الإعلام بكل مكوناته يعد المرآة التي تعكس كل كبيرة وصغيرة .. و هو بالدرجة الأولى من يتحتم عليه أن ينور الرأي العام الوطني قبل العالمي، ويغطي جميع الأحداث في الوقت المناسب، خاصة في عصر الثورة الإعلامية التي نعيشها ، وتحول الإعلام إلى أداة نقل مباشر للحدث ، بالصوت والصورة وبالزمان والمكان الذي تجري فيهما الأحداث، بما فيها أشد الحروب أو الكوارث هولا أو القضايا التي تشغل المجتمعات البشرية ، بمختلف تنوعاتها ، الأمر الذي أعطى للإعلام قوة حضور ، وقدرة على تشكيل الرأي العام .. ولا يجادل عاقل في أن قناتينا ( الأولى والثانية ) على حد السواء من واجبهما أن تعملا بهذا المنطق، بل ومن أولويات مهمتيهما المهنية أن تخبرا المواطنين - الذين يدفعون المقابل- بكل ما استجد من حولهم في لحظة وقوعه، وأن تحترم في نفس الوقت مشاعرهم، وتكون لهم بمثابة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .. وان ما جعلني أستهل كلمتي بهذه المقدمة هو أسلوب الإهمال الذي تعاملت به تلفزتينا مع الأحداث المفجعة التي حلت مؤخرا بمدينة الدارالبيضاء الكبرى، وأخص هنا بالذكر لعنة المصائب الكبرى التي نزلت فجأة على المدينة خلال العشر الأخيرة من شهر أبريل المنصرم، والتي أدمت قلوب كافة المجتمع وروعت الجميع، و بخاصة سكان الدارالبيضاء الذين عاشوا الأحداث أولا بأول، بحيث كان مصير العشرات من العمال الكادحين المغلوب على أمرهم، الموت حرقا بالنار، مع العلم أن الذي تسبب في هذه الكارثة الإنسانية الكبرى هو التسيب إن صح هذا التعبير، لأن السلطات المختصة لم تستطع تطبيق مدونة الشغل في ما يتعلق بشق شروط الصحة والسلامة . "" واني ماكنت لأدلي بدلوي في هذا الموضوع،( المأساة المتمثلة في المحرقة الجماعية ) رغم أن العديد من الأقلام قد تناولته، لولا الفعل الذي أقدمت عليه القناتين التلفزيتين ( الأولى والثانية) على حد السواء .. فالكارثة حلت بالمدينة صباح السبت كما هو معلوم، الأمر الذي كان يفرض على القناتين المذكورتين برمجة برامج تحليلية للواقعة، وتعمل على محاولة تهدأة النفوس المفجوعة من أهالي الضحايا، لكن المسؤولين لم يعيروا هذا الجانب أي اعتبار، وابقوا على تنفيذ البرامج التي تم تخطيطها من قبل، بحيث تضمنت برامج الأمسية سهرات فنية راقصة وفيها ما فيها من " الشطيح والرديح " وكأن شيئا لم يحدث، وكأن بلادنا لم تفجع من هول المحرقة الكبرى التي ما سبق أن شهد المغرب مثلها أبدا، واكتفى شرطي الكلام ( الوصي على الجهازين ) بالتفرج من بعيد دون التدخل للنهي عن المنكر الذي أصاب الناس. وما زاد الطين بلة، ورغم حدوث فاجعات أخرى بعد المحرقة "الحدث" بكل من حي الولاء (التشارك ) وسيدي مومن ذهب ضحيتها ابرياء آخرين، منهم من أتت عليهم النار كذلك، ومنهم من حصدتهم عجلات الحافلة المشؤومة، فلم يكترت المسؤولين في إعلامنا العمومي الرسمي مرة أخرى، وعملوا على برمجة سهرات فنية ليلة السبت الموالي - 03 مايو - للسبت الأسود، وهذه السهرات لم تقتصر على شاشة التلفزة وحسب، بل أقيم حفل ساهر برحاب مسرح محمد الخامس، وكأنهم يريدون القول القافلة تسير و (......) الفاهم يفهم. وان ما أثار انتباهي وأثلج صدري في الآن نفسه هو احتجاج بعض المقربين من التلفزة المغربية الذين استغلوا مشاركتهم في احفالات فاتح ماي، بحيث رددوا شعارات انتقذوا من خلالها التعامل اللامسؤول لمسؤولي الاعلام الرسمي بقولهم: " المحرقة في ليساسفة والشيخات في التلفزة " كما دفع هذا التصرف اللاحضاري النائبة البرلمانية بسيمة الحقاوي إلى دعوة المواطنين المغاربة إلى إلغاء دفع الضريبة المخصصة لتمويل القناتين ما دامت لا تحترم مشاعرهم ولا تشاركهم همومهم وأحزانهم، ومن منطلق ان خدمة الوطن و المواطنين جزء من الواجب الديني و الوطني أجد أن القناتين لم تعملا بهذا ، ومن هنا أضم صوتي إلى النائبة البرلمانية حسيبة وبدوري أدعو إلى توقيف تمويل القناتين من جيوب المواطنين الى أجل لاحق.