لا زالت المعاناة هي العنوان العريض ليوميات ضحايا تفجيرات 16 ماي ذوي العاهات المستديمة، وعائلات المتوفين منهم، ولا زالت تبعات هذه المأساة ترخي بظلالها على معيشهم اليومي..، بالرغم من مرور ست سنوات على هذه الذكرى الأليمة. معاناة عائلات مكلومة في أقربائها، وقد اختارت سعاد الخمال رئيسة جمعية ضحايا 16 ماي، أن تودع بعضا منها في تجربة شخصية، وهي تبث صورالمأساة التي عاشتها، قبل وبعد الفاجعة التي راح ضحيتها زوجها المحامي وابنها، بين دفتي كتاب صدر مؤخرا، ويتم توقيعه اليوم الجمعة في كتاب اختارت أن يكون عنوانه قبل الأوان. وربما تكون المعاناة التي تحاصر جل الضحايا الذين نجوا من الحادث، بين مستشفيات وعلاجات بشتى أنواعها، في ظل الظروف المادية الصعبة التي تضاعفت لدى البعض بفقدان المعيل أو إعاقته، والتكاليف المالية الباهظة للعلاج، إضافة إلى ما أسموه بـ تجاهل المسؤولين لهم، كونهم لم يحصلوا على أي تعويض حتى اللحظة من أي جهة، الصفحة الأكثر سوادا والأعمق ألما مما تختزنه ذاكرتهم عن الفاجعة التي انتزعت الراحة النفسية للعديد منهم. اليوم يرقد بعضهم مشلولا على سرير المرض، ويتعايش آخر مع شظايا سكنت جسمه إلى الأبد، ويؤرق بعضهم فقده لسمعه، وآخر كتب عليه أن يقضي باقي حياته فاقدا لحاسة البصر.. الألم يقطع أحشاءهم كل يوم وكل لحظة، وتتربص بهم من كل جانب آلام لا نهاية لها. وأمام واقعهم المزري، ينتظر الضحايا أن يجدوا الدعم اللازم من المسؤولين، وقد عبر الذين اتصلت بهم التجديد بخصوص هذا الحادث، عن أملهم الكبير في أن يحضوا بالتفاتة عاجلة، ترفع المعاناة التي تحاصرهم في رحلة العلاج. مشيرين أنهم طيلة هذه المدة لم تتوقف رسائلهم إلى الديوان الملكي وإلى وزارة الداخلية وإلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.. أملا في دعم يسند وضعهم الاجتماعي. بعد حالة الغضب واليأس لاحت في الأفق بوادر أمل، يقول محمد محبوب نائب رئيس جمعية ضحايا وعائلات 16 ماي، معبرا عن متمنياته بأن يترجم هذا الأمل الذي أحياه اتصال هاتفي لمسؤولين بوزارة الداخلية مؤخرا على أرض الواقع، موضحا في ذلك أن وزارة الداخلية أجرت بحثا منذ أسبوعين تقريبا، من خلال استجواب بعض ضحايا الحادث؛ لأجل أخذ معلومات عن مستوى الحالة الصحية والمادية لهم، مؤكدا أنهم تلقوا وعدا بحل مشكل التعويضات والإيراد العمري الذين سيستفيدون منه، بحسب حجم ضرر كل ضحية. وهو ما أكده الشريف محمد زروقي رئيس الجمعية لـ التجديد، موضحا أنه توصل بمكالمة هاتفية من الأمن الوطني، لأجل مدهم بمعلومات عن الضحايا الأحياء والمصابين بعاهات مستديمة، وبعض العناوين الخاصة بهم وأرقام هواتفهم المحمولة، وقال مضيفا: سمعنا أن هذه الاتصالات على سبيل التعويض، لكن لا شيء يذكر لحد الآن. قبل أن يعلق غاضبا: تذكر قضيتنا مع حلول الذكرى، ثم تدخل بعدها سلة المهلات، لقد مرت ست سنوات على جريمة التفجيرات الإرهابية التي راح ضحيتها أبرياء، وكل ما تلقيناه لحد الآن كان مجرد وعود ظلت حبرا على ورق. وذكر زروقي الذي كان مسؤولا جهويا بمختبر دولي في الطب والأدوية، قبل أن يتعرض لما وصفه بـ الطرد التعسفي بعد الحادث، إنهم يطلبون التعويض للتغلب على مصاريف الأدوية ليس إلا، مشيرا إلى أنه بعد أن كان يتقاضى مبلغا شهريا يصل إلى 35 ألف درهم، يتقاضى اليوم راتبا رمزيا لا يتعدى مبلغ ألف و400 درهم. لا يفي بمتطلبات المعيشة في ظل مضاعفات صحية، تطلبت منه مؤخرا إجراء عملية جراحية، لا زال بذمته منها دين 2 مليون ستنيم لمستشفى ابن رشد. ومن جهته أشار مصطفى سوغري (أحد ضحايا الحادث)، أن المعلومات التي طلبت منهم في اتصال هاتفي من المصالح المعنية، توجهت نحو الاستفسار عن درجة الضرر الذي يعانيه الضحايا المعنيون على المستوى الصحي والحالة المادية، دون معاينة ميدانية، أو أخذ أي وثائق ومستندات.. وأضاف سوغري الذي كان رئيسا لجمعية أرباب نقل السواح، أنه يعيش وضعا صحيا مؤرقا بسبب فقده لحاسة السمع وحروقات في وجهه.. وهي ذات المعاناة التي عبر عنها محمد مصباح، الذي وجد نفسه بدون عمل بسبب الحادث؛ بعد أن كان ممثلا لشركة فرنسية بالمغرب، لقد فقد عينه اليمنى، وضعفت حاسة البصر في عينه اليسرى، وتسبب له ذلك في مضاعفات صحية. وكان وزير التشغيل والتكوين المهني السابق مصطفى المنصوري، قد أكد في الذكرى الثانية للأحداث الدامية أن الضحايا سيحصلون على التعويضات التي يخولها لهم القانون، فور التحديد النهائي لنسب العجز وصدور الأحكام في هذا الباب. من جهة أخرى، لازالت العديد من أسر الضحايا المتوفين تعيش تحت طائلة المآسي الاجتماعية التي خلفها الحادث، لعل أبرزها ما كانت سعاد الخمال رئيسة جمعية ضحايا 16 ماي قد أشارت إليه، من أن بعض أفراد عائلات الضحايا، وخاصة ربات البيوت، يعانين مشاكل مادية، إذ يطالبن بتسديد مصاريف الدراسة ومتابعة الحالات النفسية للأطفال الذين فقدوا أقاربهم في الاعتداءات الدامية. الآن وبعد مرور ست سنوات تؤكد سعاد المكلومة في فقد زوجها وابنها، لـ التجديد أن ما عاشته أسر الضحايا سنة ,2003 ما زالت تعيشه لحد الآن، نفس المعاناة المعنوية قبل المادية، فقدنا في غفلة منا أشخاصا أعزاء علينا، سرقت منا الحياة ومن أبنائنا، وتحملنا مسؤولية عن أبناء كبروا في ظروف ليست سهلة، في ظل متطلبات الحياة التي تكبر باستمرار تقول أرملة الخمال بأسى بالغ. فيما وجدت نفسها مضطرة للاعتذار عن التكلم في موضوع التعويضات، لأنها لم تعد ترغب في إثارته، فـ الخليفة على الله تعلق سعاد الخمال. وتمر الذكرى هذه السنة، مثلما هو الحال في باقي السنوات، بوقفة عند النصب التذكاري بساحة محمد الخامس، وهو التقليد السنوي الذي دأب عليه ضحايا وعائلات ضحايا 16 ماي.