وأخرى لياسين حفيظ، وهذا مؤلف سوري كبير من الماركسيين العرب الكبار. فقراءتي لشهر رمضان هذه السنة صادفت أنني أقرأ مؤلفات ليست دينية ولكن مؤلفات ماركسية. بمعنى أقرأ لقضايا لربما فيها كثير من التعارض على المستوى الفلسفي مع عقيدتنا وديننا. وسيكون آخر كتاب أقرأه مع نهاية رمضان هو نهاية الرأسمالية لسمير أمين. أما باقي القراءات فتكون خفيفة وتتوزع بين قراءة الصحف وبعض المقتطفات. هل يمكن أن نعرف ماذا تشاهد؟ أشاهد مسلسل رجال الحسم لنجدت أنزور، وهو مسلسل مهم جدا، إذ يتكلم عن اختراق للمخابرات الإسرائيلية من قبل الفلسطينيين، أشعر فيه بمتعة، وكذلك قدرة المسلم العربي على تجاوز التحديات وفك عقدتنا وهي المغلوبية الحضارية اتجاه إسرائيل وتجاه الغرب، وعلى أن يكون ندا في المواجهات مع خصومنا وأعداء الأمة اليوم. هل تشاهد الانتاجات المغربية؟ عند الفطور أشاهدها مع العائلة، لكن مشاهدتي لا تكون مركزة. وقد عرفت هذه الفكاهة انتقادات شديدة... نعم، فنحن عندما نشاهد تلك الأعمال لدينا الكثير من الملاحظات لوجود الكثير من التفاهات، لكن تطبع المغاربة أن يشاهدوا تلك الأعمال حتى ولو كانت تافهة. وهذا وضع خاص لأن الأعمال المقدمة بالدارجة المغربية. وبالمناسبة أنا أتابع كثيرا المسلسلات التي تستعمل اللغة العربية الفصحى (حتى ولو كنت أختلف معها)، مثل المسلسلات السورية التي تقوم بوظيفة إظهار قدرة اللغة العربية العملاقة على التعبير والأداء. ما هو الكاتب الذي قرأته وأثر فيك؟ هنا يمكن أن أميز بين مرحلتين في الكتب التي أثرت في حياتي. في مرحلة كنت في قيادات اليسار كان من الذين أثروا في حياتي مؤلفات عبد الله العروي، وأنا أعتبره إلى الآن فيلسوفا كبيرا وإن كنت أختلف معه 180 درجة، في قضايا كثيرة. لكن أتفق معه في قضايا كثيرة. خصوصا كتابه الإيديولوجية العربية المعاصرة والعرب والفكر التاريخي والمفاهيم بأكملها، مفهوم الدولة والعصر والحرية التي أنتجها العروي، والتي أثرت على تكويني ومنهجيتي. هذا في مرحلة اليسار وإن كنت الآن أقوم بدراسة نقدية شاملة لفكر عبد الله العروي. نقدية بمفهوم ايجابي، بمعنى ما هو قوي عنده سأبينه وما هو ضعيف في أطروحاته سأشخصه. المرحلة الثانية وهي مرحلة الخروج من اليسار. في الحقيقة أول كتاب أثر في بشكل كبير هو كتاب لمحمد باقر الصدر، وهو اقتصادنا وفلسفتنا وإن كان شيعيا، إلا أن تلك النفحات الشيعية لم تكن تظهر على كتاباته. الآن أقوم بمراجعة تلك الكتب، وأصبحت لدي بعض الملاحظات لم تكن تظهر في تلك اللحظة إلا بعد أن قرأت وتعمقت في المذهب الشيعي وفي انحرافاته. هناك كتاب آخر أثر في وهو لأحمد قاسم الحاج حمد الإسلام والإسلامية العالمية الثانية، و إن كان الكثير لهم عليه مؤاخذات لكنه مفكر كبير. أيضا كتاب ليوسف القرضاوي الخصائص الكبرى للإسلام في طريقة تفكيره وطريقة التعامل مع الظاهر بشكل عام. عروي، والتي أثرت على كيف جاء هذا التحول من مرحلة إلى أخرى؟ هناك عوامل متعددة، أولا أعتبر أن هذه هداية من الله ونحمد الله على نعمة الإسلام، والله سبحانه وتعالى قيظ مجموعة من الأسباب لهذه الهداية. السبب الأول هو أسرتي، فأنا أنتمي إلى أسرة محافظة، وحتى اسمي طلابي مشتق من الطلبة(برفع الطاء)، ذلك أن القرية التي أنتمي إليها تخرج الكثير من حفظة القرآن. فاسم طلابي يعني العائلة التي تهتم بتخريج حفظة القرآن. فهذا كان عاملا أثر في حياتي حتى لما كنت في اليسار، وقد استمرت علاقتي وطيدة بالعائلة واحترامها وأثرها علي. فهذا ساعدني على الرجوع إلى عقيدة الإسلام والتشبث بها، بل والحماس في نشرها والدفاع عنها ما استطعت إلى ذلك سبيلا. السبب الثاني معرفي علمي. فمن النعم التي من الله علي بها هو التحصيل العلمي. فمنذ سنة 1981 لم تكن حياتي إلا نهما في القراءة والمطالعة، سواء كانت القراءة في الفكر الغربي أو الإسلامي. فدراستي العلمية للإسلام ومقارنته بالفلسفات الغربية، وقراءتي للفكر الماركسي الذي يتوفر على سلاح يسمونه الماركسيون النقد أي التحلي بملكة النقد. فسلطت هذا السلاح على الماركسية نفسها، وخصوصا جوهرها الفلسفي القائم على أن المادة هي الأصل، أي هي التي خلقت الفكرة. أو أن الكون هو الذي خلق فكرة الله، بمعنى أن الله عز وجل ما هو إلا انعكاس لعالم المادة. وكذلك قالوا بأن المادة خلقت بالصدفة حتى ينفون وجود الله. هذا دفعني إلى دراسة كثير من المؤلفات حول الكون والذرة والمجرة وحول نظام الخلق في الخلية، وهي دراسات لكبار علماء الرياضيات الذين خلصوا إلى أن الصدفة مستحيلة، ولو كان الكون بالصدفة لتطلب ذلك هدر كمية من المادة تقدر بملايين أضعاف هذا الكون، بمعنى ملايير السنين. والعلم أكد أن هناك هدرا للمادة، لكن العلم أكد أن عمر الكون لا يتعدى مليار و15سنة. بمعنى أن نظرية الصدفة هي أسطورة وأكبر خرافة علمية أنتجها الفكر المادي في العصر الحديث. فحينما انهارت نظرية الصدفة عندي انقلب كل شيء. إذن مادام أن الكون لم يخلق بالصدفة، فحتما له خالق. وهكذا وقع انقلاب جذري في العقيدة والفلسفة وفي قناعتي وتأكد لي بأن للكون خالقا. وطبعا؛ العودة إلى الإيمان بالله عز وجل وبالغيب، من مدخل علمي ومعرفي، كان العامل الحاسم في عودتي إلى عقيدة الإسلام ونعمة العودة والحمد لله رب العالمين. هناك عوامل أخرى غير علمية وهي سياسية وتاريخية. أنا اليوم وقبل انتقالي والإعلان عن استقالتي التامة من اليسار في 28 غشت سنة 1998 والتحاقي بالضفة الإسلامية بشكل عام، كان هناك عامل سياسي وتاريخي أيضا يدفعني دفعا إلى تطليق اليسار، وهو أنني بدأت أشعر بأن الدين قد عاد من منفاه بعدما نفته الثورة الفرنسية في القرن18 عن طريق فصل الدين عن الدولة. وأن هذا الدين خرج من زنزانة الإعدام منتصرا بعد انهيار النظام الشيوعي. كل هذا جعلني أطرح السؤال المركزي: لماذا عاد الدين؟ فوصلت إلى خلاصة أن البشرية مع هذه العودة تريد أن توجه رسالة احتجاج الى الحداثة القائمة على الفلسفة المادية، وهو أن الرفاه والسعادة للبشرية لا يتحقق فقط بتحقيق الحاجات المادية، لابد من تحقيق الحاجات الروحية والمعنوية. وهذا لن تحققه العلمانية المادية... فكانت العودة إلى الدين إشارة إلى أننا نريد تحقيق حاجاتنا المادية والروحية دون إفراط ولا تفريط. وفي رأيي هذا فرصة للإسلام لكي يقود الحضارة في القرون المقبلة إن شاء الله ليحقق حضارة وعمرانا عالميا ويحقق الحاجات المادية التي حققتها الحداثة، ولكن يحقق الأشواق الروحية للبشرية التي تحقق لها السعادة والطمأنينة في دار الدنيا قبل دار الآخرة... فهذا العامل التاريخي دفعني إلى تطليق اليسار والفكر الماركسي والالتحاق بالحركة الإسلامية وبالصحوة الإسلامية العالمية للإسهام ولو بمثقال ذرة في الدفع من جديد في الرفع من مستوى العمران البشري عن طريق الدين. والإسلام مؤهل لذلك وليس البوذية والكونفوشسية ولا المسيحية ولا اليهودية. رمضان بين الأمس والحاضر؟ إذا كنت تقصد بين مرحلة اليسار واليوم، أقول لك الفرق ليس كبيرا، فقد كنت أعيش نفس أجواء اليوم. إذ كنت أشعر بفرحة عظيمة عند قدوم رمضان. لكن الجديد هو طريقي لمعرفة هذا الدين، إذ لم يعد رمضان عادة من عادات المغاربة، ولكن أصبح عقيدة وعبادة وعلما شرعيا. ما الذي يزعجك في الحياة؟ ما يزعجني في حياتي اليومية هو عدم النظام. لأن النظام هو الأصل في كل شيء في الخلق. و يمكن القول إننا يمكن أن نعيد ترتيب مقاصد الشريعة من جديد، وحفظ النظام يجب أن يكون من أعلى المقاصد الشرعية التي علينا أن نعمل عليها اليوم. والغرب تفوق علينا لإدراكه لمفهومه للنظام وتنظيمه في الحياة. أما المفاهيم والنظريات الفلسفية الكبرى فهي عندنا نحن. وحضارتنا قامت حينما كانت تحكم وفق نظام ألا وهو الشريعة الإسلامية. لذلك الأصل هو النظام. وبهذا أجد كثيرا من مظاهر الفوضى عند الفرد والأسرة وفي الشارع وفي طريقة التفكير وإلقاء المحاضرة وكتابة المقال... فإذن ما يزعجني هو أننا لم ندرك بعد مفهوم النظام والعمل به. علما أن كل المخلوقات تسبح لله وفق نظام. وأعتقد أن على النخبة المثقفة أن تعيد مفهوم النظام للمجتمع. ما هي متمنياتك للأمة الإسلامية؟ متمنياتي هي رغبة ملحة عندي تتمثل في هدف استراتيجي أن ندرك العصر الذي نعيشه، وأن تدرك الأمة وعلى رأسها الصفوة ما هي الحاجة الملحة اليوم لكي يكون لنا موقع في الخريطة الحضارية المقبلة، والحاجة الملحة هي أن الشعوب التي سوف تدخل العصر هي الصين والهند، وكلاهما كتلة بشرية جغرافية موحدة، وأمريكا وأروربا وروسيا كذلك. والحوض الحضاري الوحيد الذي ليست له كتلة موحدة هو العالم الإسلامي. فهمي هو أن تشعر الصفوة أننا دخلنا عصر التكتلات. علينا إذن أن نعمل على الخروج من عصر التجزئة والشتات الجغرافي إلى عصر التكتلات ولو الجهوية باتحاد المغرب العربي، حوض النيل، بلاد الجزيرة، وسط آسيا وجنوب شرقها كتكتلات ضخمة. ستكون البداية نحو أننا نستفيد من بداية الكتل الحضارة المادية والاقتصادية من الغرب نحو الشرق، الذي يستفيد اليوم هي الصين. فهذه رغبة ملحة عندي، وأرى أنه حتى الأحزاب الإسلامية في برامجها لا وجود لبرنامج التكتلات الجهوية أو حتى الدولة العابرة للأقطار. لأن الدولة القطرية لم تعد قادرة على تنمية حضارية عالمية، فالمغرب أو الكويت أو السعودية و غيرهم...كدولة قطرية غير قادرة على دخول عصر النهضة وأن يكون لنا نتاج . من هنا ضرورة وجود دولة المغرب العربي أو دولة حوض النيل أو دولة الخليج...هذا البرنامج أصبح ملحا، لاسيما وأن الصحوة الإسلامية العالمية اليوم تزامنت مع فترة سياسية لبناء التكتلات، فسوف ندخل العصر، ولربما سيكون للإسلام أثر كبير أكثر من الحوض الحضاري الكنفوشي والهندوسي. فهذا هو الهدف الاستراتيجي الذي على الصفوة أن تصوغه في برامجها وعلى الأمة أن تلتقطه لتنزله في الواقع حتى تكون لنا السيادة والريادة في القرون المقبلة.