سنوات عديدة تلك التي قضاها أفراد 254 أسرة بحي المطار أنفا «الحي الجوي»، الواقع بتراب عمالة مقاطعات الحي الحسني الذي يحده شارعا سيدي عبد الرحمان وأم الربيع، منهم من رأى النور بهذا الحي ومنهم من فارق الحياة به، سنوات من عمرهم حافلة بالمناسبات المختلفة التي جعلت من السكان ومن الحي جزءاً لا يتجزأ، منذ أن حَطُّوا أقدامهم به للعمل كتقنيين ومهندسين بقطاعات الطيران المدني، الأرصاد الجوية الوطنية والقواعد الجوية، البعض منهم تقاعد والبعض الآخر لايزال يمارس مهامه دون كلل أو ملل. مواطنون/ مستخدمون وأطر، قبلوا ذات يوم الانتقال للسكن بهذا الحي على مضض لكونه كان يقع آنذاك برقعة جغرافية معزولة خارج المدينة، ولم يكن ينعتها أغلبهم سوى بمنطقة القبر والخلاء، ورغم ذلك، فقد انتقلوا للعيش بها حتى يكونوا على مقربة من مكان عملهم «المطار»، فكونوا أسراً تفرعت معتقدين أنهم سينعمون بالهدوء الذي لن ينغصه عليهم أي شيء، إلا أن ظنهم خاب بعدما ارتفع سعر «المتر» الذي جر عليهم ويلات لوبي العقار الذي سال لعابه وهو يرى بأم عينيه هكتارات شاسعة يتحول معها التراب إلى ذهب! الاستقرار لسنوات عديدة بحي المطار التابع للأملاك المخزنية ولَّد أمنية لدى العديد من السكان مفادها الرغبة في امتلاك المساكن التي يستأجرونها، إلا أنهم كانوا يصطدمون بعدة عراقيل قانونية، لم يتم تجاوزها إلا بعد صدور المرسوم المغير للمرسوم المنظم لعملية التفويت بتاريخ 30 يونيو 1999، ليكون بذلك بارقة أمل على اعتبار أن المرسوم الجديد يرخص لإدارة الأملاك المخزنية باتخاذ قرار تفويت المنازل الى مستغليها على سبيل الإيجار، من موظفين ممارسين أو متقاعدين، أو من ذوي الحقوق. الإطار القانوني الجديد حَفَّز الجمعية الممثلة للسكان من أجل إحياء الملف/ الطلب، وسلكت لتحقيق هذه الغاية مجموعة من المساطر والاجراءات الادارية توجت بعقد اجتماع مركزي ضم كل الأطراف المتدخلة خلص إلى الموافقة على «إرضاء رغبة السكان في تملك منازلهم» من خلال إعداد التصاميم وعرضها على السلطات المعنية وتحمل السكان لمصاريف التقسيم، وعليه شرع سكان الحي في تهييء ملف قانوني/ تقني لأجل تقسيم واستخراج رسوم عقارية جديدة بمساعدة من الأملاك المخزنية والجماعة والوكالة، أسفرت عن استخراج 220 رسم عقاري جزئي من الرسم العقاري الأصلي، وبعد انتهاء هذا الشق التقني، انطلقت اللجن الادارية المكلفة في اتباع مسطرة تحديد سعر التفويت لمدة أربع سنوات، فحددته في ما بين 1840/1680 و 2000 درهم للمتر المربع حسب موقع كل مسكن. يوم ليس بالمنتظر! الاجراءات السالف ذكرها، والتي تم اتباعها كان من المفروض أن تتوج بتحرير عقود البيع خلال شهر أكتوبر من سنة 2005، إلا أنه تعذر الوصول إلى هذه المحطة، ودخل السكان في دوامة من المماطلة والانتظار دون أن يكونوا على علم بأن الأمور تغيرت، إذ وعكس التيار، سيكتشفون بعد مرور الوقت أن مراسلة من والي جهة الدارالبيضاء الكبرى عامل عمالة الدارالبيضاء السابق محمد القباج، تدخلت للحيلولة دون إتمام مشروع البيع وتمليك سكان حي المطار لمنازلهم بدعوى أن «الحي المعني بالتفويت يخضع للدراسة ضمن مشروع تهيئة منطقة أنفا، تنفيذاً للتعليمات الملكية السامية»، وعليه، فقد طلب القباج «إيقاف عملية تفويت المساكن إلى حين استكمال الدراسة الشمولية من طرف الجهات المكلفة بهذا الملف»، حيث تم إحداث وكالة تهيئة وتعمير أنفا بموجب المرسوم المؤرخ في 24 أبريل 2006 التي ستقوم بتتبع إنجاز هذا المشروع. دراسة لم تنجز رغم انصرام 4 سنوات، ومع ذلك، لم يفقد سكان حي المطار/ الحي الجوي الأمل في انتظار غد أفضل، لكن المفاجأة الصاعقة، ستكون مدوية وذات وقع شديد عليهم وهم يتوصلون انطلاقاً من شهر ماي من السنة الجارية سلسلة من أحكام الإفراغ والاستدعاءات للمثول أمام قاضي المستعجلات من أجل مطالبتهم بإخلاء المساكن الوظيفية التي يحتلونها للمالك الجديد الذي ليس سوى صندوق الإيداع والتدبير! تبخر المشروع الاستدعاءات والأحكام التي توصل بها سكان حي المطار كانت إعلانا بتبخر مشروعهم و «طردهم» إلى الشارع بشكل من الأشكال، بعد تقديم الدولة لصدقة إلى المالك الجديد الذي اقتنى الوعاء العقاري للمطار الممتد على مساحة 239 ه 93 آر 20 س، بمبلغ 43,76 درهما للمتر المربع! وهي الصفقة التي تمت في 12 أكتوبر 2007 في الوقت الذي كان فيه سكان حي المطار في «دار غفلون»، ولم يستفيقوا من التنويم الذي مورس عليهم إلا عندما تم نعتهم بالمحتلين للمنازل بسند غير قانوني، ليجدوا أن صندوق الإيداع والتدبير «صاط» في الأرض واستخرج لها رسوماً عقارية جديدة بعد إيداع الملف الطبوغرافي هي 64/3482 والرسوم العقارية من 33/61357 إلى 33/61576، من الرسم العقاري الأصلي عدد 1634/ س، ورفع في وجههم سلاح القضاء بهدف تهديدهم، وسلك الى جانبه مسطرة للصلح تتعارض وفحوى الدعوى القضائية التي تصف الموظفين المشتغلين للمساكن بالمحتلين، احتلال سرعان ما يتم التراجع عنه في عقد الصلح من خلال الإقرار بأن الطرف الآخر يشغل المنزل المعني بالأمر بصفته مكترياً من الأملاك المخزنية المالك السابق لهذا العقار! غرائب وعجائب.. المتتبع لمسار ملف سكان حي مطار أنفا لا يمكن إلا أن يحتار للمنهجية التي تم سلكها من خلال محو كل التفاصيل المتعلقة بالاجراءات والتدابير التي اتخذت من طرف جمعية سكان حي المطار تحت إشراف الجهات الوصية من أجل اقتناء المساكن وتمليكها لهم! وأن يطرح علامات استفهام متعددة حول «الكارت بلانش» الذي يتوفر عليه صندوق الإيداع والتدبير الذي بموجبه وضع اليد على مساحات جغرافية هامة في موقع متميز بمبلغ زهيد لا يتعدى 45 درهماً، في حين أن الأثمنة تم تحديدها في 1840/1680 و 2000 درهم، مما يوحي بل يؤكد على أن الصفقة تتجاوز تهيئة المنطقة وإنشاء قطب حضري إلى حجم الثروات التي ستجنى من ورائه، وهو ما دفع صندوق الإيداع والتدبير المالك الجديد إلى شن حرب ضروس على السكان لإخلائهم من منازلهم رغم أن شارعاً مهماً يفصلهما عن المطار، في الوقت الذي توجد بمحاذاته رقع جغرافية أخرى كان الأولى أن ينصب اهتمامه عليها عوض طرد السكان وعرض مبلغ 90 مليون سنتيم عليهم بهدف تسريع وتيرة الرحيل بشكل «سلمي»! خطوة الإغراء هاته لقيت صداها لدى بعض السكان الذين كانوا يستغلون بكيفية ما محلات صغرى عبارة عن دكاكين أو «كراجات» لا تتعدى مساحتها 20 متراً مربعاً غير موجودة في الهيكلة الأصلية، الأمر الذي يعتبر مربحاً بالنسبة لهم، عكس المتضررين الذين يستغلون مساحات ما بين 180 و 800 متر مربع . إصرار ومقاومة.. عدد من سكان حي المطار ممن التقتهم «الاتحاد الاشتراكي» أكدوا أنهم ضحية تلاعبات لوبي العقار الذي لا يبحث إلا عن الربح المادي، مؤكدين أنه تم الضحك عليهم من خلال إضاعة عدة سنوات في الفراغ بدعوى استكمال مسطرة تفويت المساكن إليهم في وقت كان سعر العقار أقل بكثير مما هو عليه اليوم، والذي عرف ارتفاعاً صاروخياً أضحى معه البحث عن مسكن آخر من أجل اقتنائه يعد من سابع المستحيلات، بالنظر إلى ارتفاع الأسعار، الأمر الذي كان يمكن تفاديه عند البداية حتى يتسنى لكل واحد منهم اتخاذ القرار الذي يراه مناسباً. «ر ع» تقني بالقواعد الجوية في المكتب الوطني للمطارات، رب أسرة تتكون من 4 أفراد، صرح للجريدة قائلا: «صندوق الإيداع والتدبير رفع دعوى قضائية ضدي تحت ذريعة أنني أتواجد بالمسكن دون سند قانوني رغم كوني موظفاً لأكثر من 40 سنة وتحديداً منذ سنة 1963، وطيلة هذه المدة، كنت أؤدي وجب الكراء للأملاك المخزنية بانتظام، الذي كان يقتطع من الأجرة الشهرية، وعندما أحلت على التقاعد، كنت أؤدي واجب الكراء للأملاك المخزنية بانتظام، الذي كان يقتطع من الأجرة الشهرية، وعندما أحلت على التقاعد، كنت أؤدي واجب الكراء للقباضة بنفسي، إلى أن تفاجأت بالاستدعاء المستعجل، إنه قرار مجحف»، وهو نفس التعليق الذي تبناه جملة من السكان المتضررين، واصفين ما حدث بالمهزلة التي تسعى إلى زرع التشكيك ونشر اليأس وإشاعة جو من عدم الثقة في أوساط الموظفين والعمال بالإدارات المختلفة حول المصير الذي يمكن لهم أن يلاقوه في أواخر سنوات الخدمة! أحد السكان أكد بصريح العبارة: «راه ما نخرج غير إيلا ما دوزوا فوق مني الطراكس»!، في الوقت الذي شدد فيه الجميع على مقاضاة مديرية الأملاك المخزنية لإتمام عملية البيع الأصلية من أجل تمليكهم المساكن التي يشغلونها، واستمرار تصديهم لعمليات الهدم التي يحاول الصندوق القيام بها، والتي تستهدف سلامة مساكنهم التي يجاور بعضها البعض الآخر، بل ولها أجزاء مشتركة في ما بينها، الأمر الذي يجعل من عمليات الهدم التي تحاول الجهة «المالكة» القيام بها خطراً يتهدد الجميع، علما بأن صندوق الإيداع والتدبير لا يحترم حتى المساطر الادارية المعمول بها عند هدم بناية ما! في انتظار الإنصاف.. سكان حي المطار/ الحي الجوي، سلكوا مسطرة القضاء مسلحين بالعزيمة وبكافة الوثائق المعززة لمشروعية مطلبهم الذي انخرطوا في مسلسل أجرأته على أرض الواقع قبل أن يقتحم المشهد صندوق الإيداع والتدبير الذي أتى على الأخضر واليابس بهدف إجهاض أحلامهم، سعياً وراء تغيير معالم المنطقة لغاية في نفس يعقوب تخفي ما وراءها، سيما أن سعر اقتناء الأرض بين بشكل جلي أنه لا هاجس يؤطر العملية برمتها سوى هاجس الربح المادي عوض المصلحة العامة، كيف لا والمتر المربع بيع ب 43,76 درهما!