بعد أكثر من ثلاثين سنة على اندلاع ما يسميه الغربيون "الثورة الجنسية" تواجه الأجيال الحالية الباب المسدود الذي انتهت إليه الموجات المتلاحقة المتصاعدة لتلك "الثورة" ويجني الأخلاف اليوم الثمار المرة لتمرد الأسلاف الذي بدأ إيديولوجيا تحرريا وانتهى في شبكات التجارة الدولية للجنس المختلفة الأشكال والأذواق والألوان. وتعتبر الدعارة الدولية الجامعة بين الإناث والذكور والأطفال، أكبر نتائج الثورة الجنسية في الجهات الأربع من العالم، وتحتل صناعة الجنس وتجارته حاليا المركز الثالث في الترتيب الدولي بعد السلاح والمخدرات. الحديث عن الدعارة الدولية وانعكاساتها على المغرب، يجر إلى النظر في جوانب عديدة ترتبط بهذه الآفة المستفحلة، منها تاريخ الدعارة، وحقائقها الرهيبة، والعاملون على عولمتها، وآثارها المدمرة، والسياحة الجنسية وسبل مواجهتها. وانعكاسات ذلك كله علي المغرب. الدعارة في الغرب: سياق تاريخي يقول الغربيون عنها هي أقدم «مهنة في التاريخ» وإذا سلم المرء بذلك، فمن أين يمكن البدء في التأريخ لها، وما هي نقطة الصفر فيها، حيث الزبون هو الزبون، والعاهرة هي العاهرة، والنخاس الماشي بينهما هو النخاس، والمال في كل هذا هو عصب لحومها وعظامها والدماء والجلود. يقول المؤرخون لهذا الأمر الوبيل إن القدامى جدا جدا كانوا يكرمون ضيوفهم بتقديم زوجاتهم لهم ليقضوا معهن ليلا دنيئا، ولأن هؤلاء "البدائيين" كانوا يعتبرون الأنثى زوجة كانت أم غير ذلك مجرد متاع من الأمتعة، فيحق لهم التصرف بموجب ذلك فيها بالبيع والشراء والتصدق والإهداء. ومما يدل على هذا التصرف الشنيع أن الجذر اللغوي لفعل "باع" في اللغة اليونانية وهو "بورنييا" يعني الدعارة. ولأن هؤلاء الإناث يقدمن المتعة واللذة، فقد تم ربطهن بالعبادة والمعابد في كل من أثينا اليونانية وبومباي الهندية، وأطلق عليهن لقب "العاهرات المقدسات". وعندما تطورت أثينا بإنشاء نظامها السياسي خصصت للراغبين في المتاجرة الجنسية بعبيدهم وإمائهم مكانا خاصا، وهكذا اعتبر المشرع الآمر بذلك "سولون" رجلا "مصلحا"، وتلك كانت هي بداية "البيوت المغلقة" المخصصة للدعارة. وفي عهد الإمبراطور البيزنطي تيودور الأكبر (379 - 395) أمر بنفي كل الآباء والأزواج والأولياء الذين يستخدمون بناتهن وزوجاتهن وإمائهن في الدعارة، وجاء بعده الملك تيودوريك الأول فاعتبر القوادة موجبة للإعدام وفي عهد هذين الملكين لوحظ أن العاهرات الباغيات لم يتم اعتبارهن مجرمات، وذلك ما خالفه الملك آلارك الثاني الذي سن "قانون آلارك" حكم فيه على النساء الباغيات بالجلد. واستمر العمل بهذا القانون طويلا بعده في عهد عدد من الملوك مثل جنسريك القرطاجي والإمبراطور الروماني الجرماني فريديريك الأول البروسي. وشدد في إجراءاته لأول مرة على تراب فرنسا الملك شارلمان، إذ أضاف إلي أن كل شخص يمارس الجنس مع العاهرات أو يساعدهن أو يمتلك مأخورا لذلك يعرض نفسه للجلد، وحوكمت الباغيات على أنهن مجرمات، ووصلت الأحكام في حقهن إلى مئة جلدة أو أكثر، وقطعت شعورهن من رؤوسهن وفي حالة المعاودة يعرضن للبيع في سوق النخاسة. غير أن بريقا من النظرة الشاملة ظهر مع الإمبراطور البيزنطي جوستيتيان الأول، الذي أدرك أن الآفة لا يقضي عليها بحدود قانونية وعقوبات زجرية فقط، بل لابد قبل ذلك من مواجهة البذور الأولى لها في مهدها. وساند الإمبراطور في رؤيته وطريقته زوجه تيودورا، وهكذا ذهب الملك وزوجه إلى اعتبار القوادين النخاسين هم المجرمين الحقيقيين المستحقين لكل عذاب مهين، ثم قررا أن ينهيا العمل بقانون كان يحرم على كل "عاهرة" التزوج مرة ثانية، بل ذهب الملك وزوجه إلى أبعد من ذلك فأنشأ مراكز لإعادة إدماج النساء المتحررات من ظلمات الدعارة وبؤسها، وكان ذلك أول مركز في تاريخ الغرب يشرع في عمل مثل هذا. ولم تدم هذه التجربة طويلا إذ سرعانما انقلب الوضع على عقبيه،وأخرجت الحدود والعقوبات بدل الوقاية المتقدمة، وهكذا وجدت شبكات الدعارة مرتعا جديدا للعمل والتكيف مع الأوضاع الأمنية بما يليق بها. حتى إذا ظهر ملك آخر وهو المصلح لويس التاسع، فوضع حدا لسلسلة طويلة من المعاجلات الخاطئة، وكان أول ما بدأ به هو تحريم الدعارة ومنعها أولا أو شدد في العقوبات والحدود ليدرك بعد سنتين من ذلك أن النتيجة عكسية تماما، ويصدر قرارا جديدا بتنظيم الآفة وحصرها في أمكنة معينة، وسار على دربه الملك جستنيان الأول وأعاد فتح مراكز الإدماج من جديد، واستمر العمل بذلك قرنا كاملا من الزمان إلى حدود عهد شارل الخامس. لكن الكابوس الأكبر للملك سانت لويس كان يجثم على صدره وصدر جيشه وهو يقود الحملات الصليبية المتتالية نحو الأرض المقدسة، ولم يكن بد من الترويح عن المحاربين "المرابطين" بنساء يقدمن خدمات جنسية مدفوعة الأجر لحاملي السلاح، وباركت الكنيسة الأمر معتبرة أن ذلك شر لابد منه، وهكذا اصطحب الملك "المتقي" كما يصفه الواصفون في حملته الصليبية الثامنة وفيها لقي الموت على أسوار قرطاج حوالي ثلاثة عشرألف (13000) بائعة للهوى والجنس، لرفع "معنويات المحاربين الصابرين". وإذا كانت الكنيسة قد اعتبرت الدعارة رجسا حراما طيلة القرون الستة الأولى بعد ميلاد السيد المسيح عليه السلام فإنها بعد ذلك تحولت نحو التسامح معها والمرونة إزاءها، وذلك ما أفتى به القديس أوغسطين الأب الروحي للكنيسة اللاتينية، وعلى آثار فتواه سار القديسين طوما الأكويني، واعتبرالدعارة شرا لابد منه، وأن العتاب والملام يقع أولا على "العاهرة". وما دام الأمر كذلك فلا بد من الاعتراف بوجود العاهرات بشرط تميزهن عن "العفيفات الشريفات"، والاستثمار التجاري والمالي بجمالهن وجلودهن. فانتهى الأمر بالكنيسة ورهبانها إلى تنظيم «العمل الجنسي» في مواخير وبيوت خاصة حتى تسهل المراقبة والجباية المالية لمداخيلها، وهكذا أصبحت الدعارة تتم تحت الرعاية الكنسية لها، وأصبح البابوات والقساوسة يديرون تجارة الخطايا لتبييض أموالها وصرفها في وجوه "الخير" التي يراها الأرباب. صارت للدعارة بإذن من الكنيسة ورعايتها المولوية المقدسة بيوتها وأزقتها الموصوفة المعلومة وقطعت للعاهرات ملابس خاصة ومنعن من لبس الحرير والفرو في لندن ، ووضعت على رؤوسهن وصدورهن علامات يتميزن بها، كالأشرطة الصفراء في الأعناق، ولبس خفي خاصين يمنع الدخول بغيرهما بإيطاليا ، ومن خولت لها نفسها التمرد والخروج عوقبت بغرامة مالية مقدارها عشر (10) جنيهات وخمسة وعشرون (25) جلدة كاملة. وعلى عهد مؤسس شركة يسوع لم يعتقد أغناس دولويولا ما اعتقده إخوانه السابقون من تمييز وتنظيم، بل وسع الأمر وأصبحت الدعارة في زمنه سوقا تجاريا كبيرا، ومصدر رزق عند الآلاف من النساء اللاتي اضطرهن الفقر والجوع إلى إظهار المحاسن والمفاتن والمتاجرة بها. ظلمات في عصر الأنوار عصر الأفكار الكبرى والعقول الفلسفية العملاقية، غير أن الظلمات فيه أحلك من الليل البهيم، ويكفي أن يلج المسافر في التاريخ في مدنه وطبقاته الاجتماعية ليفقد الوجهة والطريق، كان سوق الدعارة بأسواره العالية وسقوفه الغليظة نشيط الحركة، ولم يكن استهلاك اللذة في لحظات محددة الزمن والثمن مقتصرا على فئة اجتماعية وسياسية. احتل مركز الزبون الأول دوق أورليان الوصي على عرش المملكة الفرنسية، واستمتع بالفسوق والمجون رفقة العلية من قومه الأثرياء الأولياء، وسار على دربه من بعده جلالة الملك لويس الخامس عشر الذي لم يشبعه الاستئثار بمدام دوباري ونقلها من ماخور عام إلى حريمه الخاص، بل ذهب وهو المغرم بالفتيات الصغيرات، إلى تأسيس شبكة خاصة به، تقوم بالتقاط وتصنيف البضائع الأنثوية، وتجميلها وتزيينها، وإرسالها إلى حضرته من مختلف أقاليم المملكة، وتضامن معه في الإثم والعدوان الأمراء والوزراء والموظفون السامون، وعلى دين الملك وحاشيته سار الباحثون إلى أسفل السافلين من فئات الدولة والمجتمع، بمن فيهم أرباب الكنيسة ورهبانها الذين انخرط كثير منهم في القوادة، والمتاجرة بإناث دون سن الحادية عشرة من العمر، وأوصل المؤرخون الحاسبون عدد العاهرات إلى أربعين ألفا في باريس وحدها. ولما زحفت الأمراض الجنسية على الآثمين عند نهاية القرن الثامن عشر، قرر أصحاب الأمر والنهي احتجاز العاهرات المصابات وعزلهن، ومن بدر منها أدنى تمرد وتمنع سامها السوط الأليم والزنزانة الضيقة. ظهور نابليون وغداة ظهور نابليون إثر هبوب ريح الثورة الفرنسية، قرر ترتيب "العمل الجنسي" وتنظيمه، كعمله في سائر الميادين. فلم يهتم بمصير الفتيات "الفاسدات" ولا بالظروف التي ساقتهن إلى "العمل المهين"، بل اعتقد مثل كثير من حوارييه، أنهن سبب الوباء والاكتساح المرضي، ولذلك قضى بسجنهن وحراستهن من أجل المصلحة العامة للمجتمع، وأنشأ من أجل هذه المهمة جهازا أمنيا خاصا، وخوفا من مضاعفات أكبر للأمراض المتنقلة جنسيا، آل الأمر إلى ظهور "المنازل المغلقة" من جديد. "المنازل المغلقة" تنظيم الدعارة والمراقبة الصحية والقانونية لها اقتناع وصل إليه الذين يرون أنها آفة ضرورية وشر لابد منه، وحي لا تستفحل وتصبح وباء يجتاح المجتمع لزم التحكم فيها والسيطرة عليها. والشرط في ذلك ألا يفسح المجال للاستمتاع بها لكل من هب ودب، فلابد من قطع الطريق على "الطبقة الفاسدة". من الأفضل إذن مراقبة الفساد وتدبير أمره خير من علاجه ومن تركه للقوادين يستثمرونه كيف يشاءون. وهكذا بدأت المنازل المغلقة للدعارة الخاصة تفتح أبوابها للقوم الكبار، ويذكر الكتاب والأدباء، خاصة الفرنسيون منهم، صفحات مزينة من الليالي الحمراء التي قضاها المتلاعبون بنسوة لاحول لهن ولا قوة وأكرهن على استعراض كل صغير وكبير من الأبدان وما ظهر وما خفي، والشبقيون ينظرون وأعينهم المقلوبة تدور من خمور مضاعفة. شارك في الجريمة علية القوم والملأ الذين حكموا واستكبروا من رؤساء ووزراء ونجوم وزعماء العصابات..لم يتخلف منهم أحد وكلهم تواطأوا على السهرات النكراء. وكم تصارع المتصارعون منهم ليفوزوا بالطاولة المحظوظة والمقاعد القريبة حيث يحلو لهم أن يشاهدوا مشاهد العهر والعورات من مكان قريب. لكن هذا العمل المشين لم يقتصر على الكبار فقط، بل الناس على دين ملوكهم وأمرائهم ووزرائهم،ولا يمكن أن يبقوا دون استمتاع، لذلك ظهرت الدرجات الدنيا من "المنازل المغلقة"، مثل المنازل الخاصة بالبورجوازية الصغيرة، وتحتها ظهرت المواخير الشعبية المخصصة للسفهاء من العوام. وعندما رحل الاستعمارإلى الدول المتخلفة عنه حمل معه هذا المظهر "المتميز" من حضارته وتمدنه وغرس البذور الخبيثة فيها. عوملت النساء في تلك المنازل المغلقة معاملة قطيع من البهائم المخصصة لتفريغ الشهوات فقط، ولم يكن يخرجن من الاصطبل سوى إلى المستشفى أو السجن. لم تكن تستريح من زبون حتى يصعد فوقها آخر، ثم يليه الثالث والرابع ..حتى يصل العدد إلى العشرين أو الثلاثين، دون أن تعبر عن الألم والشكوى وحتى ينهكها الوحوش الضارية. وإذا انضاف إلى كل هذا خمور وسجائر ومخدرات للهروب من التعذيب المتوالي اتضح أن البهائم أحسن حالا ومآلا من هؤلاء التعيسات الشقيات. قال أحد الأدباء الفرنسيين واصفا ذلك: « هنا كنا نصل إلى حافة الجنون، لم يبق فينا شيء من الإنسانية، إن دانتي الإيطالي نسي أن يضيف هذه المشاهد إلى رحلته في جهنم.» نظام المنازل محكم تشرف عليه إحدى السابقات الخبيرات المتخرجات من مسار طويل وشائك نجت على إثره من الهلاك فاستحقت القيادة عن جدارة واستحقاق، وأن تكون "أما" ل"البنات" الصغيرات.ويطلب منها أن تكون قاسية حازمة لا راد لأمرها ونهيها. تسجل الأسماد والصفات وكل المعلومات، وتحرص على الحالة الصحية اليومية للبهيمة الحلوب. تعاقب من تستحق منهن العقاب فتقضي بالضرب الجسدي وبالغرامة المالية، ولاشيء يعلو على الاستغلال هنا. أليست هذه مقاولة جنسية هدفها المال فقط.أليست هذه قوادة ترعاها الدولة فالدولة إذن في طليعة القوادين، إذ أنها تأخذ على ذلك نصيبا مفروضا بقوانين الجباية القانونية وذلك نشاط اقتصادي، فلم العجب إذن.50 في المئة من الأرباح تذهب إلى خزينة الدولة والباقي يتوزع بين المشرفين على النظام من القمة إلى القاعدة لكن ليس بالتساوي و"العدل"، إذ أن حصة الأسد الكبرى يأخذها الزعيم الأعلى للماخور. وعلى سبيل المثال يذكر الذاكرون أن باريس كلها لم تكن فيها عام 1939 سوى سيارتين اثنين من نوع "الكادياك" الأولى يملكها الكوميدي الساخر"ساشا غيتري"، والثانية يركبها مؤسس الماخورالفاخر"وان تو تو".أما العاهرات السافلات فليس لهن سوى فتات من يسددن به الرمق من الجوع.. النخاسون لم يعدموا الفخاخ لاصطياد الضحايا وتجديد دماء الدورة الكبيرة، من مسابقات في الرقص والجمال إلى الإعلانات الصغيرة عن عارضات للأزياء رالراقصات والمغنيات المنشطات والدالكات.. مناقشات حامية متجددة إلى جانب عاهرات المرقمات في المواخير المغلقة توجد الواقفات على الأرصفة. اخترن ممارسة "المهنة" منعزلات عن جحيم المنازل الخاصة لكن ليواجهن جحيما آخر يشعل ناره الملتهبة رجال الأمن المكلفين ب"حماية الأخلاق العامة" الذين ينظمون حملات تمشيطية بين الفينة والأخرى، ويشعلها من جانب ثان نخاسون يعملوم من وراء الأستار، وزبناء لا حصر لهم ولا لون ولا رحمة. في يوم 13 أبريل 1946 أي بعد أقل من سنة على وضع الحرب العالمية الثانية لأوزارها، اعتبرت "المنازل المغلقة" خارج القانون:وأصبح لزاما على 1500 ماخور رسمي، منهم 177 في باريس وحدها، أن يغلقوا الأبواب في أجل لايتعدى ستة أشهر. أصيب المعنيون بالأمر بالصدمة لأول الأمر، ولكن بعد تماسك للأعصاب عادت "الثكنات الجنسية" للعمل. وردا على ذلك، وعلى تسامح ظاهر من السلطات الرسمية قامت حركات نسائية لتناهض الاستعباد النخاسة كما هو وارد في أدبياتها، وقد تزعمت الحملة الدولية المناهضة والساعية إلى القضاء المبرم على الآفة المستفحلة المرأة البريطانية"جوزفين باتلير". وعلى أرض الواقع وتحت الضغط المستمر للمناهضات أغلقت بعض المدن الفرنسية مواخيرها مثل "كولمار" و"ستراسبورغ" و "نانسي". وفي سنة 1925 نظم النخاسون أنفسهم في "ودادية أرباب المنازل المفروشة لفرنسا والمستعمرات "، ولأنهم كانوا متغلغلين في الجهات العليا للحكومة والأمن فقد وجدوا من يمنحهم الرعاية. وطيلة عقود النصف الثاني من القرن العشرين تأرجح الموقف الرسمي إزاء المنازل المغلقة بين المرونة والتشدد ولايزال الأمر كذلك إلى اليوم. في شهر يونيو الماضي انفجر الموقف مجددا في البرلمان الفرنسي بعد أن أثارت البرلمانية "فرانسواز دوبانافيو" زوبعة بتصريحاتها لجريدة "الأحد" يوم 30 يونيو الماضي، وطالبت بمراقبة بيوت الدعارة المغلقة تخوفا من وباء السيدا. وفي نفس السياق تعززت المناقشات الحامية المتجددة بدعوات لمنع الأفلام البورنوغرافية الإباحية من القنوات الفرنسية. الأصوت المعارضة بقوة للمنازل المغلقة ولدعارة الرصيف ولكل الأشكال الأخرى اعتبرت السماح للآفة بالوجود القانوني بمثابة إعطاء الشرعية للقوادة الدولية المختلفة الأشكال والتنظيمات. يذكر أن فرنسا تشهد حاليا موجة أخرى من استيراد الفتيات المتاجر بهن، فبعد الموجة الأوروبية الشرقية بوساطة قوادين ألبان تغزو أرصفة فرنسا و"إصطبلات الدعارة" فيها موجة الفتيات الإفريقيات خاصة المغربيات والنيجيريات. الأسواق الممتازة الكبرى وحالة "بريجيت" في دول دينها هو العلمانية الشاملة، ومن أركان الإيمان في عقيدتها أن الإنسان رقم من الأرقام ووزن من الأوزان، والحياة لهو ولعب، وأرحام تدفع وأرض تبلع ما يهلكنا إلا الدهر، لا مكان للإنسانية والرحمة، وفقهاء العولمة وكبار المفتين فيها لا يجدون غضاضة في تحليل النخاسة والقوادة والدعارة والعري الكامل والمتاجرة في "الجميلات" بالجملة والتقسيط، سرا وعلانية وفي كل مجال وقطاع، وبموجب ذلك تصبح الأنثى والذكر صغيرين كانا أم كبيرين سلعة تطرح في الأسواق العالمية وتتضارب عليها البورصات صعودا ونزولا، والفائزون بالسلعة الجيدة هم الذين يدفعون أكثر، أما الذين ليس لهم من المال والنفوذ ما يكونون به في مستوى المنافسة، فلينظروا في الإعلانات الملونة المنشورة في منابر متعددة، وليختاروا، وليكتفوا بفتات الكبار. في دول تبيح الدعارة معتبرة إياها نشاطا اقتصاديا رغم مآسيه، لم يعد الوضع مقتصرا على "المنازل المغلقة"، بل في زمن الأسواق العملاقة لا بد أن تستفيد تجارة اللحوم من التطورات الحاصلة، ولذلك سارعت دول "النخاسة الجديدة" إلى منح الرخص للراغبين في الاستثمار الأكبر، وكما ينشأ مصنع للمعجنات والمعكرونة يبني المسثمرون "الإصطبلات الجنسية" و"الثكنات الشهوانية" تحت الرعاية السامية للدولة والمجالس البلدية والقروية، وبالمناسبة فذلك هو ما كان يبشر به "رواد الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" قبل سنتين في المغرب. ولمعرفة أحوال القطيع الموزع بين الغرف هذه صورة لما جرى للفتاة الألمانية "بريجيت"، وما "بريجيت" هذه سوى مثل لنساء الدنيا أينما حملهن النخاسون أولو الأمر والنهي. « وضعت "بريجيت" في الطابق (ي). يوجد أيضا الطابق الخاص بالقادمات من مارسيليا، والمستوردات من "غوادالوبي" ومن ألمانيا. ذلك أمر يخضع ل"المؤسسة" وأربابها. ولكن لايمكن لأي فتاة أن تلج الماخور دون موافقة وتعيين من رؤوس الزنى المنظم. غرفة بريجيت تم تعقيمها. هي غرفة أشبه ما تكون المصحة. ليست خاصة تماما لها، لأن ذلك سيأخذ حيزا أكبر.في زنزانة ضيقة حوصرت بريجيت، واستعدت للفحول الراغبين في قذف مياه قذرة وتفريغ أنفاس كريهة مقابل مبلغ لاتتسلم منه سوى الهواء. لها سرير فيه تسطر الآثام، ومغسل صغير لا يرفع الجنابة والا الحدث الأصغر أو الأكبر. القراءة اليومية للجرائد ممنوعة طبقا للقانون الداخلي، فلامكان هنا للسياسة والإعلام والمعرفة. حسبها أن تكون حيوانا للركوب فقط.وهي بضاعة معروضة في السوق الممتاز.وكما هو الوضع في السجون، ليس حق في الطبخ داخل الزنزانة الانفرادية. ولسد الرمق عليها أداء ثمن يومي عن وجبات الأكل والنظافة والعوازل الطبية. والأداء ملزم لا تخلف فيه وإلا تربت علية عقوبة المضاعفة مث نظام الضرائب. أليس النشاط اقتصاديا والأرباب مستثمرون؟ وفي الممر يقوم الحراس بالمراقبة من أقصي الممر إلى أقصاه. يفعلون ذلك كل عشر دقائق للتأكد أن الزبون المستهلك هو الزبون حقا. الحارس مكلف من طرف القيادة العامة ل"الثكنة الجنسية" أن يفرغ القاعدة من المغضوب عليم غير المرغوب فيهم، ومن المخمورين الصعاليك، ومن المجانين الشبقيين. كما أن من مهامه الرئيسية منع عمليات الهروب الفردية والجماعية ل"العاملات". أما المداخل والمخارج الكبرى فقد جعل عليها الأمراء حراسا أشداء على النساء أقوياء ضد "المنحرفين" فلا دخول ولا خروج إلا بإذنهم. في الطابق السفلي يأتي الزبون الأعمى وتنزل البضائع للعرض والاختيار، وبعد إتمام عملية الفرز والعزل يدخل بالفريسة إلى قاعة مخخصصة للزنى المحروس، ويغرغ القاذورات. وعند خروجه يجد يد الخازة المالية ممدودة فيضع فيها الثمن المعروف ويغادر المكان. وفي تقريرمنظمة العفو الدولية،المنشورة يوم 18 مايو 2000، روايات عن معاناة الكثيرات مثل "آنا" و"تاتيانا" و"فالنتيا"و "نينا" وغيرهن. في بلد مثل ألمانيا أصبح المسثمرون في الأجهزة التناسلية للمرأة ولواحقها من أغنى أغنياء العالم، فأمراء الليل، إذ لا يظهرون إلا فيه، لهم قصور وصغرى وكبرى في ساحل العاج وليس في ألمانيا، ولهم سلاسل من السيارات، كلما ظهرت الواحدة نسيت السابقة. في مواخير من النوع الرفيع، أو من النوع الشعبي العام، لا تملك "الفتاة" حريتها أبدا. أغلقت دونها الأبواب والنوافذ فلا تستطيع الفرار، تحت جميع أنواع الضغوط وضعت، واستسلمت لمحبطات كالجبال، غسلت ذاكرتها فلا تعلم شيئا،ودمرت شخصيتها فأصبحت في مهب الريح. وبين الجدران اللامعة أو الرديئة تنتهي الأنثى إلى الاقتناع بأنها مجرد بضاعة ومعروضة وليس لها إلا الاستسلام فتتجرد من كل شيء وتسلم الأمر للنخاس يفعل بها ما يشاء. نزعت منها الروح الآدمية والنزعة الإنسانية والمشاعر الطبيعية. دمية تجري في عروقها الدماء وتنبض بين أطرافها الأنثوية الحياة. يحدث هذا في زمان حقوق الإنسان!!! معطيات إحصائية: النخاسون هم المستفيدون على بعد خطوات منا، وأمام أعيننا، وأحيانا بموافقتنا ورضانا نسلم الزمام لأرباب الاستغلال الجنسي للكائن البشري المكرم عند الله والمفضل على الملائكة وكثير مما خلق الله تفضيلا، أن يحصدوا أبناءنا، وبناتنا، وأخواتنا، وأبناء الجيران وبناتهم، يفعلون ذلك عبر عدة محطات للمراقبة والاصطياد، منها الثانويات والإعداديات والشوارع والطرقات ومناسبات تنصيب "ملكات الجمال"، وعروض الأزياء وقاعات الحلاقة والألعاب ... يقدر الخبراء الحاسبون أن عدد القطيع المستغل في ميدان الدعارة في العالم يصل إلى 10 ملايين، منهم مليونان من القاصرين.تتوجه البضائع النقولة بطرق ملتوية نحو أمريكا الشمالية التي تستورد، إضافة إلى الآسيويات والأوروبيات، المرسلات من أمريكا اللاتينية، وتعتبر اليابان التي يشكل سوق الدعارة 1في المئة من الدخل العام، وجهة مفضلة للسياحة الجنسية في آسيا. في أوروبا أكثر من 70 في المئة من المستغلات أجنبيات. ويصل رقم المعاملات في القارة العتيقة إلى 10 مليار أورو سنويا. وفي فرنسا وحدها يصل الرقم إلى 2.29 إلى 3.5 مليار أورو، تذهب 70 في المئة منها إلى جيوب النخاسين. ويتولى التنظيم والإشراف شبكات سرطانية محكمة الترتيب والتدليس، متغلغلة في الأجهزة الأمنية والسياسية والقضائية وحتي الجمعوية المدنية. أصبح العالم الحالي ماخورا كبيرا لتجار النخاسة بعد التطور الإعلامي والاتصالي، والتمرد. وأصبحت هولندا، بعد رعاية الدولة للدعارة والترخيص القانوني لها، حتى وصفها الخبراء ب"دولة القوادة"، نقطة ارتكاز دولية للتحويل والتوزيع للقادمات من أمريكا اللاتينية نحو أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. أفريقيا السوداء، من جهة أخرى تمثل سوقا جيدا للتبضع والاستيراد نحو برلين ومدريد وباريس. أما المغرب فيلبي طلبات الشمال الغربي للبحر الأبيض المتوسط والخليج العربي.أما في آسيا فإن الوضع معقد شيئا ما، فالتايلانديات المعروضات في جميع دول العالم، ولجميع السائحين الجنسيين القادمين إلى التايلاند، والكوريات والنيباليات والبنغاليات يقتصرن على السوق الآسيوي. هذا ومما صارت بذكره الركبان الوفود الجرارة من فتيات أوروبا الشرقية اللائي غزون كل مدن أوروبا الغربية. حسن سرات