يقبع حي النسيم، في رقعة جغرافية ضمن النفود الترابي لمقاطعة الحي الحسني، تحاصره السكة الحديدية (محطة النسيم) من الجهة الخلفية، وتجثم على أطرافه الأمامية فضاءات تحتضن بنايات يقال أنها شركات صناعية. قد تتغير معالمها الجغرافية لتحقق أحلاما في غفلة من أصحاب تدبير الشأن المحلي، أو من خلال تواطؤ خفي لا تكشف عنه إلا الأزمات، حين يتجاوزه حجم الكارثة. البسطاء المجروحون بهذا الحي، الذين لا زال الألم يقطع أحشائهم كل يوم وكل لحظة، تتربص بهم من كل جانب آلام لا نهاية لها، لعل أقصاها، هي الإنذارات بإفراغ مساكنهم، التي تصلهم رسائلها كل يوم من دون، أن يكون لها فاصل يسثتني أيام فاجعتهم في ذويهمعلى الأقل... حي النكبة شاءت الأقدارأن يصبح لهذا الحي، عقد تاريخي جديد مع إطلالة صباح يوم 26 أبريل الماضي، لم يكن فيها حي النسيم بمنأى عن التفاعل مع المتغيرات، التي ساقها حادث محرقة معمل روزامور، والتأثر بإيقاعاتها المرعبة، التي التهمت فيها شهية الموت أرواحا بريئة. هوية انتمائها لهذه الرقعة الجغرافية المحدودة، جعل اسم حي النسيم لغة وطنية. لقد سبب الحادث فاجعة كبرى وخسارة فادحة، انضافت إلى مرارات السكان العديدة، أمام واقعهم المزري لتضخم أحزانهم أكثر. هكذا إذن صارت الأمور، فهذا الحي ليس له حظ من اسمه كما يقال، لقد انتزعت الفاجعة نسيم الحي المحاصر بخصاص واضح في البنيات الأساسية والمرافق الاجتماعية الضرورية. وأحالته إلى سواد كان حري بالسكان أمام تأثيره على مجريات حياتهم، أن يطلقوا عليه حي النكبة. فالفاجعة التي ترصدت ذويهم في لمح البصربمعمل روزامور، وأحرقت أجسادا غضة أدخلها الوضع المادي الهزيل قبل الأوان لدوامة العمل، لمكابدة العيش والنضال مع أسرهم من أجل البقاء. رشيدة تناني، حنان الدومير، غزلان الدومير، بلغالي خديجة، القطراني محمد، بديعة الحفصاوي، خباز محمد، إيمان الذهبي، زينب بودقة، نورة عماد الدين،عبد الوهاب بوفاطمة..كانوا هم ضحايا حي النسيم الذي لا يبعد عن معمل الموت، إلا ببضع كيلومترات، وستظل أسماؤهم شاهدة على بؤس حي لم تندمل جراحه بعد. خارج التغطية يعد حي النسيم من المشاريع السكنية التي استقبلت العديد من سكان المدينة القديمة بالدارالبيضاء، الذين أفرغوا مساكنهم الأصلية في إطار تهيئة المحج الملكي الرابط بين مركز مدينة الدارالبيضاء ومسجد الحسن الثاني. موقع الحي الجغرافي المعزول يحد من آفاق التحرك المهني، لساكنة أغلب أسرها ليس لها دخل قار، أسرا كانت قبل الانتقال إلى حي النسيم، تنتعش قدرتها المعيشية فقط من مزاولة المهن ذات الصلة بمنتوجات ميناء الدارالبيضاء، حين كان سكنهم الأصلي قريبا منه. أمام هذا الوضع لم تجد أغلب العائلات، التي تدفعها الفاقة إلى تقريرمصير الأبناء، بحيث أصبحت هذه الأسرتقاوم من أجل العيش، عبر الإفادات المادية الهزيلة التي يوفرها أبناؤها وذويها. فكان العمل بمعمل روزامور وغيره من المعامل في المنطقة الصناعية بـ ليساسفة، ضرورة صنعتها الفاقة والتهميش. ومن جهة أخرى، ظل سكان حي النسيم يعانون منذ رحيلهم سنة ,1995 من خصاص واضح في البنيات الأساسية والمرافق الاجتماعية الضرورية، هذه اللغة يشهد عليها بحسب بعض منتخبي المنطقة، روضين للأطفال، مرت 13 سنة على إنشائهما، لكن من دون أن تبعث السلطات المحلية، فيهما الحياة، بسبب توجهات صندوق الإيداع الوطني للتدبير، التي كانت تفضل بيع المؤسستين الإجتماعيتين للخواص، ووقفت لأجل ذلك في وجه محاولة منحهما إلى مؤسسة مجيد الاجتماعية، في إطار المبادرة الوطنية للتنمية الاجتماعية، لكن لحد الآن لم تشتغل المؤسستيتن، بفضل هذا التماطل أصبحتا نقطة سوداء في المنطقة، بحيث أصبحت ملاذ للسكارى والمشردين ولممارسة الدعارة بحسب إفادات السكان. يحمل نسيم هذا الحي المنكوب روائح كريهة، طالت شكايات السكان بشأنها، لكن من دون جدوى، بسبب تدفق مياه قنوات الصرف الصحي، ويؤكد مسؤولون محليون أن واد بوسكورة الذي يمر بمحاذاة هذا الحي، يتسبب في اختناقات الواد الحار، وبالضرورة نتيجة لذلك انبعاث الروائح الكريهة وانتشار الأوساخ. ولذلك تنتظر الساكنة ومعها المنتخبون، تنفيذ وعد شركة ليديك بالتدخل، وفق البروتوكول الأخير الموقع بين وزارة الداخلية والشركة. في إطار مراجعة عقدة التدبيرالمفوض للماء والكهرباء وتطهير السائل. تهديدات بالإفراغ إنذارات وتنفيذ قرارات الإفراغ، وضع يعيش على إيقاعه قاطني حي النسيم، منذ توقفهم عن أداء أقساط الفوائد الشهرية، مقابل استفادتهم من الشقق التي يسكنونها، والتي يؤكد السكان أنها تتراوح ما بين 200 درهم، و600 درهم بحسب مساحة الشقق لكل أسرة. المبلغ يعتبره المحتجون من السكان يفوق قدرتهم المادية. في الوقت الذي يمتنع البعض عن تتمة الأداء بحجة أنهم وقع عليهم التحايل من قبل السلطات المعنية، بجعلهم يوقعون على شواهد أجرة وهمية تثبت أنهم يتقاضون مبلغ 1500 درهم شهريا، في حين أن الواقع عكس ذلك. يلجأ آخرون إلى حل وسط ، بطلب إعادة النظر في جدولة الديون المستحقة على قاطني حي النسيم بالدارالبيضاء. يؤكد منتخبون محليون أن قضية التوقيع على شهادات الأجرة الوهمية، تفجرت بعد الإعلان عن إفلاس شركة صندوق الإيداع والتدبير. وتحويل ملف متابعة الديون المستحقة على قاطني حي النسيم، إلى البنك العقاري والسياحي بالدارالبيضاء، الذي أصبح يطالبهم بالأداء بناء على مجموعة من الوثائق، كانوا قد وقعوا عليها، والتزموا فيها بأداء المبالغ المستحقة، ومنها شهادة الأجرالشهري. وأكد مصدر أن التحايل وقع لجعل البنك يقبل الانخراط في المشروع عبر منحه قروض السكن. لعبة شد الحبل لا زالت مستمرة بين قاطني حي النسيم، والبنك العقاري والسياحي بالدارالبيضاء، وتأججت الاحتجاجات بعد محاولة السلطات المحلية تنفيذ قرارات الإفراغ بالقوة في حق العديد منهم ، وخيام العزاء قائمة في بيوتاتهم، وذلك بعد مرور أسبوع فقط على حريق معمل روزامور.