يجد المغرب نفسه اليوم أمام خيار تجديد سياسة الإدماج بما يحقق توسعها وتطورها، وذلك في مقابل بروز مخاطر التراجع عنها لمصلحة سياسة قائمة على التهميش والإضعاف والعزل شكلت مناسبة مرور عشر سنوات على حكم الملك محمد السادس محطة فتح نقاشات متباينة العمق حول حدود الاستمرارية والتغير في السلوك السياسي للدولة، ومدى تأثره بهذا الانتقال، وحدود هذا التأثر، والعوامل التي أسهمت فيه، وهي إشكالية مثّل ملف العلاقة مع الإسلاميين أحد محاورها. تبرز هنا أربع مؤشرات حول المعالم الكبرى للعلاقة بعد مرور عشر سنوات: الأول يهم مواصلة سياسة الإدماج السياسي لجزء من الحركة الإسلامية من خلال صيغة حزب +العدالة والتنمية؛ الذي يمثل شريكا سياسيا لحركة التوحيد والإصلاح، لكن مع التحكم في مدى وسقف هذا الإدماج، والثاني نزع فتيل التوتر السياسي العام مع جماعة +العدل والإحسان؛ برفع الإقامة الجبرية عن مرشد الجماعة، وفي الوقت نفسه مواصلة سياسة تحجيمها وضبط نموها، والذي بلغ أوجه في محطتين: الأولى في صيف 2000 والثانية في ربيع ,2006 أما المؤشر الثالث فهو اعتماد مقاربة أمنية رفضت في الوقت نفسه اعتماد مقاربة استئصالية حادة كما ظهرت في الحالة التونسية في التعامل مع التيار السلفي الحركي بعد تفجيرات 16 مايو 2003 بالدار البيضاء، لكنها خلَّفَتْ ملفا حقوقيا ثقيلا ينبغي معالجته بجرأة لتحقيق مقتضيات الإنصاف وجبر الضرر والمصالحة بسبب حملات الاعتقال التي طالت الآلاف، أما المؤشر الرابع فهو إطلاق مشروع إصلاح مؤسساتي للحقل الديني لا يزال يبحث عن تجديد يحقق خصائص الهوية المغربية في مضمونه. من هنا نجد أنه قد يكون من التجني اعتبار العهد الحالي تعبيرا أحاديا عن قطيعة أو استمرارية للعهد السابق، فللملك محمد السادس أسلوبه الخاص والمختلف كليا في التدبير والاشتغال، كما أن التحديات التي واجهها داخليا وخارجيا خاصة في السنوات الخمس الأخيرة تحديات مختلفة كلية عن العهد السابق، مما فرض تقديم أجوبة جديدة، كما أن محيطه عرف تحولات عميقة لكن تدريجية، أدت إلى تغيرٍ وازنٍ في منظومة العلاقة بين المؤسسة الملكية والنخب السياسية والاقتصادية والإسلامية مع الفارق، ويضاف إلى ذلك أنه يصعب هنا تقديم قراءة أحادية نمطية لمجموع مرحلة السنوات العشر، خاصة عند مقارنة مرحلة ما قبل سبتمبر 2002 بمرحلة ما بعد 16 مايو ,2003 والشيء نفسه بخصوص مرحلة ما بعد سبتمبر ,2007 ورغم التباين في تدبير العلاقة بين هذه المراحل الثلاث، حيث غلبت النزعة الإدماجية في الأولى، وهيمنة نزعة إقصائية في الثانية، مع إرهاصات توجه -لكن متردد- نحو التهميش دون الإضعاف الكلي للتيار الإسلامي في المرحلة الثالثة. ويتوازى هذا التفاوت في السياسة التفصيلية بين المراحل الثلاث، مع وجود قدر من الخصوصية في النموذج المغربي، ذلك أن هناك عناصر استمرارية في السياسة الكلية وليس التفصيلية بين العهدين، ناجمة عن ثقل تحديات موروثة وعن طبيعة الخصائص المميزة لاشتغال النسق السياسي ككل في المغرب بما فيه المؤسسة الملكية، ومن ذلك ضرورة الحفاظ على موقعها كحكم فاعل ومتفاعل مع محيط سياسي انقسامي، أو دورها في تأطير نشاط الإصلاح، والتوافق مع الفاعلين حول ذلك، إلا أن اشتغالها وفق ذلك تعرض للارتباك، مما أثار مدى قدرة محيطها على مواكبة التطلعات الإصلاحية التي عبر عنها الملك، ولهذا أعتبر أن المغرب في حاجة إلى تجديد معتبر للنموذج السياسي المؤطر لكيفية اشتغاله، لاسيما بعد أن برزت مخاطر الانزلاق نحو تبني نموذج مصري قائم على فلسفة الحزب الوحيد الفعلي بموازاة حياة سياسية حزبية محدودة وحريات صحافية واسعة، لكن دون أثر على القرار السياسي، وغنيٌ عن الذكر أن مثل هذا النموذج غير قابل للاستنبات؛ فضلا عن النجاح في المغرب، باعتبار أن الملكية لا تعيش أزمة مشروعية أو أن موقعها محط منازعة وتنافس، والأكثر من ذلك أن المغرب يعرف تعددية سياسية فعلية متجذرة تحقق التوازن المنشود على خلاف مصر التي تنامت فيها حركة الإخوان المسلمين بما يتجاوز بقية القوى السياسية هناك، وهو الشيء الموجود في حالتنا، ولهذا ينبغي الانتباه إلى أن خطاب تبخيس الأحزاب السياسية في المغرب ظهر أن الهدف منه تهيئة الطريق لبديل سلطوي عنها وليس دفعها إلى الإصلاح، فضلاً عن أن تحديات المحيط الجهوي والدولي لا تترك للمغرب خيار الارتداد عن المكتسبات الديمقراطية. واعتباراً لذلك، يجد المغرب نفسه اليوم أمام خيار تجديد سياسة الإدماج بما يحقق توسعها وتطورها، وذلك في مقابل بروز مخاطر التراجع عنها لمصلحة سياسة قائمة على التهميش والإضعاف والعزل، فرغم ما تثيره هذه الأخيرة من تحديات برز بعضها في الانتخابات الأخيرة، يبقى أن سياسة الإدماج مكنت المغرب من تقوية مصداقية مشروع الانفتاح السياسي أولا، وتعزيز توازن الحياة الحزبية والسياسية، مما يقوي ضمانات الاستقرار ثانيا، كما ضاعفت من قدرات خيارات الاعتدال في مواجهة خيارات التطرف ثالثا، وهو ما جعل المغرب يمثل نموذجا لطريق مختلف ورائد في المنطقة المغاربية والعربية.