سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدكتور أحمد الرشيدي أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي العام بجامعة القاهرة لـ"التجديد":البعض يوظف المواثيق الدولية لفرض الهيمنة الثقافية والحضارية على الآخرين
الدكتور أحمد الرشيدي من المتخصصين البارزين في القانون الدولي، ويشغل الآن أستاذ المنظمات الدولية بجامعة القاهرة، وتشهد له كتاباته وأبحاثه بالتخصص والتميز والدقة في القانون الدولي لحقوق الإنسان. في هذا الحوار يناقش الرشيدي قضية في غاية الأهمية وتتعلق بالتعارض بين التشريعات الوطنية مقتضيات الاتفاقيات الدولية ومن يكون له السمو من المرجعيتين، كما يناقش قضية التوقيع على الاتفاقات الدولية والتحفظات على بعض بنودها، وحدود الإلزامية القانونية لهذه الاتفاقيات المتحفظ على بعض بنودها، ويعرض في تحليله للعديد من الأمثلة المستوحاة من الاتفاقيات الدولية وبشكل خاص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز وما تثيره من إشكالات بسبب الخصوصية الدينية والثقافية للدول العربية. تطالب بعض مكونات المجتمع المدني الحقوقية والنسائية بشكل خاص بسمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية وأحيانا حتى على المقتضيات الدستورية، من وجهة نظر قانونية صرفة كيف تنظرون على هذه المسألة؟ هذه المسألة تمثل إشكالية لدى الباحثين في مجال حقوق الإنسان ولدى المهتمين بحقوق الإنسان بصفة عامة، هناك من يتشيع لمقولة إن حقوق الإنسان هي مسألة داخلية ووطنية بالأساس ومن ثمة، يجب أن تعكس الخصوصيات الثقافية والحضارية للشعوب، وهناك في المقابل من يرى أن حقوق الإنسان هي ذات طابع عالمي كوني، وبالتالي فهو يتحدث عن عالمية حقوق الإنسان وأنها فوق الخصوصيات المحلية. في تقديري هذا الخلاف أو هذا التباين في وجهة النظر يعكس تباينات في الرؤى السياسية. فمن وجهة نظري كباحث في القانون الدولي، مسألة حقوق الإنسان هي مسألة وطنية وداخلية بالمقام الأول، وكما هو معلوم في مجال القانون، هناك تدرج في القواعد القانونية، صحيح أننا الآن، ونتيجة للتطور الذي حدث على مستوى التشريع الدولي وفي التنظيم الدولي، وبالأخص فيما يتعلق بحقوق الإنسان، صار البعض يتحدث عن أنه إذا حصل تعارض بين قاعدة قانونية وطنية وقاعدة قانونية دولية، فإن الغلبة تكون للقواعد القانونية الدولية، أي أن وجهة النظر هذه ترى أنه عند التعارض تسمو المواثيق الدولية على التشريعات القانونية الوطنية، ولعل وجهة النظر هذه تقيس على القاعدة الدستورية، التي تقدم على القاعدة القانونية، لكن وجهة النظر هذه، إن سلمنا بصحتها، لا ينبغي أن تزيل من اعتبارها أن قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وهما فرعان مهمان في القانون الدولي، هذه القواعد أصبحت توصف اليوم بالقواعد القانونية الآمرة، أي التي لا يجوز لأحد أن يعترض عليها أو يردها، فقد أريد لها أن تسري على الجميع بدون استثناء، لكن وهذا هو تعليقي على وجهة النظر هذه، هو أنه لا ينبغي أن تستثمر الصفة القانونية لهذه القواعد الآمرة من جانب بعض المتحمسين لحقوق الإنسان لكي يقوموا بتنحية القانون الوطني والتشريعات الوطنية ذات الخصوصية الثقافية الحضارية، لأن القانون الوطني والتشريعات الوطنية مرتبط بوجود الدولة الوطنية، وبهيبة الدولة الوطنية وفعالية الدولة الوطنية، ولذلك، ومن لست مع أولئك الذين يرحبون بكل ما هو أجنبي حتى ولو كان ضد ما هو وطني وضد الخصوصية المرجعية والثقافية والحضارية للدولة الوطنية، لكني في المقابل أشدد على ضرورة أن من يسعى لحماية حقوق الإنسان ويتعاطف مع قضايا حقوق الإنسان على المستوى الوطني يجب أن يكون حماسه ونضاله وتعاطفه وانفعاله من منطلق وطني.أي أن على الناشطين في حقوق الإنسان أن يكون منطلقهم لحماية حقوق الإنسان هو الأرضية الوطنية واستخدام الآليات الوطنية، وعليه، وفي تقديري، لا يجوز استعداء القوى الأجنبية على الوطن، ولا يجوز توظيف بعض القواعد القانونية الدولية لتنحية بعض الخصوصيات الدينية والثقافية للأمة. هل تقصد بذلك أن الأولوية تكون للمرجعية الوطنية؟ الأصل في حقوق الإنسان أنها ذات منشأ وطني بدليل أن المجتمعات الوطنية نشأت قبل المجتمع الدولي، فالجماعة الوطنية في المغرب وفي مصر أو في فرنسا نشأت قبل أن تتداعى الدول إلى التفكير في المنتظم الدولي والمجتمع الدولي نتيجة دخولها في نمط معين من العلاقات والاتفاقات المواثيق. ثم إننا حين نتحدث عن المجتمع الدولي فإننا لا نستعمل فقط تعبيرا مجازيا، وإلا فلا وجود في الحقيقة لمجتمع دولي بمواصفات ثقافية وقيمية وحضارية واحدة، وإنما هو عبارة عن تجمع لمجتمعات ونظم وطنية ذات خصوصيات ثقافية مختلفة، ومعلوم أن كل نظام ينتمي لهذا المجتمع الدولي له خصوصياته، وله قواعده العامة الخاصة به، وله مرجعيته التشريعية والقانونية، ولذلك لا يستطيع مجتمع من هذه المجتمعات أن يفرض على بقية المجتمعات الأخرى أن تصير خصوصيته أو قواعده الخاصة به قواعد عامة ملزمة، ففي الغرب على سبيل المثال يتحدثون عن حقوق المثليين، ويعتبرون هذا من حقوق الإنسان، لكن هذا لا يمكن أن يقبل في مجتمعات أخرى كالمجتمعات الإسلامية، فبأي منطق تدعى المجتمعات العربية الإسلامية أن تلتزم بقواعد توجد في المجتمعات الأخرى لتطبقها في مجتمعاتها التي تدين بقواعد قانونية أخرى وخصوصيات مرجعية وثقافية متباينة تماما عن تلك الموجودة في المجتمعات الغربية مثلا، اللهم إن كان الأمر يتعلق بمحاولة فرض نمط حياة معين وأسلوب حياة معين، ففي هذه الحالة لا يصير الأمر متعلقا بحقوق الإنسان، وإنما يمكن تفسيره بأنه محاولة لفرض الهيمنة الثقافية والحضارية على الشعوب الأخرى. لكنهم دعاة حقوق الإنسان لا يتحدثون عن الهيمنة الثقافية وإنما يتحدثون عن قواسم مشتركة بين المجتمعات، وأن القواعد القانونية الدولية جاءت لتعكس هذا المشترك الكوني؟ صحيح أن ثمة قواسم مشتركة، فالحق في الحياة على سيبل المثال هو حق مشترك يتقاسمه الجميع، فمثل هذه الحقوق لا خلاف في كونها مشتركة، لكن ما عدا هذه الحقوق الواضحة نسبتها إلى ما هو مشترك، لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار خصوصية المجتمعات الدينية والثقافية، هذه مسألة في غاية الأهمية، ولا ننسى أنه من صميم حقوق الإنسان الاعتراف بحقوق الآخرين في الاختلاف والتنوع وأن تكون لهم ظروفهم الخاصة التي قد يكون منبعها الإطار الديني والثقافي والحضاري الذي أعطى ربما لهذا التجمع أو ذاك مبرر وجوده، أو قد يكون منبعها طبيعة مرحلة النمو التي يمر منها هذا المجتمع أو ذاك، فطبيعة الاحتياجات لدى المجتمع الإسباني أو الفرنسي أو الألماني تختلف تمام عن طبيعة الاحتياجات التي يتطلبها المجتمع في موزنبيق أوتشاد أو مثل هذا القبيل، ولذلك قيل، وهذا قول يجب الاعتداد به، أنه من المناسب وأنت تتحدث عن حقوق الإنسان أن تعترف بأنه هناك أولويات، أي يمكن أن تجزئ حقوق الإنسان ، فيمكن في المغرب مثلا أن أعطي لبعض الحقوق اهتماما أكبر، ويمكن للمجتمع في مصر أن يعطي لحقوق أخرى أولوية أكبر، وذلك تبعا لمتطلبات المجتمع ومستوى مرحلة النمو التي يمر منها، هذا على مستوى الحقوق التي يكون منشأها الاحتياجات التي يتطلبها المجتمع، أما على مستوى ما يتعلق بالإطار المرجعي الديني أو الثقافي أو الحضاري، فالمعيار هو التنوع والاختلاف الذي يعتبر كما أسلفنا من حقوق الإنسان، إذ لا يجوز الاعتداء عليها بدعوى تعميم ما ليس بمشترك بحجة أنه مشترك، فالأنسب أن نسمي ذلك هيمنة ثقافية وحضارية. أحيانا تأتي بعض الاتفاقيات الدولية ويكون للدول العربية والإسلامية وغيرها تحفظات على بعض بنودها كما هو الشأن في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة هل يكون لهذه الاتفاقيات على ما عليها من تحفظات صبغة كونية، أي هل يسوغ حقوقيا مطالبة الدولة الوطنية بالالتزام بهذه الاتفاقيات إذا وقعت بتحفظ؟ دارس القانون الدولي يعلم أن التحفظ هو أمر وارد، فالدولة قد تقبل التصديق أو التوقيع أو الانضمام إلى اتفاق دولي معين أو معاهدة دولية معينة لكن مع إيراد بعض التحفظات. فقضية التحفظات أساسية عندما نتحدث عن الاتفاقيات والمواثيق الدولية. فموضوع التحفظات موضوع مسلم به من حيث المبدأ في القانون الدولي العام. ومعنى ذلك أن الدولة تقبل الالتزام بهذه الاتفاقية الدولية لكنها قد تتحفظ على بند معين يخالف قواعدها الدستورية أو المرجعية أو تشريعاتها الوطنية، فالتحفظ على بند من بنود الاتفاقية مقبول شريطة ألا يمس ذلك بجوهر الاتفاقية ومقاصدها. فنحن في البلاد العربية والإسلامية نلتزم بمقتضى المرجعية الإسلامية، التي تستمد أصولها من الدستور السماوي، وهذا الدستور السماوي يحظر على سبيل المثال التبني، ولذلك فالدول العربية والإسلامية حين تنضم إلى اتفاقية دولية مثل حقوق الطفل لا تستطيع أن تقبل أي بند يبيح التبني، ولذلك فهي تقبل الاتفاقية لكنها تتحفظ على هذا البند لمعارضته لمقتضيات الشريعة الإسلامية. وهذا أمر معمول به ولا غبار عليه، ومثله أيضا التحفظ على فكرة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة فيما يخص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فنحن في البلاد العربية والإسلامية لدينا دستور قرآني يحقق المساواة في نظام الإرث في سياق تكاملي متوازن، فهذا الدستور القرآني ينظر إلى فكرة المساواة من منظور كلي، فقد يبدو للناظر أن الإسلام يعطى للرجل أكثر من المرأة في بعض الأحكام، ويعطي للمرأة أكثر من الرجل في بعض الأحكام، لكن إذا أردت أن تستقرئ الأمر في مجموعة فستنتهي إلى أن الأمر يتعلق بمساواة حقيقية بين المرأة والرجل، فالعبرة ليست في المساواة في بعض الأحكام، وإنما العبرة في حصيلة هذه المساواة بالنظر إلى كل الأحكام، وهذه هي المساواة التي يدعو إليها الإسلام، وهي التي تحترم الاختلاف والتنوع بين الرجل والمرأة. وبالمناسبة، فالتحفظ لا يتعلق فقط بالدول العربية والإسلامية بل إن الدول الغربية نفسها تعمل مبدأ التحفظ على الاتفاقيات الدولية إما بسبب خصوصياتها الدستورية أو التشريعية الوطنية. لكني دعني أقول هنا كلمة أقدر أنها ذات أهمية، فقد جرت العادة أن بعض الدول العربية تستسهل التحفظ بشكل عام، فمثلا لدينا في حالة مصر، كانت الدولة تتحفظ على جنسية المرأة المتزوجة إذ لم تكن مصر تعطي جنسيتها لأبناء المرأة المصرية المتزوجة من أجنبي، وهو الأمر الذي كان عندكم في الحالة المغربية ، في مصر وإلى عهد قريب، كانت المرأة المصرية المتزوجة من أجنبي ليس لها الحق في أن تطالب أن تكسب أبناءها الجنسية المصرية، لكن هذا الأمر اتضح فيما بعد أنه لا علاقة له بالشريعة الإسلامية ولا بالدستور القرآني وبالتالي تم العدول عنه كما آل الأمر في الحالة المغربية، ولذلك على الدول العربية الإسلامية أن تتحرى الدقة عندما تورد تحفظاتها على اتفاقية دولية ما بحيث لا يكون تحفظها إلا إذا كان ثمة تعارض حقيقي بين ما تتضمنه بعض مواد الاتفاقية وبين الشريعة الإسلامية. حين تتحفظ دولة على بند أو فقرة أو مادة في اتفاقية دولية هل يكون في توقيعه الدولة لهذه الاتفاقية مدخل قانوني لإلزامها بكل مواد الاتفاقية بما فيه ما تحفظت عليه؟ أن تعلم أن حركات حقوق الإنسان على المستوى العالمي تضغط بالحق وغير الحق على الدول وبخاصة الدول العربية والإسلامية، وتستثمر قضية مصادقة هذه الدول على هذه الاتفاقية من أجل إلزامها بكل بنودها وموادها، لكن المتحدثون باسم الدول العربية في المحافل الدولية لا بد أن يؤكدوا حقيقة موقف بلدهم من هذه الاتفاقيات ولا بد أن يفسروا البنود التي تحفظوا عليها منها، فالدبلوماسية ينبغي أن تشتغل بالشكل المعاكس لضغط هذه الحركات الحقوقية فيما يخص النقاط التي تم التحفظ عليها، بحيث عليها أن تبين موقف الدولة العربية التي تقبل الانضمام أو التوقيع أو التصديق على هذه الاتفاقية لكنها في نفس الوقت تبدي تمسكها بتحفظاتها على هذا البند أو ذلك. فهذا التحفظ يمنع أي طرف أن يلزم الدولة بمتقضى المادة أو الفقرة التي تحفظت عليه بحيث لا يمكن أن يأتي أي طرف فيحاسبها على ذلك، لأن قيمة التحفظ من الناحية القانونية أنه لا يترتب أثرا في مواجهته، والدولة تعتبر ملتزمة بهذه الاتفاقية فيما عدا هذا البند الذي تحفظت عليه، لأنها إنما انضمت بتحفظ، فلا مجال لمحاسبتها على شيء تحفظت عليه وأعلنت أنها ترى نفسها غير ملزمة به لتعارضه مع أحكام الشريعة الإسلامية أو مع بعض قواعدها الدستورية أو القانونية الوطنية. فالباحث في القانون الدولي عندما يدرس الاتفاقيات أو المعاهدات الدولية، لدينا اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات سنة 9691 تجعل من التحفظات أمرا مشروعا بشروط معينة، فأنا من حقي أن أتحفظ ، وكما هو معلوم فقد كان الهدف من قبول مبدأ التحفظ هو تشجيع الدول على الانضمام بدلا من أن تكون خارج الاتفاقية، فاتفاقية فيينا شجعت الدول أن تنضم للاتفاقيات بأن أعطت للدول حق التحفظ على بعض فقراتها أو بنودها، فكانت فلسفة اتفاقية فيينا أن تكون الدولة منضمة للاتفاقية مع إعلانها لبعض التحفظات خير من أن تكون خارج الاتفاقيات الدولية. التمسك بالخصوصية والحضارية إثراء للمجتمع الدولي وهل هذا ما يفسر كون ديباجة بعض المواثيق الدولية تركز على قضية الخصوصيات الثقافية للدول؟ نعم، بطيعة الحال، فأنت عندما تتحدث عن حقوق الإنسان فأنت تتحدث عن مجموع الإنسان الموجود على الأرض، فهؤلاء الناس مختلفون في ظروفهم ونشأتهم وخصوصياتهم الثقافية والحضارية والبيئية، فهذا الاختلاف وهذا التنوع سنة من سنن الله في خلقه، فبأي منطق تريد أن تسوي بين الوضع في الولاياتالمتحدةالأمريكية وبين المغرب أو مصر. أنا أقول إن هناك بدون شك قواسم مشتركة، وأن هذه القواسم تتسع دائرتها مع تقدم التطور التكنولوجي والمعلوماتي، لكن تظل الخصوصيات الثقافية والحضارية أمرا ثابتا وضروريا، وبالمناسبة فالتمسك بهذه الخصوصيات ليس عيبا ولا منقصة بل إن فيه إثراء للمجتمع الدولي وللفقه القانوني أيضا، والقاعدة المستقرة قانونيا أن الجماعة كلما كانت محدودة كلما استطاعت أن تتفق على أوسع قواعد قانونية ناظمة، أنظر على سبيل المثال إلى الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان سنة ،1950 فهذه الاتفاقية، لأن فيها عددا محدودا من الدول، ففيها من حقوق الإنسان والحريات الأساسية وضماناتها أكثر مما موجود في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأكثر مما هو موجود في العهدين الدوليين، فنحن في البلاد العربية أو البلاد الإسلامية نستطيع أن نتفق على قواعد كثيرة في هذا المجال، لكن عندما ينضم إلينا طرف يختلف ثقافيا وحضاريا عن المشترك الثقافي الموجود في البلاد العربية أو الإسلامية يصير الاتفاق على هذه القواعد أقل. تحدثت عن القواعد القانونية الآمرة ماذا تقصدون بهذه القواعد؟ القواعد القانونية الآمرة هي التي لا يجوز مخالفتها بحيث تكون ملزمة للجميع. لكنك تعلم كأستاذ في القانون الدولي أن القوانين الدولية تكون حصلية صراع وتدافع بين الدول، ألا يمكن أن تستثمر هذه القواعد القانونية الآمرة لفرض الهيمنة الثقافية على الشعوب وتغيير اختياراتها المرجعية؟ حينما نتحدث عن القواعد القانونية الآمرة؟، فإننا نتحدث عن مجموعة من القواعد التي تمثل الأعمدة، أنت تستطيع أن تغير في هذا البناء الذي أمامنا كما تشاء، لكنك لا تستطيع أن تمس هذه الأعمدة التي يقوم عليها هذا البناء، فالقواعد الآمرة هي مجموعة من القواعد الهدف منها هو المحافظة على هيكل المجتمع الدولي، فعندما تتحدث عن مبدأ المساواة وعدم التمييز فهذه قاعدة قانوينة آمرة، وعندما تتحدث عن الحق في المقاومة المسلحة ضد المحتل، فهذه قاعدة يجب أن تحترم ولا يجوز الاختلاف بشأنها. لكن هذا يطرح مشكلة تأويل وتفسير هذه القواعد، نأخذ على سبيل المثال مسألة عدم التمييز، وقضية العداء للسامية، ونبذ الكراهية والحقد؟ الكراهية مسألة نفسية، ولذلك أنت لا تستطيع أن تطالبني باسم نبذ الكراهية أن أحب عدوي إسرائيل الذي احتل الأرض العربية، ولا يستطيع أحد أن يلزمني أن أحب من يقتل أبنائي، فبالتأكيد هذه الحقوق تخضع لتأويلات مختلفة، لكننا في القانون الدولي فالمفترض أنها ترد بحسن نية، ولا يجب حملها على ما ليست عليه ولا لي أعناق بعض النصوص القانونية الدولية واستثمارها سياسيا بغير المنطق السليم الذي بنيت على أساسه.