تثير قضية الدعارة بالمغرب مجموعة من الإشكالات والاستفهامات حول المقاربة الأصلح للقضاء عليها، وبين طرح المقاربة القانونية الداعية إلى تقنينها، وبين المقاربة الداعية إلى البعد الأخلاقي في تطويقها، وبين المقاربة الاقتصادية التي تبحث عن موارد جديد لخزينة الدولة، بقيت الدعارة تتفاقم دون أن تجد لها صيغة أو مقاربة فاعلة للحيلولة دون انحلال المجتمع والقضاء على الأسرة باعتبارها نواة المجتمع. ولمزيد من الإضاءات يقترح عبد المالك زعزاع مقاربة شمولية تستمد قوتها من الديني والأخلاقي والقانوني والاجتماعي ... من أجل الحليولة دون الوقوع في خطأ الغرب الذي صار يفتقد إلى الأسرة ويعاني من الانحلال الاجتماعي. ترتفع بين الفينة والأخرى دعوات لتقنين البغاء في العالم الاسلامي، كيف تنظرون إلى الأمر في بلد إسلامي كالمغرب؟ ظاهرة الدعارة بالمغرب منتشرة وموجودة بكثرة، ولكن ينبغي ألا تظهر إلى العلن وتقنن، فهذه الدعوة تكريس للفساد وتمكين للمفسدين بقوة القانون، فنحن في هذا البلد دولة إسلامية ولا يمكن الترخيص فيها لهذا النشاط الذي يناقض قيم وأخلاق المجتمع، بل إن هذه الدعوة اعتبرها كثير من العلماء في مصر والجزائر وبلدان إسلامية أخرى مروقا عن الدين، ولذلك نرى انطلاقا من الثوابت والمقدسات، والتي من ضمنها الإسلام في المغرب، أنه لا يمكن بتاتا الترخيص للبغايا وتقنين ظاهرة البغاء، فتصبح الدعارة علنا، لأن الدول العربية والإسلامية تبحث دائما عن التستر، والمغرب باعتباره دولة إسلامية يرفض نشر غسيله، وفضح الممارسات غير الشرعية بقوة القانون؛ عملا بقوله صلى الله عليه وسلم إذا ابتليتم فاستتروا. ينطلق دعاة التقنين من تجارب الغرب في الموضوع ومن معطيات سوق الشغل ومن منطلق إيجاد موارد إضافية لخزينة الدولة عبر فرض الضرائب على قطاع البغاء، كيف تنظرون إلى هذه المقاربة؟ ما يمكن تسميته بالمقاربة الاقتصادية واعتبار مداخيل الدعارة موارد إضافية لخزينة الدولة، مقاربة فاشلة ومردودة على أصحابها، لأنها لم تؤت أكلها في الغرب، بل أسهمت في تدمير كيان الأسرة، ولم يعد في الغرب شيء اسمه الأسرة، وانتشرت مع الدعارة أمراض جنسية فتاكة، وانهارت للقيم، وأصبحت المرأة بضاعة تباع وتشترى في سوق السياحة الجنسية. وأعتقد أن ما يخسره العالم على الأمراض الفتاكة المتنقلة جنسيا أكثر بكثير مما يجنيه من ضرائب على الدعارة باعتبارها مداخيل إضافية للدولة، ويصدق على الدولة الإسلامية مثل المغرب المثل الذي يقول تموت الحرة ولا تأكل من ثدييها، وكل من يطالب من جبهة الفساد في البلاد العربية والإسلامية بالحماية القانونية للبغاء بهدف موارد إضافية لخزينة الدولة، وبهدف حماية وتنظيم الظاهرة، بشكل يجعل للباغية مكانا معروفا ورقما وبطاقة وعلامة لإجراء الفحص الطبي، الشخص الذي يطالب بذلك إنما هو شخص يهاجم ثوابت المجتمع الإسلامي. هل يمكن اعتبار مقاربة تقنين البغاء نوعا من رفع الحرج عن الدولة فيما يتعلق بجرائم السياحة الجنسية، وكثرة قضايا البغاء في المحاكم ونوعا من الاستجابة للضغوطات الأجنبية وضغوطات لوبيات الفساد؟ لن يرفع الحرج عن أي دولة عربية وإسلامية إذا قننت الدعارة والبغاء، لأن أي دولة فعلت ذلك ستدخل في حرب مع مكون أساسي لهذه المجتمعات هو الدين الإسلامي، الذي لم يقنن الدعارة في يوم من الأيام، وحارب الزنا والفساد والمفسدين، وكل أشكال ما يصطلح عليه اليوم بالسياحة الجنسية، وأن تقنين البغاء لم يكن موجودا في المغرب إلا في ظل الاحتلال الفرنسي، وحتى إن وجد في بعض العهود الغابرة في المغرب فإنه لم يكن بموافقة المسؤولين، والقائمين على الأمور وشؤون الأمة، لأن من مهام إمارة المؤمنين دائما وعبر تاريخ المغرب حماية أعراض الأمة، وأن من مات دون عرضه دفاعا عن شرفه فهو شهيد مثله مثل من مات دفاعا عن أرضه ووطنه في المفهوم الشرعي. وفي المغرب لا يمكن الاجتهاد في مثل هذه الأمور لأن الاجتهاد لا يكون في هذه الثوابت الشرعية عامة، ولا يعقل أن يخرج عنها، ونحن لسنا في دولة أوروبية علانية حتى نقنن الدعارة، لأن التيار النسوي في الغرب ثار على تعاليم دينية متطرفة، وعلى ممارسات وسلوكيات بشرية يسيطر عليها الجهل، وهو ما يترجمه حال المرأة في الغرب وبؤسها وشقاؤها، فهي في نظر الغربيين اختزال للنظرة الدونية للمرأة، في كون الدنيا كأس وغانية، فهي بائعة للهوى وصانعة للجنس، لا تستقر على حال، تستجيب لنزواتها الحيوانية، وتبيت الليالي الحمراء وتمارس الجنس مع من يدفع أكثر، بعيدا عن قيم الطهر والحب وميثاق الأسرة الغليظ وحماية العرض والشرف، ودول الجنوب ومنها المغرب لن تستطيع أن تفعل به إلا عند الاستجابة للضغوطات الأجنبية وإملاءات العولمة، وبذلك ستصطدم مع دين الدولة الرسمي، الذي هو الإسلام؛ على اعتبار ما يقول علماء الاجتماع، أن الدين مكون رئيسي في الوعي الاجتماعي، وهو الأقدر أكثر من المكونات الأخرى التي تشكل الهوية الوطنية بالمغرب على الصمود والتحدي، بل والتصدي لكل السلوكات الشاذة والمنحرفة التي تأتي من الغرب. لأنه ليس في الغرب من شيء في حقوق الانسان اسمه الحق في حماية العرض. كيف تقيمون جهود الحكومات والسياسات العمومية في المغرب في معالجة الموضوع؟ معالجة انتشار ظاهرة البغاء والدعارة في المغرب ينبغي أن ينبني على سياسات حكومية راشدة وواعية بخطورة الأمر، وهو الأمر الذي لا نراه يطبق على أرض الواقع، لأن القضاء على الظاهرة يقتضي القضاء على الفقر والتهميش، والتركيز في لتعليم والإعلام على خطورة الظاهرة وفتكها بالأجساد والأعراض وتقويضها لدعائم وأركان الأسرة المغربية. وكون التهميش والإقصاء وانتشار الجهل في تزايد مضطرد، فإن الظاهرة تنمو معه وتنتشر وتفتك بهذا البلد كما فتكت بالأسرة وقيمها في الغرب الذي نقلده التقليد الأعمى. - ما هي المقاربة البديلة التي ترونها في بلد يزداد فيه عدد البغايا وتتراجع فيه فرص الشغل وكذا المؤشرات السوسيواقتصادية باطراد؟ - المقاربة البديلة هي المقاربة الشمولية في جميع أبعادها الدينية والتربوية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية، والزجر القانوني الرادع، وتحقيق الكرامة للمرأة المغربية حتى لا تخرج إلى الشارع لتبيع جسدها طول النهار، وعندما لا يستجيب لها أحد تتحول إلى السعي علها تكسب قوتها اليومي أو تدخل في شبكات الدعارة، ومع الأسف في دول من العالم الإسلامي، حيث التستر على الظاهرة بعقود عمل مزيفة في مهن وحرف معروفة كالحلاقة وغيرها. للقضاء على الظاهرة لابد من القضاء على أساسها ولابد من التركيز على الجانب التربوي والأخلاقي والديني، بالإضافة إلى الاعتماد على احترام حقوق الإنسان وكرامة المرأة بالخصوص، لأننا في مجتمع مع الأسف يريد أن يمارس كل الموبقات لكن في سرية تامة، وهذا هو الخطر، وهو ذاته النفاق الاجتماعي الذي يسمح للمواطن والمواطنة بممارسة الفساد وادعاء الطهر والملائكية في نفس الوقت. وهذا الأمر الذي يجب أن يحارب ويفضح أيضا، إنه تلك الازدواجية المجتمعية عندما تصبح المرأة بين أسرتها وتظل تشبه الملك طهرا وصفاء وتصير في بعض دور الدعارة شيطانا لا يقيم للأخلاق والقيم وزنا.