باب سبتة : توقيف مواطن سويدي موضوع أمر دولي    الملك محمد السادس يهنئ العماد جوزيف عون بمناسبة انتخابه رئيسا للجمهورية اللبنانية    تقديم عرض بالبرلمان حول أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم 2023-2024    جلالة الملك يعزي في وفاة الفنان محمد بن عبد السلام    رابطة حقوق الإنسان القبائلية تقاضي النظام الجزائري بسبب احتجاز بوعلام صنصال    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    إيداع 10 علامات تجارية جديدة لحماية التراث المغربي التقليدي وتعزيز الجودة في الصناعة الحرفية    أسعار النفط تتجاوز 80 دولارا إثر تكهنات بفرض عقوبات أميركية على روسيا    الضريبة السنوية على المركبات.. مديرية الضرائب تؤكد مجانية الآداء عبر الإنترنت    اللجان الإدارية المكلفة بمراجعة اللوائح الانتخابية العامة تعقد اجتماعاتها برسم سنة 2025    توقف مؤقت لخدمة طرامواي الرباط – سلا    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    "الأحرار" يشيد بالدبلوماسية الملكية ويؤكد انخراطه في التواصل حول مدونة الأسرة    تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، محطة نضالية بارزة في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية وتحقيق السيادة الوطنية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    ميناء الحسيمة يسجل أزيد من 46 ألف من المسافرين خلال سنة 2024    القِرْد سيِّدُ المَشْهد !    فيلود: "المواجهة ضد الرجاء في غاية الأهمية.. وسنلعب بأسلوبنا من أجل الفوز"    جماعة طنجة تعلن نسبة تقدم أشغال تأهيل معلمة حلبة ساحة الثيران    "جبهة" تدعو إلى مسيرة احتجاجية بالرباط ضد مشروع قانون الإضراب    حملات فرنسية ضد "مؤثرين" جزائريين    في اكتشاف تاريخي : العثور على حطام سفينتين أثريتين قبالة سواحل بالجديدة    حصيلة الشهداء في قطاع غزة قد تتجاوز 70 ألفًا حسب دراسة طبية    وفاة صانعة محتوى أثناء ولادة قيصرية    حوار بوتين وترامب.. الكرملين يعلن استعدادا روسيا بدون شروط مسبقة    بوحمرون: 16 إصابة في سجن طنجة 2 وتدابير وقائية لاحتواء الوضع    "بوحمرون.. بالتلقيح نقدروا نحاربوه".. حملة تحسيسية للحد من انتشار الحصبة    بوحمرون يواصل الزحف في سجون المملكة والحصيلة ترتفع    مندوبية السجون تسجل 47 إصابة ب"بوحمرون" في 9 مؤسسات سجنية    "جائزة الإعلام العربي" تختار المدير العام لهيسبريس لعضوية مجلس إدارتها    ملفات ساخنة لعام 2025    ارتفاع حصيلة قتلى حرائق لوس أنجلس    عصبة الأبطال الافريقية (المجموعة 2 / الجولة 5).. الجيش الملكي من أجل حسم التأهل والرجاء الرياضي للحفاظ على حظوظه    100 فاعل سياحي من إسبانيا والبرتغال يكتشفون جهة الداخلة وادي الذهب    صابرينا أزولاي المديرة السابقة في "قناة فوكس إنترناشيونال" و"كانال+" تؤسس وكالة للتواصل في الصويرة    ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بمرض الحصبة… طبيبة عامة توضح ل"رسالة 24″    الحكومة البريطانية تتدخل لفرض سقف لأسعار بيع تذاكر الحفلات    السعودية تستعد لموسم حج 2025 في ظل تحديات الحر الشديد    ارتفاع حصيلة الحرائق في لوس أنجليس    رقم معاملات التجارة الإلكترونية يبلغ 22 مليار درهم بزيادة سنوية تقدر ب 30 في المائة    النظام الجزائري يثير التوترات مع تركيا باستقباله انفصاليين أكراد في تندوف    اتحاد طنجة يعلن فسخ عقد الحارس بدر الدين بنعاشور بالتراضي    السلطات تمنع جماهير حسنية أكادير من التنقل إلى الزمامرة لمساندته أمام نهضة الزمامرة    بطولة إنجلترا لكرة القدم.. إيفرتون يفك الارتباط بمدربه شون دايش    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مقتل 7 عناصر من تنظيم "داعش" بضربة جوية شمال العراق    عمدة فاس يكشف عن خطط لإطلاق شبكة حافلات حديثة ذات مستوى عالٍ من الخدمات    فضيحة تُلطخ إرث مانديلا... حفيده "الرمز" في الجزائر متهم بالسرقة والجريمة    الكأس الممتازة الاسبانية: ريال مدريد يفوز على مايوركا ويضرب موعدا مع برشلونة في النهائي    النظام الجزائري يخرق المادة 49 من الدستور ويمنع المؤثر الجزائري بوعلام من دخول البلاد ويعيده الى فرنسا    الآلاف يشاركون في الدورة ال35 للماراطون الدولي لمراكش    الموسيقار محمد بن عبد السلام في ذمة الله    وفاة الفنان محمد بن عبد السلام    أخذنا على حين ′′غزة′′!    533 عاماً على سقوط غرناطة آخر معاقل الإسلام فى الأندلس    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد يسف: الإمساك عن الفتوى ولو كانت صحيحة قد يكون من مقاصد الشرع
نشر في التجديد يوم 01 - 12 - 2008


اشترط الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى الالتزام باختيارات الأمة في العقيدة والمذهب والسلوك وبنظام الحكم القائم على البيعة الشرعية، من أجل فتح حوار مع مايسمى السلفية الجهادية والمعتقلين على ذمة ما يسمى قضايا الإرهاب، وقال في حوار مع التجديد أن المذكرة الصادرة عن الكتابة العامة للمجلس العلمي الأعلى بخصوص موضوع المساواة في الإرث غايتها الدعوة إلى تبصير الناس بقضايا المواريث الذي يبدو أن كثيرا من الناس يجهلونه، وأضاف بأنه تم البث فيها فإنه من العبث أن نتحدث عن الحيف والظلم لأن ما شرعه الله لعباده لا يمكن إلا أن يكون عدلا. وأعلن أن المجلس العلمي الأعلى يجتهد في أن يكون لكل مجلس علمي هيئة للإفتاء وموقعه الإلكتروني. وذلك لتلبية حاجة المغاربة من الفتوى وفق مذهبنا واختياراتنا بدل اللجوء إلى القنوات الفضائية والمواقع الأجنبية. عممتم مذكرة على المجالس العلمية المحلية تدعونها فيها إلى التعبئة الجادة لمواجهة بعض المطالب النسائية للمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة. في أي سياق جاءت هذه المذكرة؟ المذكرة الصادرة عن الكتابة العامة للمجلس العلمي الأعلى غايتها الدعوة إلى تبصير الناس بقضايا المواريث الذي يبدو أن كثيرا من الناس يجهلونه، ونحن لا نلوم الجهات التي تدعو إلى الاجتهاد فيما لا يصح الاجتهاد فيه شرعا؛ إذا كانت لا تعرف مجالات الاجتهاد، وقضية الميراث حسمها كتاب الله وسنة رسوله ودقق أهل العلم في كل ما تحتاجه من تفاصيل. ولذلك فالزيادة فيه أو النقصان منه أمر غير وارد ومقبول لدى الإنسان المسلم، وبناء على ذلك فالاجتهاد في تسوية المرأة والرجل في الإرث والدخول في مناقشة ما هو مقرر شرعا ومحسوم غير ممكن. إحدى الجمعيات تحدثت عن حالات ترد عليها لنساء يتعرضن للحيف بسبب أن الأب عندما يتوفى يخلف بنات يتشارك معهن الأعمام الذين كانوا على قطيعة مع الأسرة في الميراث. ألا يمكن الاجتهاد في مثل هذه الحالة التي تتعلق بالتعصيب؟ هذه الحالات قتلها العلماء والعالمات بحثا وحددوا هذه المسائل، وعندما نكون إزاء نازلة أو عدة نوازل تم البث فيها فإنه من العبث أن نتحدث عن الحيف والظلم، لأن ما شرعه الله لعباده لا يمكن إلا أن يكون عدلا. وما يروج في موضوع الإرث من أن الذكور يرثون أكثر من الإناث ليس صحيحا دائما، ولكن في حالات معينة، ولكن الرؤية الشاملة للورثة وأنصبائهم تضعنا أمام حالات يكون نصيب المرأة فيها أكثر من نصيب الرجل.وبعد هذا فإن المرأة دائما ترث بالفرض، والرجل يرث بالتعصيب في الغالب الأعم، وفي الميراث بالفرض ضمانة لحقوق ذوي الفروض، فلا يسقط نصيبهم أبدا بخلاف الوارث بالتعصيب، فإنه قد يسقط حقه إذا استولى أصحاب الفضل على المال كله. ومهما يكن من أمر فإن فقه المواريث له أهمية كبرى ولا يسع أحدا جهله، وقد وردت إشارات وأقوال لأهل العلم بضرورة تعليمه وتعلمه، لأنه من العلوم التي يقل العالمون بها، ويسرع إليها النسيان، وفي هذا السياق جاءت مذكرة المجلس العلمي الأعلى إلى المجالس العلمية المحلية تلح على إيلاء عناية كبرى لموضوع فقه المواريث، وتفقيه الناس في هذه القضايا التي تعترضهم ولا يعرفون كيف يعالجونها. ننتقل إلى البيان الذي أصدره المجلس في شهر أكتوبر بخصوص فتوى المغراوي، لن أناقش الفتوى وما حدث بعدها، ولكني أسجل ملاحظة وهي أن البيانات التي تصدر عن المجلس العلمي تستعمل لغة يمكن وصفها بأنها جارحة دون أن تناقش الأفكار. لماذا هذه اللهجة القاسية في بيانات المجلس وغياب المناقشة العلمية للأفكار؟ فيما يخص قضية زواج البنت ذات التسع سنوات وجواب المجلس على فتوى بعضهم حولها، فيتعين التنبيه إلى أن هذه المسألة لا تستحق هذه الضجة الكبيرة التي تولى الإعلام تضخيمها، وإذا لوحظ أن أجوبة المجلس على بعض ما يصدر من هنا وهناك من قضايا، تدخل في اختصاصه، إذا كنتم تلاحظون أن هذه البيانات تتسم بشيء من الغضب فإن مرد ذلك إلى أن المجلس يربأ بأهل العلم أن يثيروا مثل هذه القضايا الصغيرة ويشغلون الناس بها، ويود أن يرتقي وعي من يجيب على أسئلة الناس إلى مساعدتهم على الارتقاء إلى المستوى الذي يريده الإسلام للمسلمين، وكثير من أسئلة السائلين تحتاج إلى ترشيد وإصلاح، وقد كان الرسول الأكرم يصلح أسئلة بعض من يسأله عن قضايا يراها لا تهم، ويحول الانتباه إلى المقاصد الكبرى كالذي سأله عن الساعة متى فقال له: ماذا أعددت لها؟ ولم يجبه عن السؤال في شكله الذي لا يفسد في شيء، وكان على من يطرح قضية تزويج اللبنات في مثل هذه السن أن يوجه السائل إلى ما يجب أن تقوم به طفلة في سن التاسعة في عصرنا هذا، أين ينبغي أن تكون، وهل تستطيع طفلة في هذه السن أن تنهض بأعباء الأسرة والإنجاب وهي غير مؤهلة لذلك، لا جسدا ولا فكرا، لكن يبدو أن الذين يطرحون مثل هذه القضايا الصغيرة لا يستحضرون عظمة هذا الدين، فهو دين عظيم ومتحضر، ويريد أن يرقى بالإنسان إلى مستوى الأمانة والخلافة التي فوضها الله تعالى للبشر. ثم لا داعي لإقحام سيدة من سيدات بيت النبوة في الموضوع، على أن العلماء ناقشوا سن زواج أم المؤمنين عائشة وأثبتوا أن سنها يوم دخول النبي صلى الله عليه وسلم بها كان في حدود الخامسة عشرة سنة ولم يكن أكثر. ثم على فرض أن ما فرضه أصحاب هذا الرأي فإن للنبي خصوصيات لا يمكن القياس عليها. فالعلماء لديهم إجابات بخصوص جميع القضايا التي كان المجلس قد أصدر فيها بيانات أو غيرها، وبالرغم من أنها ليست منشورة إلا أنها موجودة في ملفات ووثائق المجلس. لكن هذه الإجابات لا تعرض على الرأي العام الذي ينشغل بها لوقت كبير، لكنه لا يتوصل برأي المجلس فيها؟ التسرع في إصدار الفتوى خطأ كبير والمجلس لا يرغب في أن يكون منافسا للمنتصبين للفتوى في كل مكان، ولاسيما ما يجري في قنوات فضائية هنا وهناك، لما في ذلك من فوضى وما يحدثه ذلك للناس من ارتباك في تدينهم. وقد عرف علماء المغرب بالتثبت في أمر الفتوى بل والفرار من تحمل إثمها، لذلك فإن المجلس لا يحب أن يقحم المؤسسة العلمية في إصدار فتوى مستعجلة قد يرجع عنها غدا، ففتاوى العلماء هنا تصدرها جماعة العلماء ولا ينفرد بها شخص واحد مهما كان رسوخه ودرجته العلمية.وليس كل ما يسأل عنه يستحق الجواب وحتى عندما يكون وجيها فإنه لابد من معرفة ما ينشأ عن الفتوى ولو كانت صحيحة. فإن كانت تؤدي إلى نتائج ضارة فإن الإمساك عنها قد يكون أحيانا من مقاصد الشرع، كي لا يقع الناس في المشقة والحرج.ولا التفات للضغوط التي قد تمارس على المؤسسة العلمية بشكل أو بآخر لإصدار رأي قد لا يكون في مصلحة الأمة والوطن حتى يأتي إبانه، وكثيرا ما أوقف الشرع تنفيذ أو إصلاح بعض الأمور وتصحيح بعض الأوضاع لأن الوقت غير مناسب لذلك. وقضية الفوائد البنكية الجاري بها العمل في المؤسسات المالية لم تكن في العصور الماضية وهي تختلف عن أنواع الربا المعروف ولذلك يحتاج الأمر فيها إلى اجماع علماء المسلمين بعد النظر فيها من كل الزوايا ولا يمكن البت فيها بشكل عشوائي وانفرادي.. نقلت بعض الصحف عن المعتقلين فيما يسمى السلفية الجهادية رغبتهم في أن يتحاوروا مع علماء المجلس العلمي الأعلى؟ كيف تردون على هذه الدعوة؟ وهل أنتم مستعدون لهذا الحوار؟ الحوار هو القاعدة الأساسية في كل أمر يراد الوصول فيه إلى قرار. إذ هو وحده المفضي إلى الإقناع والاقتناع. وقد كان أهل العلم هم الدعاة الأولين إلى الحوار وتبادل الرأي في كل القضايا الخلافية، ومن ثمة فإن العلماء لا مانع يمنعهم من إجراء الحوار مع كل من يريد معرفة الحقيقة والاقتناع بها. نعم للحوار قواعد وأصول، فلا بد أن يكون من تحاوره ويحاورك صادقا فيما يريده حريصا على معرفة الحق والالتزام به، وفي موضوع المعتقلين لا بد أن نذكر بأنهم أبناء هذا الوطن، وواجب عليهم أن يسهموا في بنائه والارتقاء به والغيرة على أمنه ووحدته، وتقدمه وازدهاره، والعلماء لا يرفضون الحوار ولكن بشروطهم، لأن المحاور الذي تحاوره لابد أن تلتقي معه على أسس صحيحة. فما هو المشترك بيننا حتى نتحاور؟ والعلماء يريدون لهم أن يكونوا خداما لدينهم في نطاق اختيارات الأمة وثوابتها التي ضمنت أمنها ووحدة صفها واستمرار دولتها، فإنهم إن كانوا فعلا ممن ينتمون إلى هذا الوطن وهذه الأمة ويلتزمون باختياراتها في العقيدة والمذهب والسلوك، وبنظام الحكم القائم على البيعة الشرعية، ويبقى فقط أن لهم رأيا في بعض الجزئيات، فلماذا لا يتحاور معهم العلماء على أساس هذه الركائز. وما على هؤلاء إلا أن ينضموا إلى إخوانهم العلماء ليسهموا بنصيبهم في إصلاح أمتهم وتنويرها وتفقيه الناس بشؤون دينهم، وأقول بأن المؤسسة العلمية محتاجة إلى هؤلاء، وتطلب منهم أن يراجعوا أنفسهم، وإذا كانوا من أهل العلم فلا بد أن يكونوا قد عرفوا بأن دينهم لا يرضى لهم أن يخرجوا عن الجماعة، وأن الله سبحانه وتعالى يقول واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويقول ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات، أولئك لهم عذاب عظيم. وهناك شيء آخر لا أحب أن تفوتني الإشارة إليه في هذه المناسبة وهو قضية السلفية، فمن الذي نصب هؤلاء أئمة وشيوخا للسلفية، ومن أقامهم متكلمين باسمها، أظن أننا نسيء إلى معنى السلفية إذا اختزلناها في طائفة من الأشكال والصور، ونسيء كذلك إلى السلف الصالح الذين كان همهم الوحيد هو الحفاظ على وحدة الصف والذب عن القيم وإصلاح أحوال الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، والوقوف في وجه الدجل والشعوذة وليس تشتيت الصف والتحريض على مخالفة الجماعة والخروج عن إجماعها. السلف كانت طريقتهم التبشير وليس التنفير، والتيسير وليس التعسير، ولذلك أرى أن هذه السلفية التي نطلقها اليوم ونوزعها على كل أحد نرتكب في حقها ظلما كبيرا ونسيئ إليها ونضعها في غير موضعها. ننتقل إلى موضوع الإصلاح الديني، ألقى جلالة الملك خطابا في السابع والعشرين من رمضان، وأعطى الانطلاقة للمجلس العلمي للجالية المغربية المقيمة في الخارج، لكن نلاحظ أنه كثر مؤخرا انتقاد المغرب من قبل سياسيين وإعلاميين أوربيين لتدخل المغرب في سياسة الدول الأوربية وشؤونها الداخلية، وذلك بتنظيمه أنشطة موجهة للأئمة أو الجالية، ألا ترون أنه في ظل هذه الظروف سيواجه المجلس العلمي للجالية صعوبات في تأسيسه وعمله وفق التصور الذي وضع له مسبقا؟ أشير في البداية إلى أن الخطاب الذي ألقاه أمير المؤمنين الملك محمد السادس بمناسبة انعقاد الدورة السابعة للمجلس العلمي الأعلى في ليلة السابع والعشرون من رمضان كان خطابا تاريخيا ومتفردا في بابه. من جهة أنه أول خطاب يلقيه أمير المؤمنين بالمسجد ويوجه فيه العلماء إلى اتخاذ أسلوب جديد في ممارسة مهامهم التنويرية، وهو من جهة ثانية يعلن فيه عن فكرة رائدة هي ميثاق العلماء الذي سينطلق من الجماعات المحلية، وهو يعني تجديد دور العالم في مجتمعه، وهو دور يتجاوز مجرد الخطاب إلى العمل الميداني. وسيعيد الاعتبار إلى إمام المسجد ودوره التاريخي والديني والحضاري والاجتماعي في الجماعة.إن ميثاق العلماء يعني باختصار شديد عودة العالم إلى مجتمعه وعودة المجتمع إلى علمائه، أنه خطاب يؤسس لمرحلة جديدة من مراحل العمل ستشمل كل أهل المغرب وتتيح الفرصة لانتشار العلماء في كل أرجائه سهولا وجبالا مدنا وقرى. أما بخصوص المجلس العلمي في البلدان الأوربية فهو مؤسسة علمية ستعنى بشؤون الجالية المغربية في بلدان الهجرة، وهو تابع للمجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه أمير المؤمنين، وبه ستبلغ المجالس العلمي المحلية سبعين مجلسا بعد أن كان عددها ثلاثين مجلسا، وسيجري عليه ما يجري على المجالس العلمية المحلية بأرض الوطن، إلا ما تقتضيه الخصوصية المحلية . وكان لابد للمغرب الذي يرعى شؤون أبنائه المادية أن يرعى تدينهم ويحافظ على هويتهم الدينية، وإذا كانت بعض الدول لم تعرف بعد مدى حرص المغرب على هوية أبنائه الدينية فان الدولة ستقوم بشرح الهدف من إحداث مؤسسة ترعى تدين مواطنيها وسيزول الهاجس الأمني الذي يسكن هذه الجهات عندما يعرفون أن هذه العملية هي بكل تأكيد ستعزز أمن الدول التي توجد بها الجاليات المغربية عندما يقوم أهل العلم بدورهم في تحصينها وربطها باختياراتها الدينية، وهي اختيارات قائمة على الأمن والسلام ومناهضة التطرف والتشدد والإرهاب، ومن واجب الإعلام أن يسهم في تأكيد هذه القيم والتبشير بها وطمأنة الذين ما زالوا غير مدركين لأهميتها الأمنية. إذن نحن في حوار مع الدول الأوربية من أجل اقناعهم بأن المجلس هو في مصلحة أمنها، والمغرب على أي حال لا يمكنه أن يتخلى عن أبنائه. أين وصل الآن العمل بخصوص المجلس العلمي للجالية؟ الظهير المنظم للمجلس صدر وتم تعيين أعضاء المجلس الذي سيكون مقره في بلجيكا، كما ستكون له تمثيليات في باقي بلدان أوربا. ميثاق العلماء والرفع من عدد المجالس العلمية كانتا من أهم العناصر التي جاء بها الخطاب الملكي المتعلق بإصلاح الشأن الديني، هل من السهل تدبير هذا العدد من العلماء المؤهلين لشغل هذه المواقع؟ المجالس العلمية سيرتفع عددها إلى سبعين مجلسا وربما أكثر، فكلما أحدثت عمالة أو إقليم إلا وينبغي إحداث مجلس علمي. إذن هناك قضايا لابد من التغلب عليها على مستوى المقرات والتجهيزات وآليات العمل. والمغرب يمكنه أن يوفر هذه الضروريات الأساسية لعمل المجالس. ولأن رسالة العلماء والمؤسسة العلمية خطيرة جدا، فلابد أن تهيئ لها الإمكانات لكي تؤدي دورها بالشكل الصحيح. والعلماء ليسوا فقط هم الموجودون في المجالس العلمية، فهؤلاء نسميهم مكاتب العلماء، وإلا فالمجالس العلمية مفتوحة في وجه جميع العلماء. والمجال مفتوح للجميع، ونحن لم نبدأ بعد توثيق صلتنا بالجمعيات والفاعلين في الميدان وفي المجتمع المدني الذين لابد لهم أن ينخرطوا في هذا العمل الإصلاحي، ولابد أن تكون هناك صلات وتعاون وثيق بين كل الصالحين والمصلحين الذين يملكون حظا من الانتماء لهذا الوطن، ولابد أن يلتقوا في مسيرتهم ونشاطهم ومسيرتهم وأهدافهم مع المؤسسة العلمية. هذا يعني أنه لا توجد صعوبات تتعلق بتوفير الموارد البشرية العلمية؟ الاختيار دائما صعب وإيجاد الإنسان الصالح يصعب، ولكن لكل بلد علماؤه، لكن الحمد لله تغلبنا على هذه الصعوبات الآن فيما يتعلق بتأطير المجالس العلمية الجديدة، وإن كان عدد من العلماء يفضلون الظل؛ إلا أننا نسعى إليهم ونقول لهم بأن المؤسسة العلمية هي مؤسسة للأمة، وكثيرا ما ننجح في إقناع من كان له رأي آخر، بالاقتراب وبالعمل والانخراط في العمل العلمي، لأن هدفنا هو خدمة هذا الوطن وخدمة دين هذه الأمة وثقافتها. الفتوى علـى الانترنـت يلجأ عدد من المغاربة إلى مواقع الإفتاء الإلكترونية والفضائيات الأجنبية من أجل البحث عن أجوبة لأسئلتهم الدينية. هل يمكن الحديث عن فشل المؤسسة الرسمية في استقطاب المغاربة وإيجاد فضاءات تستجيب لحاجاتهم الدينية؟ ما دامت هذه الفضائيات موجودة فالناس أحرار في التواصل معها، لكن المسألة تأتي من منطلق أن لهذه الأمة اختياراتها التي تضبط التدين في هذا البلد ووحدتها، فنحن سنيون في عقيدتنا وفقهنا، لكن هذا لا يعني أننا نعادي المذاهب الأخرى. نحن نجتهد على مستوى المجالس العلمية في أن يكون لكل مجلس هيئة للإفتاء وموقعه الإلكتروني. ونتمنى أن نتمكن من تلبية حاجة أهلنا من الفتوى وفق مذهبنا واختياراتنا، وأن يقتنعوا بما يقدمه علماؤهم. وأؤكد على أن هذا الأمر هو من أولويات المجلس والمجالس المحلية في مرحلتها الجديدة. نلاحظ قلة إنتاج الهيئة العلمية للإفتاء وبطء عملها، فإلى ماذا تعزون هذا الأمر؟ أولا طبيعة الفتوى التي يصدرها المجلس العلمي الأعلى تتعلق بالشأن العام وليس بالأمور الخاصة التي تتولاها المجالس العلمية المحلية. فالقضايا التي تعرض على المجلس العلمي الأعلى يجيب عليها بالرغم من أنها قليلة. هذا يعني أن العمل رهين بما يرد على المجلس من أسئلة؟ نعم، المجلس الآن اقترح على الهيأة أن تطرح بنفسها قضايا ونوازل جديدة يطرحها التقدم في مختلف المجالات، وتجيب عليها وتهيئ ما يسمى ببنك القضايا، وأن تكون المبادرة منها بحيث عندما تطرح مسألة ما تكون الهيأة قد اشتغلت عليه سلفا ودرستها وناقشتها.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.