ما طرحه مدير أسبوعية تيل كيل في رده على يومية التجديد يكشف عمق مأزق الخطاب المناهض لموقف الدولة والمجتمع الرافض للتطبيع مع المجاهرة مع الشذوذ الجنسي، إلا أن المهم هو أن يتقدم للحديث علنا ما يخيفه الكثيرون من حملة الخطاب العلماني المتميز بدفاعه عن التطبيع مع الشذوذ الجنسي، وسنقف هنا على هذه النقط بالوضوح المطلوب، لما لهذا النقاش من أهمية في معرفة طبيعة التدافع القائم حول النظام الأخلاقي للدولة والمجتمع بالمغرب، وفهم آثاره ونتائجه القريبة والبعيدة، خاصة وأن البعض ينظر إليه باعتباره نقاشا ثانويا. أولا لجأ هذا الخطاب في افتتاحية أسبوعية تيل كيل إلى الدفاع بصراحة عن رفع المنسق المزعوم لشواذ المغرب لورقة الحماية الإسبانية، حيث أشهر هو الآخر ورقة الجنسية المزدوجة لهذا المنسق المزعوم، وذلك فمن الناحية القانونية له الحق في إخباره بتحركاته في المغرب، ومن ثم فخطاب التوظيف الأجنبي مردود، لكن هل يتيح التوفر على الجنسية المزدوجة خرق قوانين أي بلد تحمل جنسيته، لا، وهذا ما لم يستطع هذا الخطاب الدفاع عنه، ونضيف أن هذا المنطق لا يصمد في أي تحليل، وإلا لكان من حق أي هولندي تضبط معه المخدرات أن يقول بأنه يحمل جنسية أخرى. بوضوح إن الجنسية المزدوجة لا تتيح إلا إخبار البلد الآخر بظروف اعتقالك ودعم مطالبك بالمحاكمة العادلة، أما ما عدى ذلك فسيادة القانون هي المرجع. ثانيا إن المشكل هنا ليس فقط التوظيف الأجنبي لإضعاف المغرب عبر استغلال قضية وجود مجموعة ترغب في إعلان شذوذها وتسهيل تنفيذ رغباتها في الزواج كما كشف منسق شواذ كيف كيف في مراكش، في حوار صحفي له مع أسبوعية المشعل، بل الأكثر من ذلك هو الاستقواء الخارجي من قبل هذه المجموعة، وتهديد الدولة والمجتمع بالخارج إذا لم فتح لها الأبواب لتنفذ ما تسعى إليه، من ناحية ثانية، أما حكاية التبرير بوجود الجنسية المزدوجة فحوارات المنسق المزعوم لشواذ المغرب كشفت أنه ينسق مع سفارات دول أخرى لا يتوفر على جنسيتها مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية، بل إصراراه على القول بأنه يتصل بعدد من السفارات الأجنبية، وهو ما يعني أن النية في صناعة موقف دولي مناهض للقانون المغربي في هذا المجال نية واضحة، والمطلوب هنا أن يتحلى الخطاب المناهض للدولة والمجتمع بالجرأة ويعلن إدانته لهذا السلوك، وللعلم فهذا الخطاب لا يمثله مدير أسبوعيتي نيشان وتيل كيل، بل إنه في عدد ما قبل الأسبوع الماضي أصدر كتابات عدد من المناهضين للسياسة الأخيرة للدولة، وفي نفس الإصدار من العددين، وبالتالي فهو ليس سوى فرد من مجموعة يعود الفضل لنيشان وتيل كيل في كشفها. ثالثا أما مسألة الإحالة على النموذج المسمى إعلاميا بالوهابية، وكيف يرفض الخطاب العلماني المؤيد للمجاهرة بالتطبيع مع الشذوذ أي شكل لدعم دولة أجنبية لدعاة ما يسمى إعلاميا بالوهابية بدعوى رفض التدخل الخارجي، وهنا نحن نجد هذا الخطاب أمام تناقض كبير وتعامل انتقائي، لأن المشكل لا يرتبط فقط باستعمال العنف أو التورط فيه أو تأصيله، فالمشكل يرتبط بالوحدة المذهبية والسيادة الوطنية والدينية؛ سواء صدر عن من يشوش عنها أو يستهدفها سلوك عنفي أو لم يصدر، لأن ما يستهدف هذه السيادة يوفر المدخل لإحداث توترات اجتماعية تؤدي إلى ضرب الاستقرار، أما أن ننتظر حتى يصدر سلوك عنفي من شاذ ما لنعلن الموقف الرافض؛ فأي عنف أكبر من التهديد بقوة خارجية ما تزال تحتل جزءا من التراب المغربي، وتعمدت الإهانة المباشرة للمغرب ولجيشه في احتلالها لجزيرة تورة المغربية. رابعا إن قضية المحميون الجدد- والتي تستحق عودة مفصلة لبحث دورها في التمهيد لاستعمار المغرب في نهايات القرن التاسع عشر- قضية واضحة في الكيفية التي أدى بها فرض اللجوء إلى منظومة قانونية لدولة أجنبية والاستقواء بتلك الدولة في تعطيل تطبيق القانون، مما أدى إلى إضعاف تدريجي للسيادة الوطنية، والموقف الذي نحيل عليه اليوم في هذا النقاش ليس موقفا طارئا بل هو الموقف التاريخي للمجتمع والدولة، والتي بعد أن وجدت نفسها وقد تم تفتيت المنظومة القانونية للبلد في حالة استعمار غير معلن، وما يحاول الخطاب المدافع عن التطبيع مع الشذوذ اليوم فعله هو إقناعنا بأن هذه مجرد جنسية مزدوجة، لكن العودة إلى التاريخ تكشف أنها كانت مقدمة لاستعمار دموي وعنصري واستيطاني تطلب إنهاءه مئات الآلاف من الشهداء. خامسا، لجأ هذا الخطاب في رده إلى القول بأن الأمر لا يتعلق بأقلية، بل إن المشكل هو في الإسلاميين الذي يحرضون الدولة والمجتمع ضد هذه الأقلية، وأن ذلك سيؤدي عاجلا أم آجلا نحو العنف، هنا نجد منطق قلب الوقائع والمعطيات بشكل فج؛ فضلا عن الاختلاق عند مدير تيل كيل بأن أصدقائه الظلاميين يذكرون بأن المنحرفين جنسيا أو دينيا عليهم أن يرموا في السجن قبل أن يحرقوا في النار، أما قلب الحقائق فبرز في أمرين؛ فمن ناحية نجد أن الذي استفز المجتمع والدولة هو المنسق المزعوم لشواذ المغرب، والذي خرج، وفي ظرف أسبوع واحد، بسلسلة حوارات في صحف يومية ومجلات وأسبوعيات، متوعدا المغرب بدعم السفارات الأجنبية. وتحرك الدولة، وليس فقط الإسلاميين جاء للحيلولة دون حصول ما من شأنه إحداث توتر اجتماعي أمام التراخي في تطبيق القانون، ومن ناحية أخرى فإن اللجوء إلى القول بأن المجتمع المغربي متسامح مع الشذوذ، وأن المشكل هو في الإسلاميين الذين يحرضون هو قلب كبير للحقائق؛ لأن المجتمع يتغاضى عمن يستتر ولا يجاهر علنا بشذوذه أويدعو إلى إلغاء القانون الخاص به، فالفرق كبير بين من استتر وبين من أعلن، وهو يبرز التحدي الكبير المطروح على مستقبل المنظومة الأخلاقية بالمغرب، حيث يراد نقل الشذوذ من وضع السلوك المرفوض إلى وضع السلوك المقبول، وهو ما لم يسبق أن وجد في تاريخ المغرب. سادسا وأخيرا، تلجأ إلى مسألة الدفاع عن انتقائية الدولة في تطبيق القانون إلى مبررات ربط التطبيق بالاستقرار الاجتماعي، ولهذا فهي تتراخى، أكتفي هنا بالقول إن الاستقرار الاجتماعي هو الذي فرض تحرك الدولة لإعلان نيتها في تطبيق القانون، بعد أن أصبحت الدعاية للتطبيع مع الشذوذ ظاهرة إعلامية يتنافس عليها الشواذ، أما نقد القانون فمن حق أي كان، لكن تغييره يتطلب اللجوء إلى الأدوات الدستورية والانتخابية وليس الاستقواء بالخارج.