يعتبر التمويل الأمريكي للجمعيات المغربي جزء من التمويل الأجنبي الذي تغلغل في ميزانية العديد من هيئات المجتمع المدني، هذا التمويل الذي يثير العديد من ردود الأفعال ويؤدي إلى بروز اختلافات داخل المجتمع المغربي، فهناك من يرى أن هذا التمويل ينبغي رفضه جملة وتفصيلا؛ خاصة الصادر عن الجهات الرسمية للدولة الأمريكية أو الهيئات الموازية لها، لأن لديه أهدافا خفية غير تلك التي تعلنها الجهات المانحة، كما يمس باستقلالية التنظيمات والهيئات التي تقبل على هذا النوع من الدعم، وبين من يرى أن هذا التمويل ضروري للنهوض بعدة قطاعات تحتاج إلى ذلك؛ مثل التعليم والبيئة والاهتمام بالطفل والمرأة. وبين هذا وذاك يظل التمويل الأمريكي الرسمي لا يخلو من أهداف؛ من بينها تحسين صورة أمريكا في العالم الإسلامي ومن بينها المغرب، والتي أصبحت سياستها مرفوضة بفعل الجرائم التي ارتكبتها في البلدان المستضعفة؛ سواء في العراق أو أفغانستان أو دعمها للكيان الصهيوني في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، إلى جانب مآرب في نفس المنظمات التي تغدق الأموال من أجل تغيير قيم المجتمع وهويته وأحيانا عقيدته. ضد التمويل لا يتردد العديد من السياسيين والفاعلين الجمعويين في التعبير عن رفضهم للتمويل الأمريكي ومقاطعتهم له، ما دامت أمريكا مستمرة في إذلالها للشعوب المستضعفة واحتلال أراضيها كما يقع في أفغانستان والعراق، ومن هؤلاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي اتخذت موقفها منذ عدة سنوات لما كان الحصار على العراق، وأدى إلى وفاة آلاف الأطفال، حسب ما أكده عبد الحميد أمين نائب رئيسة الجمعية لـالتجديد. ولم يقف الحد عند مقاطعة أمريكا، بل امتد الأمر إلى الحكومة البريطانية، يقول أمين اتخذنا موقفا على صعيد المكتب المركزي قرارا بمقاطعة كل أنشطة الإدارة الأمريكية والحكومية البريطانية، كما اتخذنا الموقف نفسه منذ سنتين إلى جانب هيئات المجتمع المدني المتمثلة اتحاد كتاب المغرب والائتلاف المغربي للثقافة والفنون وجمعية الكفاح الفلسطيني ومجموعة العمل لدعم فلسطين والعراق والنقابة الوطنية للصحافة، فأصدرت بيانا تدعو فيه إلى مقاطعة كل أنشطة السفارة الأمريكية، كما دعت كل منظمات المجتمع المدني للانخراط في هذا المبادرة، ومن ثم مقاطعة كل تمويل أمريكي، نظرا للانتهاكات الخطيرة التي تمارسها الإدارة الأمريكية في العالم، وبالتحديد فيما يخص العراق وفلسطين. وحول ما يبرر به البعض قبولهم للتمويل من باب تمويل أنشطة ذات بعد اجتماعي، أكد نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن التمويل هو امتداد سياسي وتعامل مع إدارة تقوم بجرائم حرب وبانتهاكات خطيرة اتجاه الفسطينيين والعراقيين والأفغانيين. ومن بين مخاطر التمويل، حسب أمين هو المس باستقلالية المنظمات والقوى الديمقراطية التي تقبل بتمويل ملطخ بجرائم وانتهاكات ضد الإنسانية. ثروة العدو هناك موقف يعتقد أن التمويل الأمريكي لا بأس به، مادام أن الجهات التي تحصل على المال هي التي تشرف على أنشطتها دون تدخل الجهات المانحة. ومن بين هؤلاء موقف محمد الصبار، رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، الذي قال إن حصوله على التمويل من هيئات أمريكية لا عيب فيها مادامت هذه المؤسسات لن تتدخل في طبيعة ولا في ضيوف الأنشطة التي تمولها. وضرب مثالا بجمعيته التي حصلت خلال سنة 2007 على تمويل أمريكي قدره 36 ألفا و800 دولار، فنظمت العديد من الدورات دون تدخل من الهيئة التي منحت هذا القدر من المال. وقال الصبار لـ>التجديد<:إن ثروة العدو، (يقصد الولاياتالمتحدةالأمريكية)، حصلت عليها بعد استضعاف وقهر العديد من الشعوب، وبالتالي فمن حقنا أن نستفيد من هذه الأموال التي ليست في ملكيتها، ويعتبر الصبار أنه إذا ما حاولت أي جهة تقدم الدعم المالي أن تتدخل في برنامج المنتدى، فإنه سيرفض هذا التمويل. الرأي نفسه تذهب إليه رئيسة إحدى الجمعيات التي تتلقى بدروها تمويلا أمريكيا، إذ قالت لـ>التجديد<:إن التمويل الأمريكي الذي تلقته جمعيتنا لم يكن مشروطا، موضحة أن المغاربة لا يقبلون أبدا الانصياع لأوامر الغير. وأضافت المتحدثة نفسها، التي فضلت عدم ذكر اسمها، أن عدم اهتمام الدولة المغربية بتمويل الجمعيات هو الذي يدفع هيئات المجتمع المدني إلى اللجوء إلى التمويلات الأجنبية، وهو ما يدفع إلى فتح الباب على مصراعيه لهذا النوع من التمويلات. وفي الوقت نفسه تؤكد هذه الفاعلة الجمعوية أن التمويل الأمريكي ليس دائما بريئا، بل أحيانا تقع بعض الجمعيات ضحية تمويل ظاهره إنساني وباطنه إديولوجي، قد يهدد قيم المجتمع وأعرافه وتقاليده، لذلك ترى ضرورة نشر الوعي داخل الأوساط الجمعوية لتفادي هذا النوع من التمويلات. مقاطعة مستمرة وكرد فعل على السياسة الأمريكية، أطلقت ست تنظيمات، وهي الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني ومجموعة العمل الوطنية لمساندة العراق وفلسطين والجمعية المغربية لحقوق الإنسان واتحاد كتاب المغرب والائتلاف المغربي للثقافة والفن والنقابة الوطنية للصحافة المغربية، مبادرة لمقاطعة أنشطة السفارة الأمريكية بالرباط، والقيام بحملات لفضح السياسة الاستعمارية للولايات المتحدةالأمريكية والمتواطئين معها . ودعت الهيئات، خلال شهر نونبر من سنة ,2006 إلى مقاطعة كال الأنشطة الرسمية والخاصة التي تنظمها السفارة الأمريكية في المغرب وكذلك الهيئات والمنظمات والمصالح المرتبطة بها. ولقيت هذه المباردة تجاوبا وسط المجتمع المغربي، بسبب إصرار الولاياتالمتحدةالأمريكية على الاستمرار في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب ضد الإنسانية في مناطق متعددة من العالم، ومن بين المستجيبين لنداء المقاطعة صحافيون سبق أن أعلنوا عن مقاطعتهم لبرنامج تدريبي حول الصحافة الإلكترونية؛ ممول من قبل مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط، وترعاه سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكية بالرباط، الذي نظم ابتداء من شهر أكتوبر من سنة ,2008 ويهم التدريب حول الصحافة الإلكترونية، وتقنيات الإصدار على شبكة الإنترنيت والتدوين وتقنيات التحرير الإلكتروني. مقاطعة الصحافيين لأنشطة السفارة الأمركيية لم تستسغه فحاولت الضغط على النقابة الوطنية للصحافة المغربية، كما أكدت في تقريرها السنوي لسنة ,2007 موضحة أن السفارة الأمريكية بالرباط، قامت باتصالات مع بعض الصحف، بهدف تمويلها، كما اتصلت مصالح السفارة بالنقابة الوطنية للصحافة المغربية عدة مرات؛ لتعرض عليها مساعداتها، سواء عن طريق هذا البرنامج، أو بواسطة الوكالة الأمريكية للتنمية، وبعد أن رفضت النقابة هذه العروض، حاولت الإدارة تمريرها عن طريق وكالة كندية، غير أن هذا المسعى فشل بدوره.وقال التقرير إن السفارة الأمريكية عملت على الاتصال بفروع النقابة، لعرض برامج عليها، غير أنها رفضت أيضاً.وأشار التقرير إلى أن كل محاولات الاتصالات التي قامت بها السفارة الأمريكية مع الصحافيين قد فشلت أيضا.