ما أبلغ قول ذلك الشاعر القديم: تسألني عن سقمي صحتي هي العجب ! الفواجع التي حلت بالدارالبيضاء لم تكن سوى الشجرة التي تحفى الغابة. هذه المدينة المليونية التي تتوسد أخطاء السياسة وتنام على كوابيس الفوضى العارمة لا يمكن أن تستيقظ إلا على صرخات الثكالي وخيام العزاء ومواكب الجنائز! فلنبك على حاضرة دخانها الأسود يقتل البسطاء، و شوارعها المحفرة والمكتظة صارت ألغاما قاتلة في الصيف لما في الشتاء، أحياؤها الصناعية الكبرى وجه المغرب الاقتصادي صارت مجرد فخاخ يقصدها البشر من مختلف جهات المملكة ليذوقوا الموت أصنافا وألوانا حيث حماية العامل هي آخر نقطة في جدول أعمال بعض المشغلين الجشعين الذين يخرقون قانون الشغل بجرأة منقطعة النظير: يشغلون القاصرات و يستغلون الفقراء في السوق السوداء. بعضهم يرمي نفاياته الفاسدة من بقايا الحلوى في العراء قرب أحياء سكنية شعبية فيقصدها الأطفال يأكلونها بنهم، يحدث هذا باستمرار و تحدثت عنه بعض وسائل الإعلام لكن بدون جدوى! الفوضى العمرانية العارمة التي تشهدها الدارالبيضاء يتزعمها بعض المنعشين العقاريين الذين لا يحسنون سوى إنعاش أرصدتهم البنكية عن طريق خرق القانون في البناء و مع ذلك يتسلمون رخص السكن من المجالس المنتخبة ! يشيدون أحياء سكنية بلا روح، بلا حدائق، لأن هذه الأخيرة تحولت إلى شقق أشبه ما تكون بالزنازن في الأحياء الشعبية المكتظة ! وعندما لا يجد الأطفال مكان يمرحون فيه يلعبون قرب الشوارع فيموتون تحت عجلات الشاحنات...! الأطفال دائما هم ضحايا الفوضى و السياسات العمرانية العشوائية في أحياء مثل سيدي البر نوصي، و عين السبع ، يقطع الأطفال السكة الحديدية أربع مرات في اليوم ليصلوا إلى فصولهم الدراسية المحادية للسكة. هل يكشف المسئولون عن أرقام الأطفال الأبرياء الذين تلتهم قضبان السكك الحديدية أجساهم الطرية كل سنة؟ أين هي شروط حماية المتمرسين؟ في هذه الأحياء دائما تنتشر أوراش الحدادة، و النجارة، و مخازن المواد الخطيرة و المهن المهددة لسلامة البنايات. تنتشر كالفطر بين الأزقة والمخصصة للسكن وتحيل حياة البأس إلى الجحيم...يشتكون لكن بلا جدوى وقد توصل بعضهم إلى أن هذه الأحياء الشعبية تعيش حالة خرق دائم للقانون لذلك يقصدها البعض لفتح محلات بدون ترخيص يمارسون فيها أنشطة مضرة بالساكنة التي لا بواكي لها...! بالإضافة إلى أن هذه المحلات تشغل الأطفال دون سن العاشرة في كثير من الحالات يشتغلون فيها نهارا ويبيتون فيها ليلا... البيضاء تتوشح السواد لأن نساء و أطفالا ورجالا بسطاء خرجوا من بيوتهم صباحا وعادوا إليها جثتا ممزقة: هل هو القتل الخطأ ؟ أم القتل العمد؟ شيء واحد مؤكد هو أن خرق القانون مع سيق الإصرار والترصد قتل هؤلاء جميعا. رحمهم الله جميعا وعزاؤنا واحد.