تتيح لنا المتابعة الدقيقة لمؤسسات القمار في المغرب، والامتداد الذي عرفته منذ فترة الاستعمار إلى اليوم، وعملية رفع الاحتكار عنها والوتيرة التي تطورت بها، والمآل الذي انتهت إليه، أن نسجل الملاحظات الآتية، والتي ستكون موضوع إثبات في هذا المقال: ـ الأولى: أن مؤسسات القمار بشكل عام في المغرب هي امتداد لمؤسسات القمار الاستعمارية. ـ الثانية: أن هذه المؤسسات كانت قبل الاستقلال محكومة بمنطق الاحتكار. ـ الثالثة: أن توسيع شبكات هذه المؤسسات وتنويع خدماتها يتم تبريره بمسوغات اقتصادية. ـ الرابعة: أن مؤسسة العلماء كانت ضد سياسة الدولة في هذا المجال. الحقيقة الأولى: القمار في المغرب والامتداد للمؤسسات الاستعمارية يتيح لنا القانون 7123 المؤرخ بتاريخ 31 دجنبر ,1971 والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 5 أبريل 1972 فكرة عن تطور مؤسسات القمار في المغرب، إذ بموجب هذا القانون، سيتم مغربة هذه المؤسسات، وسيصبح كل من أوراق وقسيمات اليانصيب الفرنسي، واليانصيب الخيري بطنجة ملغية بتاريخ العمل بهذا القانون الجديد الذي سيضمن للدولة التحكم في جانب من القطاع. وهي الحقيقة التي تؤكد على أن جانبا من مؤسسات القمار الموجودة في المغرب، هي ذاتها مؤسسات القمار الفرنسية، لكن مع مغربيتها . الحقيقة الثانية: رفع الاحتكار ومغربة مؤسسات القمار على الرغم من أن الحقائق التاريخية تؤكد أن مراكش كانت تحتضن أقدم كازينو في المغرب ما يزال عاملا، والذي أسسه Jean Bauchet المدير السابق للطاحونة الحمراء سنة ,1952 وعلى الرغم من أن المغرب في الفترة الاستعمارية عرف العديد من نوادي ومؤسسات القمار، إلا أن المغاربة في عمومهم كانوا لا يدخلون إلى هذه النوادي، ويعتبرونها مؤسسات لتخريب المجتمع المغربي وتفتيت تماسكه الاجتماعي، وكان ذلك جزءا من القناعات الدينية التي رسختها الحركة الوطنية في نفوس المغاربة، والتي ستترجمها مجموعة القانون الجنائي التي فرضت عقوبات على المغاربة الذين يجلسون في موائد القمار تبلغ 50 ألف درهم. لكن هذه القناعات سيتم الالتفات عليها مباشرة بعد الاستقلال، وتحديدا سنة ,1962 إذ سيتم إخراج أول مؤسسة قمار مرعية من قبل الدولة في صفة الشركة المغربية للألعاب والرياضات، وهي شركة مجهولة، رأسمالها هو 500 ألف درهم، 90 في المائة من رأسمالها بمساهمة الخزينة العامة، و10 في مائة من صندوق الإيداع والتدبير، وهي تتوفر على شبكة واسعة تغطي مجمل التراب الوطني، إذ تتوفر على ما يقرب من 2000 نقطة بيع حسب ما أفاد به موقعها الإلكتروني، وتحتكر تنظيم واستثمار جميع الألعاب الرياضية في الداخل والخارج، ما عدا ألعاب سباق الخيول واليانصيب الوطني كما جاء في القانون الرسمي المنظم لعملها. ويلاحظ، أن الدولة عمدت إلى اتخاذ تسمية مؤسسة القمار هذه بـالألعاب والرياضات، لما في الموضوع من حساسية دينية، وهو ما سنعرض له بتفصيل عند مناقشة موقف رابطة العلماء من سياسة الدولة هذه. لكن، مع نهاية سنة ,1971 سيسجل تحول كبير في دينامية مؤسسات القمار في المغرب، إذ ستنهي الدولة الاحتكار الفرنسي للعبة اليانصيب، وستؤسس اليانصيب الوطني، لكن هذه المرة، سيكون العنوان هو احتكار ألعاب الحظ الذي ستطلق أول عملية له سنة 1978 (LOTO)، ثم ستوسع فيما بعد خدمات اليانصيب الوطني من خلال إطلاق لعبة (رصءشزد) سنة ,2000 ولعبة (ثخد) سنة ,2002 ولعبة (JOKER) سنة ,2005 ولعبة (TOPCASINO) سنة ,2006 إلى أن تطلق سنة 2007 لعبة PicknPlay، ونتيجة للأرباح الطائلة التي جنتها هذه الشركة، ستصنف سنة 2008 ضمن المقاولات الخمسمائة الكبرى في المغرب، إذ حققت سنة 8 2008,256 مليون درهم. وعلى نفس النسق، ستعمد الدولة إلى توسيع احتكارها للمجال، وبشكل خاص، لعبة الخيول، الذي كانت تهيمن عليه شركة (PUM) الفرنسية، وستؤسس سنة 2003 الشركة الملكية لتشجيع الخيول (SOREC) بمقتضى مرسوم 0203262 الصادر بتاريخ 13 ماي 2003 المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 5 يونيو ,2003 حيث ستكتتب الدولة في رأسمال هذه الشركة بـ 75,99 في المائة، وستنهي بذلك احتكار فرنسا لهذا اللون من ألوان القمار، إذ سيكون من مهام هذه الشركة حسب نص المرسوم: تدبير الرهانات على الخيول خارج حلبات الخيول بالنسبة للسباقات الوطنية والرهانات على الخيول في سباقات فرنسا. وهكذا يلاحظ أن هذه الدولة ستتخذ من تشجيع الخيول وتنمية المتعلق به وتحسين أصناف الخيول عنوانا ومبررا لإنشاء هذه المؤسسة وإنهاء حالة الهيمنة الفرنسية على ألعاب الحظ وسباقات الخيول. الحقيقة الثالثة: توسيع شبكات هذه المؤسسات وتنويع خدماتها يتم تبريره بمسوغات اقتصادية وهي الحقيقة التي ترتكز الدولة في إثباتها على الأرقام التي تحققها هذه المؤسسات، ومقدار مساهمتها في الاقتصاد الوطني، ويكفي في هذا المجال، أن نسوق مثال الشركة المغربية للألعاب والرياضات التي أعلنت في نشرتها الإحصائية لسنة 2008 أنها حققت نتائج قياسية، حيث ارتفعت مبيعاتها بـ80 في المائة، لترتفع إلى سقف 4,650 مليون درهم، وحققت أوراق اليانصيب أعلى معدل بـ1,413 مليون درهم، بارتفاع ناهز 91 في المائة. وبلغت رسوم الصندوق الوطني للتنمية الرياضة 1,104 مليون درهم، بارتفاع نسبته 40 في المائة مقارنة مع .2007 ونفس الأمر يمكن أن يقال عن اليانصيب الوطني، والشركة الملكية لتشجيع الفرس. والملاحظ في هذا السياق، أن سياسة الدولة في تعاطيها مع مؤسسات القمار ترتكز على أمرين: 1 ـ تسمية مؤسسات القمار بغير اسمها حتى تتجنب الحساسية الدينية. 2 ـ تأكيد ربحية هذه المؤسسات حتى تضمن من جهة الدعم من بعض الفرقاء السياسيين، وتضمن من جهة أخرى استمرارية هذه المؤسسات بحكم أنه لا يجوز بمقتضى الفصل 51 من الدستور قبول أي تعديل أو مقترح يتقدم به أعضاء البرلمان إن كان قبوله يؤدي إلى تخفيض الموارد العمومية أو إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود. الحقيقة الرابعة: مؤسسة العلماء تعارض سياسة الدولة المشجعة لمؤسات القمار بمتابعة بيانات رابطة علماء المغرب، يلاحظ أن أول مؤتمر أعقب إحداث الشركة المغربية للألعاب والرياضات، أي المؤتمر الثاني الذي انعقد بتاريخ ,1964 131211 سيسجل ضمن توصياته الخاصة بالشؤون الاجتماعية استنكاره لانتشار مراكز القمار وموائده والتسهيلات الممنوحة لأصحابها، كما استنكر تبني الدولة لفكرة إقامتها استجلابا للسياح، وطالب الدولة بمنع ذلك منعا كليا. وسيسجل المؤتمر الثالث المنعقد بفاس سنة 1968 موقفا واضحا من جميع أنواع القمار المعمول بها في المغرب، لاسيما اليانصيب، إذ سيدعو العلماء الدولة إلى منع جميع أنواع القمار واليانصيب وعقوبة متعاطيه، كما سيدعو الدولة إلى إغلاق جميع الأماكن التي تستدرج الأولاد الصغار بأنواع اللعب التي هي من قبيل المقامرة والإغراء بالربح. وهو الأمر نفسه الذي سيطالب به في المؤتمر الرابع المنعقد سنة ,197 إذ سيدعو الدولة في توصيات لجنة الشؤون الاجتماعية إلى إغلاق جميع أماكن الفساد وأماكن القمار بجميع أنواعه بما في ذلك الميسر الخيري المدعو(اليانصيب)، وسيدعو العلماء في مؤتمرهم الخامس المنعقد سنة 1975 إلى عدم ترويج اليانصيب بأي دعوى كانت. أما في المؤتمر السادس والذي انعقد بتاريخ ,1977 فستتوجه أنظار العلماء إلى لعبة التيرسي حيث سيطالبون الدولة بإصدار نص قانوني لحظر هذه اللعبة، لما تنطوي عليه من أخطار اجتماعية، وحظر جميع أشكال القمار واليانصيب بكل أشكاله، خاصة في المدارس والمصالح العمومية. وهكذا يتحصل من مواقف رابطة العلماء، ومن توصيات مؤتمراتهم، متابعة العلماء لسياسة الدولة المحدثة والمشجعة لمؤسسات القمار، وتنديدهم بها، ونقضهم لكل الحجج والدعاوى التي تستند إليها، وتوضيحهم للموقف الشرعي المناهض للقمار بجميع أشكاله مهما اتخذت له من أسامي ومسميات. الحقيقة الخامسة: الكازينوهات وأجندة القمار الدولية مع سنة ,2002 وهو التاريخ الذي تم فيه الترخيص لكازينو مالابطا بطنجة، سيدخل القمار في المغرب في مسار جديد، وستنفتح شهية الشركات الكبرى المستثمرة في هذا النوع من القمار لعرض استثماراتها على المغرب، وإذا كانت الدولة لحد الساعة، رخصت لستة كازينوهات عاملة، والكازينو السابع في ورزازات في طور دراسة الترخيص له، إلا أن الكازينوهات التي عرضتها الشركات الأجنبية على الحكومة المغربية من أجل الحصول على الترخيص عليها أكثر بكثير من هذا العدد، فيكفي في هذا الصدد أن نذكر المجموعة الفرنسية Lucien Barrière التي بدأت تباشر أعمالها من أجل بناء مركب سياحي فاخر, le Fouquets Barrière Marrakech، يضم كازينو، إلا أنها لم تستطع في مفاوضات دامت أزيد من خمس سنوات أن تنال الترخيص للكازينو. بل إن بعض الشركات الأجنبية نالت الترخيص كما هو الشأن بالنسبة للشروع في محطة شاطئ أصيلا، والذي يضم إحداث كازينو، والذي تم توقيع اتفاقية بشأنه مع شركة (avec Ahlen Villages en 9991) باسثتمار أكبر من 600 مليون درهم، لكن هذا المشروع لم يخرج إلى حيز الوجود، والأكثر من ذلك، أن شركة Interedec Holdings Limited منحت الترخيص في 5 دجنبر ,2000 وتم نشر ذلك في الجريدة الرسمية بتاريخ 21 شتنبر 2000 لفتح واستغلال كازينو في المركب السياحي ماوينا أسمير في نواحي تطوان، لكن تم توقيفه بقرار من وزير الداخلية ووزير المالية الذي يحدد شروط فتح الكازينو واللعب التي سيعتمدها هذا الكازينو. هذا الموقف المتردد للدولة، والذي يتأرجح بين قبول الملفات الاستثمارية في المجال السياحي، والذي يتضمن إنشاء هذه الكازينوهات، وبين التباطؤ في الحسم في القرار، وأحيانا التراجع في القرار أو على الأقل وضع شروط عدم إنفاذه، وإن كان البعض يفسره بالمعارضة الشديدة التي تواجه من قبل الإسلاميين كما حدث مع كازينو مالاباطا، إلا أن هذا التفسير يبقى غير مقنع بحكم أن رد فعل الإسلاميين بخصوص بقية الكازينوهات الخمسة كان أقل قوة من احتجاجهم على كازينو مالاباطا. من الواضح أن سياسة الدولة في تدبير قطاع القمار في المغرب يبقى محكوما بمنطق التحكم والضبط من خلال الترخيص أو من خلال شركات ألعاب الرهان والحظ.