عندما كانت الدعوة إلى إلغاء تجريم البغاء قد كثفت من حملتها وأخذت الجمعيات الحقوقية تصعد من ضغوطها للحصول على أكبر عدد من التوقيعات من أجل التقدم بقانون يرفع حالة المنع على دور الدعارة وعلى ممارستها في كل أشكالها؛ كان للأستاذة والباحثة الاجتماعية دونام. هيوهس بكلية كارلسون إيدوارد بجامعة رود آيلند، رد فعل على تلك الدعوات التي اتخذت شكل حملة مكثفة في بعض الولاياتالأمريكية للضغط في اتجاه رفع المنع عن الدعارة؛ فكتبت مقالا قويا يحمل عنوان أخطاء النساء. نبهت من خلاله إلى عدة أخطاء قاتلة قد يقترفها المجتمع في حق نسائه وأطفاله على السواء، إذا ما قرر رفع الحظر عن الدعارة؛ وتبعا لذلك ما يحيط بها من مهن أخرى كلها إجرامية؛ كترويج المخدرات والوساطة والاتجار في البشر والعنف ضد النساء والجريمة المنظمة والقتل وغيرها... وتؤكد الكاتبة على أن رفع المنع وإن بدى أقل خطورة من التقنين فإنه في الحقيقة له تبعات أخطر منه بكثير؛ فالتقنين يعني تحديد القوانين المنظمة لذلك؛ متى وكيف وأين تمارس المهنة ومن قبل من؟ أما رفع المنع فيعني إلغاء جميع القوانين المتعلقة بممارسة البغاء؛ مما يعني منع الشرطة من التدخل في أي نشاط مرتبط بالدعارة، ومن ثم إطلاق يد الوسطاء في الاتجار بالنساء كيفما شاءوا دون خوف.. تقول الكاتبة:إذا ما تم التصويت على هذا القانون المقترح الذي يدعو إلى رفع المنع باسم المساواة بين البشر وتفادي التمييز ضد النساء فإن مدينة باركلي في ولاية كاليفورنيا التي اختيرت ليجري فيها هذا الاستفتاء سيكون عليها أن تواجه ما يلي: 1) جعل محاربة الدعارة وحماية المجتمع من أخطارها آخر مهام شرطة المدينة. 2) دفع شرطة المدينة إلى الاشتغال أكثر بما يرافق الدعارة من مخدرات وقتل واستغلال للأطفال وغيرها عوض حماية المجتمع من هذه الأخطار وتوفير الأمن له. قصة مثيرة الفتنة وأكدت الكاتبة على أن مقترح القانون تقدمت به روبن فيو مومس محترفة ومتعهدة إحدى دور البغاء التي سبق أن ألقي عليها القبض من قبل ال إيف. بي. آي. من أجل الاتجار في البشر بهدف البغاء. وفي نفس الوقت كانت تعمل في مجموعة ضغط لرفع المنع عن ترويج مخدر الماريخوان بدعوى أنها من المخدرات الخفيفة. كما قالت الكاتبة إن روبن فيو هذه هي التي قالت في الندوة المنظمة منذ سنة في كاليفورنيا تحت عنوان البغاء، والعمل في الجنس، والاتجار في الصناعات الجنسية بأنها: يصدمها ويؤلمها أن ترى النشطاء في ترويج الماريخوان يتعرضون للمتابعة والتنكر لنضالهم من أجل إباحة ترويجها. وأنها ترى أنه يجب عدم متابعة هؤلاء؛ لأن في جعل هذا النشاط كما في جعل البغاء نشاطا غير قانوني إثارة وتحريض لفئة من الشعب ضد فئة أخرى. وقالت إنها قد أخذت ثأرها بالسير في مظاهرة الشواذ في سان فرانسيسكو وهي ترفع شعار العاملون في الجنس مع المارخوانا لأنها مخدر صحي؛. الماضي الشخصي لروبن فيو يعتبر مأساويا لامرأة تشتغل في صناعة الجنس؛ ماضٍ ملؤه: زنى المحارم، استغلال الأطفال، بدأ الاشتغال في البغاء وهي بنت الثالثة عشرة من عمرها، التوقف المبكر عن الدراسة، العنف الأسري، الاغتصاب، ممارسة التعري في الملاهي الليلية (ستريب تيز)؛ كل هذا قبل أن تدخل إلى مهنة البغاء. وفيو تقدم نفسها عاملة في الجنس ومناضلة من أجل حقوق العاملين في الجنس. غير أن نضالها هذا يشوبه مشكل صغير؛ تقول الكاتبة؛ ذلك أن اقتناعها بما تقول محل شك؛ فنضالها كان دائما من أجل مصالح اتحاديات القِوادة؛ وهو ما يطعن في مصداقية قولها إنها تدافع عن حقوق الباغيات. دعم خارجي فيو وأصدقاؤها تلقوا التوجيه والدعم من زوار أوستراليين قدموا خصيصا لتقديم النصيحة قصد الاستفادة من تجربة أوستراليا السباقة إلى سن قوانين ترفع المتابعة القانونية على ممارسة البغاء. الزوار الأستراليون متخصصون في تقديم الدعم لمجموعات مماثلة في مختلف دول العالم ومختلف المدن الأمريكية الأخرى، وفي تنظيم التظاهرات للدفاع عن الباغيات. وقد اختاروا مدينة باركلي ليس فقط لطابعها الليبرالي، ولكن لأنها معروفة بأنها مدينة للشواذ. وهم في حاجة حسب القوانين الجاري بها العمل فقط لألفين ومائة توقيع للتمكن من تقديم القانون للاستفتاء؛ ثم إذا مر فإنه يصبح جاريا على كل الولاية. وما أسهل الحصول على أكثر من هذا العدد في باركلي القريبة جدا من سان فرانسيسكو مدينة الشواذ بامتياز فهي تعتبر مكان سكناهم كذلك. ومع ذلك قالت فيو إن واحدا فقط من كل اثني عشر من الناس الذين طلبت توقيعهم قد وقع على العريضة؛ بينما رفض الآخرون. أخطار التقنين وتقول الكاتبة إنه على المسئولين على الولاية في حال تمرير هذا القانون أن ينتظروا أن ترتفع نسب الجريمة بالشكل التالي: 1) سوف تتحول الولاية إلى مركز للدعارة وقبلة للراغبين في الجنس وللعاهرات من كل مكان. 2) سوف يرتفع عدد جرائم السطو، والسرقات، والاعتداءات الجنسية؛ خصوصا على الأطفال، وإقلاق راحة المواطنين، والإخلال بالنظام العام؛ كما أن القمامة والنفايات السيئة سوف تتكاثر بشكل مهول. 3) سوف ترتفع حالات استغلال النساء والأطفال. 4) سترتفع الإصابات بالأمراض الجنسية المنقولة، والسل، والتهاب الكبد الوبائي من نوع سي الخطير. 5) الإمكانات البشرية واللوجستيكية للشرطة سوف تصبح محدودة جدا ومنشغلة عن توفير الأمن للمواطنين. 6) نوعية الحياة في الأحياء القريبة من أحياء البغاء سوف تتقلص مستوياتها بشكل رهيب. 7 ) ترويج المخدرات سوف يعرف ارتفاعا كبيرا في أحياء البغاء والأحياء المجاورة لها. 8) حالات الاعتداء على العاهرات من مثل السطو، والعنف، والاغتصاب، والسرقة، والاختطاف، والاغتيالات؛ سوف تتزايد. 9) وسوف تتعرض الأنشطة التجارية التي سوف تبقى بعيدة عن تجارة البغاء للضرر البليغ. انقلاب الصورة! التقرير الذي نشرته الأستاذة دونا م. هيوهس يدين إذن رفع المنع عن البغاء إدانة شديدة. ويحاول النشطاء في اتجاه رفع المنع عن البغاء تسويق مبادرتهم باسم الدفاع عن حقوق المرأة، بادعاء أن رفع المنع سوف ينهي حالة التمييز ضد المومسات ويسمح بإدماجهن في المجتمع تحت اسم آخر هو العاملات في الجنس. ترد الكاتبة بالقول: إن هذا التفكيرالطوباوي والواهم لا أساس له في حياة نساء الدعارة. فهؤلاء النسوة لا تعرفن أبدا كيف سيتم استعمالهن من قبل الرجال وكيف سيستغلونهن. إن الحقيقة التي لا يتكلم عنها دعاة إلغاء تجريم البغاء، هي أنهم يبحثون عن توفير الحماية للناشطين في هذا المجال الموبوء، والذين يثرون على حساب العاهرات؛ من مالكي المواخير، والقوادين والوسطاء ومستهلكي الجنس. الرد على شبهات المدافعين في ندوة نظمت مؤخرا حول الدعارة بجامعة طوليدو قالت المحامية المدافعة عن رفع المنع عن البغاء نورما جون آلمودوفار:إنني لن أسعى إلى ما يوقف عني الزبناء؛ فهم الذين يأتونني بالمال؛ وكذلك العاملون في هذا المجال من حقهم أن يسعوا إلى إلغاء ما يمنع عنهم الزبناء؛. هذا إذن كل ما في الأمر؛ أما حقوق هؤلاء النساء فمجرد ذريعة مفضوحة. والمحامية آلمودوفار هي أيضا من نشطاء حقوق المرأة؛ لكن مثل العديد من النشطاء في مكافحة الميز العنصري؛ فهي كذلك تعمل على حماية أموال تجار صناعة الجنس من وسطاء وغيرهم. كما يملأ المدافعون عن إلغاء تجريم البغاء بالادعاء بأن رفع المنع سوف يقلل من العنف ضد العاهرات. بينما الحقيقة التي يعرفونها هم ويعرفها الجميع هي أن نساء وأطفال عالم البغاء هم الأكثر عرضة للعنف ويعانون من أقصى درجات العنف. فقد كشف بحث ميداني أجرته الكاتبة رفقة الباحثة جانيس ريموند لمصلحة التكتل ضد الاتجار في النساء بأن أغلب نساء عالم الدعارة سبق أن تعرضن للعنف الجسدي وللاغتصاب، وعادة ما يتعرضن لذلك مرات عديدة، سواء من قبل متعهديهن أو زبنائهن (86% تعرضن لعنف جسدي، و80% لعنف جنسي و65% استعمل ضدهن السلاح). وإن إلغاء العقوبات في حق القوادين وزبنائهم لن يجعل هؤلاء النسوة أقل تعنيفا على الإطلاق. تحذير وتنبيه إن مدينة باركلي تشهد حاليا ارتفاعا في عدد المومسات. كما أن شرطة المدينة اعتقلت عددا كبيرا من القاصرات تمارسن البغاء؛ بعضهن يبلغن أقل من ثلاث عشرة سنة. أما إذا ما ألغي تجريم هذه المهنة فإن أعدادهن سوف تزداد ارتفاعا. إن نساء وأطفال الدعارة في حاجة إلى مساعدة أولا. وحسب بحث أجرته ميليسا فارلي؛ وهي طبيبة نفس سريري ومديرة مركز البحث في البغاء وفي التربية بسان فرانسيسكو فإن 89% من النساء المومسات يرغبن في التوقف؛ ولكنهن يجدن أنفسهن محاصَرات في فخ العنف والإدمان وفقدان الأمل. ورفع المنع في عالم البغاء لن يساعدهن على الهرب من هذا الجحيم؛ بل على العكس؛ سوف يلف الحبل على أعناقهن بشدة أعنف. ويجعلهن أكثر أسرا. هذا في الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ وفي ضاحية سان فرانسيسكو؛ عاصمة الشواذ والمومسات في العالم. إن أي بحث بسيط أو تحليل للدعوات المماثلة لهذه، من مثل دعوة التطبيع مع الشواذ والدفاع عن حقوقهم، وربما سوف نسمع غدا من ينادي بضرورة تقنين الدعارة تحت شتى الذرائع، وأي تحليل بسيط لمثل هذه الدعاوى سيكشف أن وراء الداعين إلى مثل هذه القاذورات الغريبة عن مجتمعاتنا والمخالفة؛ بل المعادية لديننا مصالح أخرى غير من يدعون الدفاع عنهم. إنه عالم من مجرمي الأعراض ومفسدي الأخلاق، الذين يعتمدون على مثل هذه التجارات لزيادة أرباحهم التي لا يهمهم أن تكون حراما ولا أن تخرب مجتمعاتهم.