هل يمكن وضع مقارنة بين تلفزة الأمس واليوم؟ لا مجال للمقارنة. يجب أن نعترف أننا كنا نشتغل في إطار الهواية، كنا نخاطب الذات الفاعلة، لم تكن لدينا الفرصة للتفكير في ما يمكن أن نجنيه من هذا العمل. كانت رغبة ذاتية عند الكل، لأن المغرب كان يتشكل ويتطور وينفتح على الآخر. لم تكن هناك فضائيات ولكن كانت لنا فرصة للتعرف على إنتاجات الآخر وخصوصا فرنسا. كانت التلفزة المغربية في وقت أو في سنوات ضوئية. كنا نعلم إخواننا العرب. آنذاك كان الارتباط بمدرستين، مدرسة فرنسية وأخرى إسبانية. كان بينهما الشرق العربي وتتزعمه مصر في الكلمة والكتابة والبعد التحليلي. فكنا كأننا نشتغل وسط مظاهرة كل في موقعه يريد أن يقدم سلعته. في الأغنية جيل جيلالة، ناس الغيوان، عبد الوهاب الدكالي، فيتح في الرسم بلكاهية ...في الأخبار صديق معنينو والطاهر بلعربي، بديعة ريان ولطيفة الفاسي، أسماء تؤثث الفضاء السمعي البصري. في المقابل كانت إمكانياتنا ضعيفة، والدول الأوربية لم تكن تسمح باقتناء الأدوات الجديدة إلا بعد استعمالها وتجاوزها. ونحن كنا نصارع ونستعمل طرقنا الذاتية. شعارنا لا للاستسهال لأننا كنا نعتبر المتلقي أكثر منا علما وذا ذوق حسن. فكان يجب ألا نقدم أي شيء. أنا شخصيا تعلمت أن لا أقدم شيئا لا أرضى عنه. معضلة أخرى هي التخصص. في وقتنا كانت بداية التخصص في النقد الفني والثقافي والسمعي البصري. اليوم الكل يتحدث عن كل شيء. تراجع النقد، وأصبح النقد نقدان، إما تثمين مبني على الغبطة و السرور، وإما شتم وهدم ولا يضيف أي شيء للعمل. تركز على كلمة متلقي بدل المشاهد لماذا؟ بالفعل، واليوم لنا مشاهدا وليس متلقي، لأن المتلقي هو الذي يفكر معك ويحاورك ويثمن عملك أو يرفضه، والمشاهد يستهلك. اليوم أحدثنا المشاهد الأبيض الذي يستهلك ثم ينفض عن المكان، وينساك بمجرد الانتقال إلى برنامج أخر. أما في وقتنا (60 و 70) فكانت الذاكرة . جيل يتذكر، إذا غبت عنه يسأل عنك. إذن لا يوجد متلقي، والكل يتعامل مع القناة العمومية على أنها مشاهدة. من جهة أخرى قياس المشاهدة ينبني على بناء ثقافي انطلاقا من دراسة مجتمعية لمجتمع أوروبي. هذا الأخير منذ نعومة أظافره يتعلم كل شيء. بالنسبة لنا الأشياء تختلف. في المغرب نتحرك والحمد لله بحرية باطنية، اليوم أحب الأبيض غدا أحب الأزرق. المشاهدة التلفزيونية لدى المشاهد الأوروبي هي مقننة. أما نحن في المغرب فكانت التلفزة ترفيها لانعدام الإمكانيات. لكن الإشكال أن عملية المشاهدة أصبحت خطيرة على المتلقي. في بناء الأسرة وفي العلاقات الأسرية: الطلاق وبوهيمية ولامبالاة الأطفال والشباب؛ في وقت لم تعد المدرسة تعطي الأمل ولا تحسن الوضعية. في نظرك ما هو الحل؟ كيف ما كان الأمر فهذا مرحلي، لأن البقاء للأصلح، والمجتمع يتشكل وينتقل من طور إلى آخر بالرغم من السلبيات المحيطة به. ومجتمعنا شاب وسيتحول إلى فاعل. ما نشاهده من رداءة يجب أن يكثر ويدخل في خانة الكم ليطلع على السطح الكيف. الآن الكل؛ الصحافي والمخرج والمبدع والمنتج... يتفق على أن هناك رداءة. والرداءة مازالت في إطار البحث عن النضج مثل مراحل نمو الإنسان. هناك تدفق علمي كبير في ما يخص صناعة الصورة. لكن المشكل في التخيل والإبداع، صورة جيدة بمضمون ضعيف. اليوم الشباب يشتغل بالأدوات التقنية بسرعة فائقة، بعدها سيبحث عن المضمون. في الستينات والسبعينات، ما كنا نقدمه كأنه كان للنخبة التي كانت قليلة وتعتبر نفسها حاملة لذكاء. فكان ما يقدم يتناسب مع النخبة بقناة واحدة. الآن النخبة تهاجر إلى قنوات أخرى وتترك القنوات العمومية لآخرين. فأصبحت موضة مشاهدة القنوات الأجنبية والتخلي عن المغربية هي السائدة. التلفزيون العمومي هو الذي يجب أن يسهم في الحد من هذه الرؤية لأنه عمومي. كما يجب أن يرسخ قيم المواطنة والجودة لأن المتلقي يريد الجودة الملموسة في تاريخه وهويته وثقافته. مع الأسف ما نراه في القناة الأولى هو بمثابة لباس برقع كثيرة، في حين أن الإمكانيات متوفرة والهيكلة الإدارية تطورت. إضافة إلى أن الإنتاج الوطني هو الحياة التي تتنفس من خلالها الإذاعة أوالتلفزة بشكل دائم وليس موسمي. لذا نحتاج إلى مناظرة وطنية ليتصالح فيها المنتج والمبدع والمؤسسة، وكذلك المتلقي والناقد. هذه المناظرة يجب أن تتبنى شرطا أخلاقيا. يكون فيه الدور للمتلقي ليس كمستهلك وكقاصر وإنما كفاعل ومسهم. شكيب بنعمر- مخرج إذاعي وتلفزي