خلال الأيام العشر الأخيرة من شهر أبريل من السنة الماضية، نزلت فجأة على مدينة الدارالبيضاء لعنة المصائب الكبرى، وتوشحت البيضاء بالسواد، لأن نساء ورجالا بسطاء خرجوا من بيوتهم صباحا وعادوا إليها جثثا ممزقة، بحيث كان مصير العشرات من العمال الكادحين الموت حرقا بالنار بمصنع روزامور بحي ليساسفة، وبمحل للأفرشة بحي التشارك، ليضاف إليهم ضحايا حادثة السير التي تسببت فيها حافلة للنقل الحضري أمام إعدادية بحي سيدي مومن. لكن حجم المأساة بمصنع الموت جعل حادث محرقة ليساسفة، الذي أودى بحياة أزيد من 56 عاملا (أغلبهم من النساء، عجزن عن القفز من مصيدة الموت بالمعمل)، يتصدر أبرز الأحداث التي عاشت على إيقاعها العاصمة الاقتصادية أواخر شهر أبريل من سنة .2008 ولئن أسدل الستار عن ملف قضية محرقة روزامور بإدانة صاحب شركة صناعة الأفرشة بأربع سنوات سجنا نافذا، وأداء غرامة قدرها ألف درهم، وبنفس الحكم على العامل المتابع في نفس القضية بتهمة التسبب عن غير عمد في الحريق، في حين حكم على ابن صاحب المعمل المسؤول عن إدارة الشركة بالسجن سنتين، وأداء نفس الغرامة. إلا أن عائلات الضحايا لا زالت تعيش تحت طائلة المآسي الاجتماعية، فالبسطاء المجروحون من هذه المأساة ما تزال تتربص بهم من كل جانب آلام لا نهاية لها، لعل أقصاها هي الإنذارات بإفراغ مساكنهم، التي تصلهم رسائلها كل يوم من دون أن يكون لها فاصل يستثني فاجعتهم في ذويهم .. ثم صرف تعويضات مسطرة الشغل، التي لم ترق، بحسب المتضررين، إلى حجم الفاجعة التي ترصدت ذويهم في لمح البصر بمعمل روزامور، وأحرقت أجسادا غضة أدخلها الوضع المادي الهزيل قبل الأوان إلى دوامة العمل، لمكابدة العيش والنضال مع أسرهم من أجل البقاء. معاناة مستمرة الآن، وبعد مرور سنة على هذه الذكرى الأليمة، لا زالت المعاناة هي العنوان العريض ليوميات عائلات الضحايا، ولا زالت تبعات هذه المأساة ترخي بظلالها على معيش الأفراد اليومي. أرملة بوفطامة عبد الواحد، أشارت إلى أن تعويضات الشغل التي تسلمتها بالكاد تدبر بها حالها المعيشي، فقد اضطرت فاطمة للخروج إلى العمل حتى تضمن لطفليها حياة مستقرة بعيدا عن تهديدات التشرد التي تلاحقها إذا لم تؤد الأقساط الشهرية للسكن الذي تعيش به بحي النسيم. جباية سعيدة لم تستطع أن تكمل حديثها، فشريط إيقاعات الحادث المرعبة أحيته قيمة تعويض تراه قزم حجم ضررهم، سعيدة توقفت عند قيمة مبلغ التعويض عن حادثة الشغل التي أودت بحياة زوجها... بينما أحال حادث محرقة معمل روزامور، حياة أسرة الضحيتين غزلان وحنان دومير إلى سواد قاتم، وكان لقيمة التعويض (400 درهم) في خسارتهما معا أقصى تأثير على مجريات حياة الوالدين، لقد انتزعت الفاجعة الراحة النفسية للأم التي تعاني أمراضا منذ وفاة ابنتيها في الحادث وحفيدتها، والوالد الذي يعاني من مرض القلب. وتؤكد زينب طوسي أن مبلغ التعويض عن الشغل لا يكفي للوفاء بكل متطلبات تأمين عيش كريم لأطفالها، مشيرة أن رعاية بعض المحسنين تسندها في محنتها بين الفينة والأخرى، وخاصة في المناسبات. وأكدت زينب لـ التجديد أنها سبق أن توجهت إلى شركة صوناداك بملفها، فتلقت وعدا بالإعفاء من أداء الأقساط الشهرية المتبقية انطلاقا من تاريخ وفاة زوجها، لكن مقابل أدائها لدين تبلغ قيمته حوالي 30 ألف درهم. وهي لحد الآن عاجزة عن أدائه بحكم الظروف المعيشية. وأضافت زينب أن ابنها الذي يدرس بالقسم الأول من الابتدائي لم يستفد من التعليم بمدرسة حرة، تنفيذا لما كان قد وعد به المسؤولون المحليون عائلات الضحايا. وفيما أكدت بعض العائلات استفادة أبنائها من التعليم الحر؛ أشارت عائلات أخرى معنية إلى عكس ذلك. وكان عامل عمالة عين الشق الحي الحسني، أكد في الدورة العادية لشهر ماي بمجلس جهة الدارالبيضاء، أن جمعية للتعليم الحر تكفلت بأطفال الضحايا من الروض إلى مستوى البكالوريا، مشيرا أنه تم التوقيع على الاتفاقيات المتعلقة بالموضوع، كما تم توقيع وثيقة ممضاة لكل طفل من قبل رئيس الجمعية ورئيس المؤسسة التي ستستقبل الطفل المعني. وصرح العامل أمام أعضاء مجلس جهة الدارالبيضاء، أنه تم توفير 80 منصب شغل لهذه العائلات التي فقدت من يعولها، قبل أن يوضح أنه لم يتقدم للعمل سوى 31 شخصا، وأن هناك من تم تسجيله ولكنه رفض بدعوى أنه يتقاضى مبلغ 10 آلاف درهم عوض أن يتقاضى 3 آلاف درهم، وأشار إلى أنه أرسل 32 منصبا للتكوين المهني، والأمر يعني من له مستويات تؤهله من شباب هؤلاء الأسر. تعويضات هزيلة التعويضات التي صدرت في إطار مسطرة الشغل، لا علاقة لها بحجم الضرر، بحكم أن المبالغ هزيلة وهزيلة جدا، كما يؤكد العربي الشنتوفي محامي عائلات ضحايا روزامور، موضحا أن التعويض شمل عائلات المؤمنين من الضحايا لدى شركة أكسا التأمين. وقد تم تحديد مستحقات الورثة، بناء على الأجر السنوي الحقيقي للعمال الذين قتلوا في الحريق، وتبين من خلال الرسائل أن أجر العديد منهم لم يكن يتجاوز2000 درهم. لقد أصدرت المحكمة الابتدائية بالبيضاء قسم حوادث الشغل، حكما بأداء شركة أكسا التأمين إيرادا سنويا لعائلات الضحايا من ذوي الحقوق، على شكل أقساط تؤدى كل ثلاثة أشهر، تتراوح بين 6200 درهم و7200 درهم للأرامل بحسب عدد أطفالهم، و1033 درهم لوالدي الضحايا. فيما اعتبرت مصادر جماعية أن وعود الاستفادة من تعويضات شركة التأمين كانت موجهة للجميع من قبل وزير التشغيل والتكوين المهني، لكن الذي حدث تضيف المصادر ذاتها أن التعويضات شملت عمليا المسجلين بصندوق الضمان الاجتماعي فقط.وبحسب بعض عائلات الضحايا؛ فشركة التأمين لا تسلم شيك التعويض للمعنيين به إلا في النصف الأخير من الشهر الرابع، ويتطلب ذلك تسلم وصل التعويض والتصديق عليه بمصلحة تصحيح الإمضاءات، ثم إرجاعه إلى إدارة الشركة، ولا تتم العودة لتسلم العائلات للشيك إلا بعد 10 أيام من إيداع الوصل لدى الإدارة، قبل أن يتم التوجه لصرف الشيك لدى وكالة بنكية بشارع الحسن الثاني. في الانتظار في انتظار تحريك مسطرة البث في طلبات التعويض المدني لأسر ضحايا محرقة روزامور، التي كانت المحكمة الابتدائية بالدارالبيضاء قد أوقفتها في 18 يونيو سنة ,2008 قد اعتبر سعيد بن حماني منسق لجنة الدفاع ولجنة التضامن مع ضحايا محرقة روزامور، في تصريح لـ التجديد، أن إيقاف البث في طلبات التعويض إلى حين البث في مسطرة الشغل، التي لم ينتهي البث فيها كلها لحد الآن، غير منصف. لأنه سيؤثر على نفسية عوائل الضحايا الذين ينتظرون التعويض، تحت طائلة المآسي الاجتماعية التي يعيشونها. وأشار بن حماني أن اللجنة تواكب مسطرة التعويض المدني للضحايا وذوي الحقوق في إطار الحكم الجنحي الذي أيد مسؤولية الأظناء (رب العمل وابنه، والعامل المتسبب في الحريق)، وموضحا أن دفاع عائلات الضحايا لا يمكنه تحريك مسطرة التعويض التكميلي إلا بعد أن يصبح الحكم الجنحي نهائيا، وهو ما لم يتم إلى حد الآن بسبب أن حكم الإدانة في مسطرة النقض في القرار الاستئنافي. وفي سياق متصل، أشار بن حماني منسق لجنة التضامن مع ضحايا محرقة روزامور، أن اللجنة بصدد الإعداد للذكرى السنوية الأولى للمحرقة، (لم يعلن عن تاريخها بعد)، موضحا أن تقرير حول الحادث الذي تهيئه مكونات اللجنة، لا يمكن أن يكون جاهزا ما دامت الدعاوي أمام القضاء غير نهائية.