إنه مما يحز في النفس أن تجد بعضا من أبناء الصحوة الإسلامية المعاصرة يضيعون الوقت في مناقشة جدوى الإصدار اليومي لجريدة التجديد رغم مرور أكثر من عشرة أشهر على هذه التجربة الإعلامية الإسلامية المتميزة. لا يمكن تفسير ذلك، ومثله موقف الذين يقاطعونها تحت ذرائع شتى وبخلفيات متنوعة، إلا بوجود خلل في ترتيب الأولويات في عقل المسلم المعاصر وعدم إدراكه العميق لأحوال العصر ولمكامن القوة فيه، وفي عدم استيعاب وسائل التأثير فيه. فالإعلام في أوضح تعريف له هو >ذلك النشاط الذي يتوجه إلى الإنسان، عقله وفكره واتجاهاته، عقائده ومثله، حاجاته النفسية، حاجاته الاجتماعية، حاجاته المادية، ومسؤوليته كبيرة وخطيرة بحجم النشاط الإنساني كله< لا غرابة إذن أن يطلق على الصحافة السلطة الرابعة أي أنها سلطة تأتي مباشرة بعد السلطات الثلاث المعروفة، التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولدورها الخطير في حياة المجتمعات المعاصرة أصبحت تعرف ب"صاحبة الجلالة"، والصحافة من هذا المنطلق إذا توجهت إلى التخريب كان فتاكا مدمرا وإذا توجهت إلى البناء كان قويا وشامخا، واليهود اشتهروا بقولهم: من يملك الإعلام يملك العالم. لقد تضخم دور الإعلام في المجتمع المعاصر لدرجة نستطيع أن نقول إننا نعيش مرحلة الدولة الإعلامية الأخطبوطية، والصراع اليومي صراع إعلامي بالدرجة الأولى، ذلك أن الإعلام لا يلعب فقط الدور التقليدي المعروف وهو رصد الأحداث وإيصال المعلومات إلى الجمهور، لا بل إنه أصبح فاعلا رئيسيا في صناعة الحدث وخلقه ابتداء وربما التحضير له في الوقت والمكان المناسبين، وأصبح من المسلَّم به أن صاحب القرار في أي بلد لا يستطيع تجاهل اتجاهات الإعلام الغالبة في بلده. والصهيونية هي صاحبة الصوت الأعلى في عالم اليوم لأنها بالمختصر المفيد تملك أقوى أبواق الدعاية الإعلامية، من جرائد ودوريات وإذاعات ومحطات فضائية ودور للنشر والطباعة ومراكز للبحث وغيرها من وسائل صناعة الفكر والثقافة، ألا ترى معي بأن ما سمي ب"المبادرة العربية" للسلم مع "إسرائيل" كان مقالا صحفيا لصحفي يهودي صهيوني اسمه توماس فريدمان أطلقه في جريدة أمريكية معروفة بولائها ل"إسرائيل" وتلقفته أبواق الدعاية ليتحول بعدها إلى ما يعرفه الجميع؟ الناظر إلى سوق الإعلام المكتوب ببلادنا يلاحظ تنوع الإصدارات اليومية والأسبوعية لكنه تنوع في الكم لا في الكيف، لأن اتجاه الغالب هو الجرائد ذات التوجه العلماني التي أقل ما يمكن وصفها به هي أنها لا تعير لعقيدة الأمة أي اهتمام في سلوكها الإعلامي بل إن بعضها تدعي زورا بأنها "تقدمية" هي أقرب ما تكون إلى الماخور أو النادي الليلي منه إلى جريدة بالمعنى المهني للجريدة، همها الأكبر هو إشاعة الفاحشة والانحلال الخلقي والفضائح الجنسية، والدعاية لكل أنواع الشذوذ، كل ذلك باسم الحرية الفكرية، وكأن معنى الحرية هو الاعتداء على ثوابت المجتمع وقيمه أو هو الدعاية للمنكر والفساد، واغتيال ذاكرة الأمة الوطنية والتاريخية. أرأيتم إذن كيف أننا نحن أبناء الصحوة الإسلامية في حاجة ليس إلى جريدة واحدة وإنما إلى عدة جرائد يومية وأسبوعية ودورية وليس باللغة العربية وحدها وإنما بمختلف اللغات الحية. إنه نوع آخر من الجهاد الجهاد الإعلامي يتجاوز كونه فرض كفاية ليصبح فرض عين، كل مسلم ملزم بالمساهمة فيه حتى ولو كان ذلك فقط بالدعم المادي عن طريق الاشتراك أو الشراء المستمر والمنتظم، وإلا فإن أضعف الإيمان هو حفظ اللسان والتورع عن النقد الهدام لما هو موجود في الساحة من تلك الجرائد كائنا ما كان انتماؤها إلى هذا الفصل الإسلامي أو ذاك، ففي الساحة متسع للجميع.. وأكثر. بقلم: إبراهيم بوغضن