أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    الأزمي يتهم زميله في المعارضة لشكر بمحاولة دخول الحكومة "على ظهر العدالة والتنمية"        تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    بيت الشعر في المغرب والمقهى الثقافي لسينما النهضة    الزمامرة والوداد للانفراد بالمركز الثاني و"الكوديم" أمام الفتح للابتعاد عن المراكز الأخيرة    اعتقال بزناز قام بدهس أربعة أشخاص    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي        محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدعارة من "أقدم مهنة في التاريخ" إلى عولمة النخاسة الجديدة (2):الدور اليهودي في التأصيل الديني لها وترويجها ومأساة الحالة المغربية
نشر في التجديد يوم 15 - 08 - 2002

تحت عنوان «الدعارة من "أقدم مهنة" في التاريخ إلى عولمة النخاسة الجديدة» فتحنا الجزء الأول من ملف يقطر أسى ومآسي في العالم كله، وفي المغرب أيضا.استعرضنا السياق الغربي للمصيبة الحداثية الكبرى، وسقنا بيانات ومعطيات، وشاركت معنا الأستاذة فاطمة الزهراء ازريويل بحوار ممتع عن الظاهرة، كما شاركت فعاليات نسائية فاضلة أخرى. واعتبارا لضخامة الكارثة وهولها، نستمر في التطرق لها، وهذه المرة نلقي الضوء على المشاركة اليهودية في إنتاج الدعارة والشذوذ الجنسي والتأصيل الديني لها في كل من التوراة المحرفة والتلمود الأحباري، وذلك من خلال مباحث الدكتور عبد الوهاب المسيري المتخصص في اليهود واليهودية والصهيونية، كما نستجوب أحد الأساتذة المتخصصين في علاج المغتصبات والراغبات في الخروج من السجن الكبير ويتعلق الأمر بالدكتور لطفي الحضري الأخصائي النفسي. كما ننقل شهادات من بحث الأستاذة فاطمة الزهراء ازريويل حول "الجسد المستباح"، وهي شهادات عن حالات مغربية. ونعد القراء والمتتبعين بالعودة قريبا إلى الموضوع لنستكمل باقي جوانبه.
الإباحية الجنسية والدور اليهودي في ترويجها
البغاء وتجارة الرقيق الأبيض والشذوذ الجنسي ..من التأصيل الديني إلى التنظيم المحكم
يتسم اليهود بالإباحية المطلقة (من منظور العقل التآمري) باعتبار أن هذا امتداد لشيطانيتهم وجزء من تآمرهم ضد المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها. وقد تناول الباحث المصري العبقري المتخصص في اليهود واليهودية والصهيونية الدكتور عبد الوهاب المسيري الدور اليهودي في عولمة الإباحية الجنسية والترويج لها والاشتغال في تنظيماتها الدولية عن طريق القوادة والبغاء والشذوذ الجنسي. وللدكتور عبد الوهاب المسيري «دراسة في الحركات اليهودية الهدامة والسرية: اليد الخفية»، ومنه انتقينا مقطعا من الفصل الخامس المعنون «الإباحية الجنسية اليهودية»،( للتوسع والمراجعة، انظر الصفحات 165 إلى179).
البغاء والعاهرة في الشريعة اليهودية
تعريف البغاء أمر خلافي وإن كان قد تم الاتفاق على أن البغي هي من تقوم بإشباع الرغبات الجنسية لعملائها نظير أجر تتقاضاه، ولذا يرى بعض الدارسين أن البغاء هو نشاط اقتصادي وحسب، تجاري في جوهره، وأن "البغي" إن هي إلا عاملة جنس (بالإنجليزية: "سكس وركر Sex Worker). وهم بذلك يرون أنهم قد طوروا مصطلحا محايدا، منفصلا عن المنظور القيمي.
وكلمة "البغاء" تقابلها في العبرية كلمة "زينوت"، وقد كانت البغي شخصية مقبولة وإن كانت محتقرة في المجتمع العبراني القديم. ففي سفر التكوين (83/41 91) جاء أن يهودا عاشر عاهرة نظير أجر. ولا يوجد في السياق منا يدل على أن هذا أمر مرفوض أخلاقيا (وقد اتضح فيما بعد أن العاهرة هي تامار زوجة ابنه الذي مات، وقد أنجبت من والد زوجها طفلين). ويذكر سفر يشوع قصة العاهرة راحاب التي ساعدت العبرانيين على دخول أريحا (يشوع 2/1 حتى نهاية السفر). وترد في سفر الملوك الأول (3/21 72) قصة سليمان مع الأمين اللتين تنازعتا طفلا، وهما في القصة عاهرتان. وتوجد في سفر القضاة (61/1) إشارة إلى زيارة شمشون لعاهرة في غزة. بل ويمكن أن نفهم من السياق في العهد القديم أن إبراهيم قد استفاد ماليا من العلاقة الجنسية لزوجته بفرعون مصر، وقد تكررت الحادثة بعد ذلك. ويبدو أن إستير (البطلة اليهودية التي يقرأ السفر المسمى باسمها في عيد النصيب) هي الأخرى عاهرة. وكل الإشارات والقصص تفترض أن مهنة البغاء مهنة طبيعية، قد تكون وضيعة ولكنها مع هذا جزء من البناء الاجتماعي والأخلاقي. وقد ورد في العهد القديم فقرات لا تحرم البغاء في حد ذاته،
وإنما تحرم على العبرانيين أن يدعوا بناتهم يعملن بهذه المهنة: "لا تدنس ابنتك بتعريضها للزنى لئلا تزني الأرض وتمتلئ الأرض رذيلة" (لاويين 91/92)، وهناك فقرات تحرم على الكهنة الزواج من عاهرات: "امرأة زانية أو مدنسة لا يأخذ ولا يأخذوا امرأة مطلقة من زوجها" (لاويين 12/7). وهي تحريمات غير عامة أو مطلقة وإنما مقصورة على أفراد معينين وتحت ظروف معينة. ولذا فإننا نجد إشارات عديدة في العهد القديم إلى عاهرات يقمن بوظيفتهن بشكل شبه عادي (أمثال 7/01 32، أشعياء 32/61، ملوك 22/83).
وعلى الرغم من وجود البغاء بين الذكور والإناث في المملكة العبرانية المتحدة، ثم في المملكتين الشمالية والجنوبية، فإن البغاء المقدس الذي كان يمارس آنذاك في الشرق الأوسط لم يجد طريقه إلى العبادة اليسرائيلية (أي العقيدة اليهودية في مراحل تطورها الأولى). كما أنه بسبب ارتباط البغاء بالعبادات الوثنية، كان يتم طرد البغايا في فترات الإصلاح الديني. وكان الأنبياء يستخدمون استعارة الزنى للتعبير عن انصراف الشعب عن الإله وخيانته إياه. ومع هذا يبدو أن بعض طقوس العبادات الكنعانية، ذات الطابع الجنسي الواضح، قد وجدت طريقها إلى العبادة اليسرائيلية.
ويحرم التلمود البغاء بين اليهود تماما. وهناك أجزاء كثيرة في التلمود تنعت البغاء بكل الصفات السلبية، وتبين عقوبة من يعمل بهذه المهنة البغيضة. وبشكل عام، فقد اختفت المهنة بين اليهود في العصور الوسطى وصاعدا، لكن هذا لم يمنع وجود حالات من البغايا اليهوديات والقوادين اليهود. وعلى الرغم من أن المواخير كانت، في كثير من الأحيان، تشيد خارج المدينة، بالقرب من الجيتو، فإن عدد اليهود الذين اشتغلوا بهذه المهنة كان نادرا بالقياس إلى النسبة السائدة بين الشعوب التي عاشوا بين ظهرانيها. وقد وردت أحكام في الشريعة اليهودية ضد العاهرات اليهوديات، وضد اليهود الذين يزورون المواخير. ولكن الشريعة اليهودية تقر بحق العاهرة في الحصول على أجرها. كما تعطي حق الطلاق لليهودية التي يذهب زوجها إلى ماخور.
شبكة يهودية عالمية للرقيق الأبيض
وفي العصر الحديث، ومع مشاكل التحديث في الغرب، أخذت الصورة تتغير بشكمل جوهري. ففي الفترة بيم عامي 1770 و 1930، عمل عدد كبير من اليهود في تجارة الرقيق الأبيض قوادين وعاهرات، وأصبحت منطقة الاستيطان في روسيا، خصوصا جاليشيا، أهم مصدر للعاهرات في العالم بأسره، وامتدت شبكة الرقيق الأبيض اليهودية من شرق أوروبا إلى وسطها وغربها، ومنها إلى الشرق، فكانت هناك مراكز في جنوب إفريقيا ومصر والهند وسنغافورة والصين. وقد أصبح البغاء جزءً من حياة قطاعات بعض يهود اليديشية في شرق أوروبا حتى صار عملا محايدا مجرد نشاط اقتصادي ومصدر للرزق وتحولت قطاعات من الجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية تعمل بالبغاء. وقد أشار أحد الأطباء اليهود من غرب أوروبا إلى أن كثيرا من أمهات البغايا كن ينظرن إلى البغاء باعتباره مصدرا مشروعا للرزق. ومسرحية الانتقام للكاتب اليديشي شولم آش توضح هذه الصورة، فبطل المسرحية يدير ماخورا للدعارة في الدور الأرضي من منزله، ولكنه يصر على أن هذا لا علاقة له بالقيم الأخلاقية التي تسود بين أعضاء أسرته (وازدواجية الأخلاق هي إحدى سمات الجماعة الوظيفية). وبغتة تفر ابنته من المنزل وتعمل بالدعارة في
ماخور آخر. وحين تعود نادمة على فعلتها، يرفضها أبوها ويرسل بها إلى الدور الأرضي لتعمل فيه مع بقية البغايا.
البغي اليهودية والقواد اليهودي
وقد أصبحت البغي اليهودية شخصية معروفة في كثير من عواصم أوروبا وإلى جوارها القواد اليهودي الذي لم يكن يكتفي بطبيعة الحال بتجنيد البغايا اليهوديات، وإنما كان يتاجر بفتيات من كل قطاعات المجتمع. وقد أصبح القفطان (زي يهود اليديشية) رمز تجارة الرقيق الأبيض، كما أصبحت اليديشية لغة هذه التجارة. وقد زاد عدد البغايا اليهوديات بشكل واضح في النمسا حيث زاد عدد اليهود في فيينا من بضعة آلاف في منتصف القرن التاسع عشر إلى مائة وخمسين ألفا مع نهايته، وحيث زادت معدلات العلمنة بشكل واضح وتفشت قيم اللذة.
وقد ذهب هتلر إلى فيينا، ولاحظ الوجود اليهودي في هذه التجارة المشينة، وسجل ملاحظته في كتابه "كفاحي". كما شهدت ألمانيا نفسها نشاط البغايا والقوادين اليهود بشكل مكثف إذ أنها كانت المعبر بين جاليشيا وبقية العالم. وقد ترك ذلك أثره بطبيعة الحال على أدبيات معاداة اليهود التي وجدت في هذا قرينة على مؤامرة اليهود على العالم ومحاولتهم إفساده، خصوصا وأنهم كانوا مركزين بشكل واضح أيضا في المجلات الإباحية وفي القطاعات الاقتصادية المماثلة.
"بوينس إيرس" عاصمة للأرجنتين .. وعاصمة البغاء اليهودي العالمي
وكانت الأرجنتين تعد أهم مراكز البغاء اليهودي في العالم (وتوجد هناك، حتى الآن، دار للمسنين تضم البغايا اليهوديات المسنات). وقد بلغ تجار الرقيق الأبيض اليهود درجة من القوة مكنتهم من التحكم في المسرح اليديشي، وفي جوانب أخرى كثيرة من حياة الجماعة اليهودية. وهذا يرجع إلى وجود قطاع اقتصادي لا بأس به، من بقالين وأصحاب عقارات وخياطين وغيرهم، مرتبط بهؤلاء التجار، ولذا فقد كونوا جماعة ضغط. ولكنهم، مع هذا، فشلوا في السيطرة تماما على الجماعة اليهودية، كما فشلوا في الحصول على القبول الاجتماعي من جانبهم. وقد كانت الجماعة تطلق عليهم مصطلح "تميم"، أي "المدنسين"، فاضطروا إلى تكوين جماعة يهودية مستقلة. وبرغم اشتغال هؤلاء القوادين بالبغاء، فإنهم أصروا على التمسك بهويتهم اليهودية، فكان لهم معابدهم وحاخاماتهم وقبورهم، كما كانوا يحتفلون بالأعياد اليهودية. وهكذا كانت بوينس أيريس هي عاصمة البغاء في العالم.
البغاء اليهودي .. حقيقة شاملة أم واقعة جزئية؟
ولا يمكن إنكار ما يقوله أعداء اليهود عن بروزهم في تجارة الرقيق الأبيض في أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي، فهذه حقيقة واقعية نؤثر أن نسميها "واقعة جزئية" في مقابل "الحقيقة الشاملة". ولكن تقرير الواقعة الجزئية دون ذكر الحقيقة الشاملة هو جوهر العنصرية. فهذه الأدبيات لا تحدد ما إذا كانت هذه الواقعة مسألة أزلية ثابتة لها دلالة عامة بالنسبة إلي ما يسمونه "الطبيعة اليهودية" أم أنها تفصيلة عرضية متغيرة ليس لها أي دلالة. كما أن هذه الأدبيات تخفي بعض الحقائق التي قد تمكننا من فهم الحقيقة بشكل أوسع.
وفي محاولة تفسير هذه الواقعة، يجب أن نشير إلى أن نهايات القرن التاسع عشر كانت مرحلة تعثر التحديث في شرق أوروبا حيث توقفت فرص الحراك الاجتماعي واضمحل الأمل في المستقبل بالنسبة إلى عدد كبير من اليهود الذين أدت عمليات التحديث إلى طردهم من أعمالهم التقليدية. فكان نصف عدد يهود جاليشيا البالغ عددهم ثمانمائة ألف متعطلين عن العمل، من بينهم تسعة وثلاثون ألف أنثى كن مصدرا خصبا للبغايا، ولكن الفقر في حد ذاته لا يؤدي أبدا إلى انتشار ظاهرة كالاشتغال بالبغاء، إذ لا بد وأن تصاحب ذلك تحولات في البيئة الاقتصادية (والأخلاقية والنفسية) للمجتمع، تطبع إلى حد ما مثل هذه المهن وتعطيها قسطا من القبول الاجتماعي. ومع تزايد حركة التصنيع شهدت هذه الفترة تركز أعضاء الجماعات اليهودية في المدن الكبرى. لكن سكنى المدن والتركيز فيها ليس مسألة مادية خارجية، وإنما هو شيء يحدث تحولات نفسية وأخلاقية عميقة. وقد كانت الفترة التي انتشر فيها الرقيق الأبيض فترة انفجار سكانية بين يهود شرق أوروبا، كما كانت فترة الهجرة الأوروبية واليهودية الكبرى إلى الولايات المتحدة، والهجرة تؤدي عادة إلى خلخلة الأخلاق. وقد صاحب ذلك تزايد معدلات
العلمنة في المجتمعات الغربية، وهو ما كان يعني زيادة الرغبة في الاستهلاك ونقصان المقدرة على احتمال الفاقة (مع تآكل قيم مثل الزهد والقناعة). وقد أدى كل ذلك إلى تفكك الأسرة، وفقدان الأب السيطرة والهيبة التقليدية، كما فقدت المؤسسة الدينية اليهودية ذاتها معظم شرعيتها وسيطرتها بسبب هجمة الدولة القومية العلمانية عليها. وقد ساعدت وسائل الاتصال الحديثة على سرعة انتشار تجارة الرقيق الأبيض شأنها في هذا شأن أية تجارة أخرى.
ومن الأسباب الأخرى التي ساعدت على انتشار البغاء بين إناث اليهود تشدد العائلات اليهودية، فكثيرا ما كانت الفتاة تخطئ مرة واحدة فترفض الأسرة السماح لها بالعودة. كما كان التعليم الديني مقصورا على الذكور، ولذا كانت الفتيات يتلقين تعليما علمانيا (خارج المدارس التلمودية العليا)، وهو ما زاد من معدل علمنتهن. وكانت كثير من الفتيات اليهوديات يتسمن بالسذاجة نظرا لأن عزلة الجيتو وقبضة الأسرة اليهودية القوية شكلت سياجا بينهن وبين الواقع الأروربي الذي كان يتغير رتتغير أخلاقياته بسرعة غير مألوفة في تاريخ البشرية بأسره.
وقد ساهمت الطقوس اليهودية الخاصة بزواج المطلقة أو الأرملة في انتشار البغاء، إذ لم يكن يسمح للمرأة أن تتزوج مرة أخرى إلا بعد حصولها على "جيط" وهي شهادة شرعية تصدرها المحاكم الحاخامية. ولكن الحصول على مثل هذه الشهادة كان أمرا في غاية الصعوبة، الأمر الذي أدى إلى وجود عدد كبير من المطلقات والأرامل ممن لا يحق لهن الزواج. وقد بلغ عددهن 52 ألفا في بولندا (بعد الحرب العالمية الأولى).
ومن الحقائق المشينة أن الحكومة الروسية كانت تعتبر أن وظيفة البغاء من الوظائف التي تسمح لصاحبتها بمغادرة موطن الاستيطان (باعتبار أن البغاء تجارة متميزة ونافعة وقد كان التجار المتميزون والعاملون بوظائف نافعة يتمتعون بحق ترك منطقة الاستيطان متى شاءوا). وقد خلق هذا وضعا شاذا إذ أصبح بوسع الفتاة التي تعمل بهذه الوظيفة أن تترك أسرتها وتذهب إلى موسكو (على سبيل المثال) بعيدا عن سلطة أسرتها ثم تعود بعد فترة ومعها ثروة لا بأس بها، وهو ما كان يدعم من مكانتها داخل الأسرة ويقوض من هيمنة الأب وشرعيته. ومن الأسباب التي أدت إلى انتشار البغاء في الأرجنتين أن التجارب الاستيطانية فيها اتسمت بزيادة عدد الذكور، وهو ما خلق سوقا رائجا للبغايا.
الرقيق الأبيض اليهودي ..أسباب الازدهار
ومن أهم العناصر التي أدت إلى انتشار تجارة الرقيق الأبيض أن اليهود كانوا يشكلون في الحضارة الغربية جماعة وظيفية تشتغل بكثير من الأعمال الهامشية في المجتمع، أو الأعمال المشبوهة من الناحيتين الأدبية والمادية مثل العمل بالمجاري ومثل الأعمال التي تتطلب قدرا كبيرا من الحياد كالتجارة والربا، كما أنهم يتجهون إلى الأعمال الجديدة التي تتطلب روح الريادة. وتجارة الرقيق الأبيض تنطبق عليها كل هذه المواصفات، فهي تجارة هامشية تتطلب قدرا كبيرا من الحياد وعدم الالتزام العاطفي أو الأخلاقي تجاه أعضاء المجتمع، وهي وظيفة مشبوهة أخلاقيا. كما أن الفترة التي راجت فيها هذه التجارة هي فترة مفصلية، ومثل هذه الفترات تملؤها عادة الجماعات الوظيفية، وهي في الواقع مفصلية من ناحيتين:
أولا، كانت معدلات العلمنة في المجتمع الغربي قد ارتفعت بشدة، ولكن يلاحظ أن علمنة الرغبة قد سبقت علمنة السلوك، فنجم عن ذلك أن تفتحت شهية الإنسان الغربي إلى استهلاك السلع والنساء. ولكن الحرية الجنسية لم تكن قد انتشرت بعد، ذلك لأن الجماعات اليهودية في نفس هذه المرحلة قد فقدوا دورهم التقليدي داخل قطاعات اقتصادية معينة، وفقدوا مكانتهم السياسية، وكان "القهال" كتنظيم اجتماعي سياسي قد تآكل تماما. وفي ذات الوقت، لم يكن قد تم دمجهم في المجتمعات الغربية. وقد تزامنت هذه المرحلة الانتقالية مع نفس المرحلة المفصلية التي أشرنا إليها. ومن الملحوظ أن نفس هذه المرحلة هي التي شهدت ازدهاراللغة اليديشية والفكرالصهيوني وحزب البوند. ومع نهاية المرحلة المفصلية، اختفت معظم هذه الظواهر باندماج يهود العالم الغربي في مجتمعاتهم، أوعن طريق إبادتهم.
ومن الأمور المهمة التي يسقطها أعداء اليهود أنه كانت توجد أعداد كبيرة من البغايا غير اليهوديات، وأنه بعد الثلاثينات، بدأت ظاهرة البغي اليهودية تختفي كظاهرة متميزة لها دلالتها. والأهم من هذا أن أغلبية أعضاء الجماعات اليهودية شنت حربا شرسة ضد التجارة المشينة، وكان هذا من أهم العناصر التي أدت إلى القضاء عليها.
الصورة في الكيان الصهيوني
أما في "إسرائيل"، فإن الصورة مختلفة إلى حد كبير. فيلاحظ زيادة البغاء بشكل واضح حتى بين طالبات المدارس والفتيات القاصرات. بل إن "إسرائيل" تصدر العاهرات أيضا إلى دول العالم الغربي. ففي فرانكفورت، يلاحظ وجود عدد كبير من العاهرات "الإسرائيليات". وفي أمستردام تزايد عدد القوادين "الإسرائيليين"، حتى أن لغة الدعارة هناك أصبحت العبرية أو رطانة عبرية. وقد صدر مؤخرا، في "إسرائيل"، قانون يبيح البغاء. وبحسب مشروع القانون المذكور، يسمح للمرأة الوحيدة (أي غير المتزوجة) بممارسة البغاء في بيت أو فندق أو سيارة أو قارب، كما يسمح لها بنشر "الإعلانات المعقولة". وعلى كل، فإن الصحافة الإسرائيلية كانت زاخرة بمثل هذه الإعلانات "المعقولة" حتى قبل صدور القانون.
ويبدو أن ما بين 51 إلى 02% من المهاجرين السوفييت من النساء اشتغلن بالبغاء وهو شكل من أشكال بيع الطاقة العضلية، حيث يصبح النشاط الجنسي نشاطا اقتصاديا موضوعيا محايدا فالبغي حالة متطرفة من الإنسان المرتزق. ويبدو أن هذا السلوك كان محايدا للغاية إذ كانت النساء يعملن بعلم أعضاء الأسرة وموافقتهم، وهو الأمر الذي سبب صدمة للإسرائيليين الذين لم يصلوا بعد إلى هذا المستوى العالي من الحياد والموضوعية والمادية.
الشذوذ الجنسي .. موجزمن التاريخ اليهودي
يحرم العهد القديم العلاقة الجنسمثلية أو الشذوذ الجنسي بين الذكور، وتبلغ عقوبة هذه الجريمة حد الإعدام. أما التلمود، فهو يحرم العلاقة الشاذة بين كل من الذكور والإناث. ولا يوجود وصف تفصيلي لحوادث جنسمثلية في العهد القديم إلا في حادثة لوط (تكوين 91/5)، وفي قصة بنو بليعال من بنيامين (قضاة 91/029.
ويبدو أن سلوك أعضاء الجماعات اليهودية عبر التاريخ البشري كان يتسم بالإحجام عن الشذوذ الجنسي، ولذا فإننا نجد أن التلمود لا يشغل باله كثيرا بالعلاقات الجنسية الشاذة، بل إن الشولحان عاروخ، وهو تلخيص للقوانين التلمودية، يهمل ذكرها باعتبار أنها أمر مفروغ منه. ومما يجدر ذكره أنه في أثناء المواجهة بين اليهودية والهيلينية في القرون الأخيرة قبل الميلاد، ومع "تأغرق" (نسبة إلى الإغريق) أعداد كبيرة من أعضاء النخبة اليهودية في مصر وفلسطين، ورغم القبول الواضح في التراث الهيليني للشذوذ الجنسي، فإن أعضاء الجماعات اليهودية لم ينعمسوا في مثل هذه الممارسة. ويبدو أن بعض الأدباء السفارد، متأثرين بتقاليد الشعر العربي والتغزل بالغلمان، كتبوا عن حب أفراد من نفس الجنس. بل ويبدو أن الممارسات الجنسية الشاذة كانت منتشرة بين السفارد قبل وبعد الطرد من إسبانيا حتى أن كلمتي "يهود" و "شاذ جنسيا" كانتا مترادفتين في شبه جزيرة إيبريا. كما أن التراث القبالي يرى أن كلا من الإله والإنسان (قبل تبعثر الشرارات) مكونان من عناصر ذكورة وأنوثة مختلطة، وفي هذا تعبير عن الواحدية الكونية الحلولية ورفض للثنائيات.
الريادة اليهودية للشذوذ الجنسي
وقد تغير الوضع تماما في العصر الحديث مع تصاعد معدلات العلمنة بين أعضاء الجماعات اليهودية، فليس أول جماعة عالمية للشواذ جنسيا من الذكور هو ماجنوس هيرشفيلد (8681 5391)، ومساعده كورت هيلر (5881 2791)، وكلاهما كان ألمانيا يهوديا (بل وكان هيلر يزعم أنه من نسل الحاخام هليلي). وكان هيلر هو أول من طالب باعتبار الشواذ جنسيا أقلية لا بد من حماية حقوقها. ويلاحظ اهتمام علماء النفس اليهود بموضوع الشذوذ الجنسي. ومن المعروف أن فرويد ينسب لكل البشر ازدواجية جنسية أو جنسمثلية كامنة.
ولكن حتى لا تفسر هذه المعلومات تفسيرا عنصريا يبسط الأمور تبسيطا مخلا يجعل من اليهود "مسؤولين" عن الشذوذ الجنسي، لا بد وأن نشير إلى أن التقبل المتزايد للشذوذ الجنسي وتطبيعه هو إحدى سمات المجتمعات العلمانية المتقدمة، كما أنه نتيجة حتمية لغياب اليقين المعرفي والمطلقية الأخلاقية وغياب المركز وتعاظم أهمية الهامش وإنكار أي مفهوم للطبيعة البشرية ومن ثم أي معيارية. وإذا كان هناك وجود ملحوظ لليهود في الحركات الداعية لتطبيع الشذوذ الجنسي، فهذا أمر نابع من أن أعضاء الأقليات (الذين يوجدون في الهامش)، وخصوصا أولئك الذين يتحولون إلى جماعات وظيفية، لهم استعداد أكبر من استعداد أعضاء الأغلبية لارتياد آفاق جديدة سواء في عالم الاستثمار أو في عالم الأفكار والسلوك.
الشذوذ الجنسي .. التطبيع معه والدفاع عنه
ومهما يكن الأمر، فإن حركة الشذوذ الجنسي في العالم الغربي قد حققت تقدما ملحوظا حتى أن قوانين معظم بلاد أوروبا قد تغيرت، فهي تسمح بالعلاقات الجنسية الشاذة الخاصة بين بالغين يدركون ما يفعلونه ويقبلونه. وبدأت تصدر تشريعات تعترف بالعلاقة الشاذة جنسيا كزواج شرعي يعطي لطرفيه كافة حقوق المتزوجين من معاش حكومي إلى علاوات إضافية بل وحق تبني الأطفال! كما أن كثير من الكنائس المسيحية أصبحت تقبل العلاقة الشاذة جنسيا، بل وتؤسس الآن كنائس للشواذ جنسيا، ويرسم الشواذ جنسيا قساوسة ووعاظا. وقد بدأت المؤسسات الدينية اليهودية تلحق بالركب، فاليهودية الإصلاحية والمحافظة لا تحرمان الآن الشذوذ الجنسي. وهذا دليل آخر على أن الجماعات اليهودية هي، في نهاية الأمر، ثمرة التغيرات الحضارية والاجتماعية التي تقع للمجتمعات التي يعيشون في كنفها، ومن السخف بمكان التحدث هنا عن "تاريخ يهودي مستقل" أو عن مسؤولية اليهود عن الشر.
ونحن نتوقع أن تتطور الأمور بين الجماعات اليهودية بشكل أسرع منها بين المسيحيين، وهذا يعود للتركيب الجيولوجي التراكمي لليهودية والتي تحوي داخلها أشياء عديدة متناقضة. كما أن تطور اليهودية وقبولها للهوية الإثنية كأساس للانتماء، بدلا من العقيدة الدينية، يفتح الباب على مصراعيه لأي سلوك مهما تنافى ذلك مع القيم الأخلاقية أو الدينية، فالهوية الإثنية لا تفرض على صاحبها أية أعباء أخلاقية. وكما جاء في إحدى الدراسات، فإن المعابد اليهودية الشاذة جنسيا تكافح من أجل الحصول على الفهم والقبول من "بيت إسرائيل" (الشعب اليهودي) رغم أنف التحريمات الواردة في التوراة وتقاليد اليهودية الحاخامية التي استبعدتهم من الحياة الدينية للجماعة.
والقانون العثماني الذي طبقته حكومة الانتداب، ومن بعدها الدولة الصهيونية، يحرم العلاقات الجنسية الشاذة. ومع هذا، كانت السلطات التنفيذية الصهيونية تنظر للمارسات الشاذة بكثير من التسامح، ولذا لم يقدم أحد قط للمحاكمة بتهمة الممارسة الجنسية الشاذة. وفي عام 8891، أصدر الكنيست قانونا بإلغاء القانون الذي يجرم العلاقات الجنسية الشاذة (رغم معارضة اليهود الأرثوذكس)، ولا يعفى الشواذ جنسيا من الخدمة العسكرية، ولكنهم ينقلون إلى مواقع غير هامة من الناحية الأمنية. ويوجد في إسرئيل جماعة تسمى جماعة الدفاع عن الحقوق الشخصية أسست عام 5791. وبعد عام 8891 ظهرت مجلات شاذة جنسيا في إسرائيل باللغتين العبرية والأنجليزية. وفي يونيو 1991، عقد في تل أبيب المؤتمر الدولي الثالث للشواذ جنسيا من الذكور والإناث والمخنثين (أي الذين يضمون عناصر ذكورة وأنوثة). وهناك اتجاه الآن في إسرائيل نحو منح المزيد من الحريات للشواذ جنسيا. وقد صرحت يائيل ديان، ابنة موشيه ديان، أن العلاقة بين الملك داود ويوناثان هي علاقة شاذة جنسيا، وقد عرضت مسرحية في إسرئيل تتناول سيرة داود الملك بنفس الطريقة. وهناك العديد من الأفلام والأعمال الفنية
التي تتعامل مع هذا الموضوع. وقد عقد أول "زواج" بين ذكرين من الشواذ جنسيا في "إسرائيل" على يد حاخام إصلاحي عام 1998، الأمر الذي أثار حفيظة المؤسسة الدينية وطرح من جديد قضية "من هو اليهودي؟".
الدكتور عبد الوهاب المسيري «دراسة في الحركات اليهودية الهدامة والسرية: اليد الخفية»
الفصل الخامس «الإباحية الجنسية اليهودية» ( للتوسع والمراجعة، انظر الصفحات 165 إلى179).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.