انقطع المقرئ عبد العزيز الكرعاني عن متابعة حفظ القرآن الكريم في الكتاب بعد دخوله المدرسة النظامية وانهماكه في البرنامج الدراسي، لكنه عاد إلى المصحف بعد أن أصبح شابا في السنة الثانية جامعي. يقول الكرعاني إنه كان قد توجه إلى الغناء وهو في الكلية، إذ كان يحيي السهرات في الفنادق وقاعات الأفراح، لكن الله سبحانه وتعالى كما يشرح تداركه برحمته وهداه إلى طريق القرآن، فقد بدأ يحفظ السور التي تطيب نفسه لها، قبل أن يقرر حفظ القرآن كاملا بالاعتماد على نفسه وبمراجعة شيوخ تعلم على أيديهم قواعد التجويد وأحكامه. مسجد القاضي عياض حيث يصلي الكرعاني صلاة التراويح يمتلئ عن آخره بالمصلين الذين يتوافدون للصلاة وراءه من مختلف مناطق الدارالبيضاء، التجديد تحدثت مع المقرئ عبد العزيز الكرعاني حول مساره مع القرآن الكريم، فكان الحوار التالي: *** متى بدأت علاقتك بالقرآن الكريم؟ في الصغر وأنا ابن خمس سنين كانت عادة والداي حفظهما الله، أن أدخل الكتاب قبل الولوج إلى الدراسة النظامية لأحفظ جزءا من القرآن؛ على يد خالي الذي كان له كتاب صغير بجوارنا في حي درب الفقراء بالدارالبيضاء، وكانت لي حافظة قوية، وكنت بسبب ذلك من المقربين إلى الفقيه، وأحظى عنده بالمحبة، ذلك أنني كنت أمحو اللوح كل يوم وأستظهر عليه جزئي من القرآن الكريم، والحمد لله حفظت في الكتاب عددا مهما من السور. هل أكملت حفظ القرآن الكريم في الكتاب؟ لما دخلت المدرسة في السنة السابعة انقطعت عن الكتاب وانشغلت بالبرامج الدراسية إلى حدود السنة الثانية من الجامعة، وقد كان ذلك المحفوظ من الذي حفظته في الكتاب راسخا في ذاكرتي، ولم أنسه في يوم من الأيام، وهذه من مزايا الحفظ باللوح عن طريق الكتابة ثم التصحيح من الفقيه ثم قراءة المحفوظ ثم استظهاره على الفقيه ثم مراجعته، وهذه من الطرق الناجعة لحفظ القرآن الكريم؛ لأنه يستعمل فيه السمع والبصر واليد والفكر حتى ترتسم صورة الجزء المكتوب على اللوح في الذاكرة. بعد الجامعة من علي الله تعالى بالهداية، لأنني كنت قد سلكت طريقا آخر هو طريق الغناء، فقد كان لي صوت جميل، ولو لم يتداركني الله سبحانه وتعالى برحمته لكنت أصبحت من المغنين الكبار، وفعلا كنت أغني في الفنادق الكبيرة وقاعات الأفراح، ولكن سنة 1998 حين كنت في السنة الثانية من الجامعة من الله علي بالهداية، واشتغلت في حفظ القرآن الكريم، وكنت أحفظ السور التي تطيب لنفسي بحفظها مثل سورة يوسف، وقد أصبحت لدي رغبة كبيرة في الحفظ وسهل الله علي ذلك، وقد تأثرت بقراء مثل الشيخ كامل يوسف البهتيمي رحمه الله، والشيخ المنشاوي رحمه الله، وكنت أستمع كثيرا للشيخ متولي وبعض المشايخ الذين كانت لهم أصوات ندية، وقد حفظت أجزاء من القرآن الكريم على هذه الأشرطة نظرا لتكرارها وسماعها بالليل والنهار. ماذا كان تخصصك في الجامعة؟ كنت أدرس الأدب الإسباني لكني توقفت في السنة الثانية وأخذت أوراقي من الجامعة وانصرفت للبحث عن عمل، فاشتغلت أول مرة في أحد مختبرات الدواء حيث كنت أترجم الورقة الداخلية للدواء من الإسبانية إلى الفرنسية، ثم اشتغلت في التجارة الحرة لمدة ست سنوات حتى التحقت بالتعليم سنة ,1999 وإلى الآن أعمل مكلفا بالأنشطة المدرسية بإحدى المؤسسات الحرة. ما الذي جعلك تقرر بشدة أن تغير مسارك، هل كان حدثا معينا أم تسلسل أحداث؟ أولا كانت بدايتي مع القرآن الكريم وحفظه، لكن الرفقة إذا لم تكن صالحة فإن الإنسان ينحرف عن مساره، خاصة خلال فترة الشباب وهي فترة العطاء، وهذا ما حدث لي حيث توجهت إلى الغناء وكنت أبدع فيه وأستمع إلى قصائد ملحنة وأؤديها، ولكني أرى الآن أن الغناء يمكن أن يستبدل بالاستماع إلى قراءة القرآن الكريم، خاصة إذا كان بصوت قارئ جيد يقرأ بالمقامات ويحاول أن يبدع ويصور المشاهد التي في القرآن الكريم. وهذا ما حصل في حياتي، قلت أعطاني الله صوتا ومن علي بهذه المنة، فكيف أنحرف من القرآن الكريم الذي كان هو بداية حياتي إلى الغناء، وأنا أقول دائما؛ إذا كان القرآن يخرج من القلب أولا ثم من فم يعرف كيف يوصل كلام الله إلى قلوب الناس، فهذا أنفع من الغناء. كيف استكملت حفظ القرآن الكريم، هل التحقت بدار للقرآن أم بجمعية؟ كنت في البداية أحفظ بعض السور التي كانت نفسي تتوق إلى حفظها، ثم عزمت على استكمال الحفظ، وقبل أربع سنوات ختمت القرآن الكريم كاملا بتوفيق من الله، وبالاعتماد على ذاتي، وقد كنت أؤم الناس في مسجد التوبة بدرب الفقراء، وتعلمين أن المحراب يحتاج إلى حفظ القرآن، وهكذا فقد كان المحراب سببا رئيسيا في استكمالي الحفظ، ثم بعد ذلك أممت الناس في مسجد التيسير في حي سيدي معروف لمدة ثلاث سنوات، وقد كنت في هذه الفترة وأنا أؤم الناس في هذه القاعة الصغيرة أحفظ ما تبقى من القرآن الكريم إلى أن استدعيت لأؤم الناس في صلاة التراويح في مسجد الطولو من سنة 2003 إلى 2006 والآن أنا إمام رسمي في مسجد القاضي عياض في حي سيدي معروف للسنة الرابعة على التوالي.